الإمام الحسن عليه السلام في آية المباهلة
الكاتب: نزار حيدر
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ).
ولِمَ لا وهو الصادق الامين؟ لذلك يتقدّم بأقرب الناس اليه، فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام، ليبتهل بهم الى الله تعالى، وهو أمرٌ لا يقدِمُ عليه الا من كان واثقا برسالته ومؤمنا بعدالة قضيته وواثقا من تسديد الله تعالى له، وهي كلها صفات اجتمعت في رسول الله (ص) لذلك لم يتردد في اصطحاب اهل بيته للمباهلة مع أهل الكتاب، والذين قال عنهم الله تعالى في محكم كتابه الكريم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
وفي ليلة الخامس عشر من شهر رمضان المبارك، ليلة ولادة السبط الأكبر لرسول الله (ص) الامام الحسن بن علي المجتبى عليهم السلام، وهو احد الخمسة الذين طهرهم الله تطهيرا، تقفز الى الأذهان قضية (الصلح) الذي ابرمه مع الطاغية ابن آكلة الأكباد معاوية بن ابي سفيان بن هند بن حمامة صاحبة الراية في الجاهلية.
لا اريد هنا ان أتحدث عن تفاصيل القضية، وأسباب (الصلح) وشروطه ونتائجه، وإنما اريد ان أتحدث هنا، وفي هذه المساحة الصغيرة، عن الأسس التي بنى عليها اهل البيت عليهم السلام مواقفهم ومنهجيتهم من تطورات الأحداث التي عاشوها وعاصروها ومروا عليها، والتي شخّصت في سِيرِهِم مبدأ (وحدة الهدف وتعدد الأدوار).
الأساس الاول: هو انهم يتعاملون بواقعية بعيدا عن اي نوع من انواع المثالية، من جانب، وبعيدا عن اي نوع من انواع الغيب، من جانب آخر، ولذلك، مثلا، قبِل الامام أمير المؤمنين (ع) ان يكون عضوا في الشورى الستة التي عيّنها الخليفة الثاني قبيل وفاته، مع كل المؤاخذات والملاحظات (الشرعية) التي كانت عنده عليها، لانها كانت واقعا سياسيا سعى لتوظيفه فيما بعد لتحقيق الهدف الأسمى بالنسبة له، الا وهو خدمة الامة وإنقاذها من ورطتها عندما تشتد الخطوب، وذلك في إطار نظرة ثاقبة للأمور تقرأ المستقبل بشكل سليم وصحيح.
وهكذا بالنسبة لصلح الامام الحسن (ع) وثورة الامام الحسين (ع) وقبول الامام الرضا (ع) لولاية العهد، وغير ذلك من المواقف والسِّير المعروفة عن أئمة اهل البيت (ع) وان من يحاول تفسيرها بشكل تعسفي من خلال إقحام المثاليات والغيب والمعاجز، بسبب عدم فهمه واستيعابه لهذه السِّير العطرة، فإنما يظلم الحقيقة ويضحك على نفسه، وهو يحاول، بذلك، التهرب من المسؤولية من خلال التعامل مع أئمة اهل البيت (ع) وكأنهم ليسوا بشرا وأنهم لا يخطون خطوة واحدة قبل ان يرسم لهم الغيب ما يجب عليهم فعله، وان كل ما فعلوه لا يتعدى خارطة الطريق المرسومة لهم غيبيا، فهم مسيّرون، اذن، حسب هذا التفسير، فكيف تريدنا ان نحذو حذوهم؟ ونسير بسيرتهم؟ ونتخذهم أسوة وقدوة في حياتنا اليومية؟ وهو بيت القصيد ومربط الفرس، كما يقولون، من اي تفسير تعسفي لحياة وسيرة اهل البيت (ع).
اما الأساس الثاني؛ فهو انهم، عليهم السلام، يقدمون المصلحة العليا للأمة على كل المصالح الاخرى، وبقراءة سريعة للمنهج الذي ساروا عليه في ظل مختلف الظروف الاجتماعية والسياسية، فسنجد انه حفِظ للأمة، في كل مرة، مصلحتها العليا، ولو لم تتحقق في كل مرة لما تبنّوه وساروا عليه ابدا، فعندما صرف الامام علي (ع) النظر عن حقه بالخلافة بعد وفاة رسول الله (ص) فإنما لتحقيق الصالح العام فقط وليس لأي شيء آخر، ولقد شرح الامام ذلك بقوله (فلمَّا مَضى (صلى الله عليه وآله) تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الاْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي، وَلاَ يَخْطُرُ بِبَالِي، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الاْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ! فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلاَن يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الاْسْلاَمِ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله) فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الاْسْلاَمَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّام قَلاَئِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الاْحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ).
وهكذا هو الامر لبقية المواقف وتفاصيل النهج الذي التزم به اهل البيت (ع) كما هو الحال، مثلا، في (صلح) الامام الحسن (ع).
الأساس الثالث: هو انهم، عليهم السلام، يحاولون إقناع الامة بالشيء الصحيح، بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار والمنطق والمحاججة السليمة، بعيدا عن اي نوع من انواع الفرض والإكراه والتعسف، وبعيدا عن استخدام القوة والسيف، التزاما بالنهج القرآني الواضح بهذا الشأن، والذي يحدثنا عنه رب العزة بقوله (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) حتى اذا أفسدت الامة رأيهم بالعصيان، ولم تقتنع بالحق، واختارت الأغلبية أمراً، فلم يكن للامام ان يرفض ويفرض عليهم شيئا يكرهونه ابدا، ولذلك قبل الامام أمير المؤمنين (ع) بالتحكيم ليس لإيمانه به واعتقاده بصحة الفعل، ابدا، وإنما لاختيار الأغلبية لهذا النهج، وهو، عليه السلام، كان يعلم علم اليقين بخطئه، وأنهم سيندمون عليه، الا انه (ع) أمضاه لتتحمل الامة مسؤولية قرارها، اخطأً كان ام صحيحا.
كذلك، إنما قبل الامام الحسن (ع) (الصلح) مع الطاغية معاوية بعد ان رأى أغلبية (الامة) كارهة للحرب، وان لا طاقة لها على خوض غمارها، فلقد شرح الامام عليه السلام ذلك في معرض جوابه على سؤال اكثر من واحد من أصحابه عن علة (الصلح) وسر عدم خوضه الحرب ضد الطاغية معاوية الذي كان يمثل بجماعته الفئة الباغية بنص القران الكريم (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فقال عليه السلام (اني رأيت هوى معظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم أحب ان أحملهم على ما يكرهون) ولطالما استفتاهم الامام قبل ان يعقد (الصلح) مع الطاغية، بقوله (الا وان معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزٌّ ولا نصفة, فان اردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه الى الله عز وجل بظبا السيوف، وان اردتم الحياة قبلناه، واخذنا لكم الرضا) فكان يناديه الناس، في كل مرة، من كل جانب: البقية، البقية!!!.
والآن: أين نحن من هذا النهج الرسالي؟.
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا