ولادة الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام)
الكاتب: مجاهد منعثر منشد الخفاجي
يا حجة الله الجليل وعينه وزعيم آله * * * وابن الوصي المصطفى شبيه أحمد في كماله
انت ابن بنت محمد حذوا خلقت على مثاله * * * فضياء نورك نوره وظلال روحك من ضلاله
فيك الخلاص عن الردى وبك الهداية من ضلاله
(اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ ابْنِ سَيِّدِ النَّبِيّينَ وَوَصِيِّ أميرِ الْمُؤْمِنينَ. اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، أشْهَدُ أنَّكَ يَابْنَ أميرِ الْمُؤْمِنينَ أمينُ اللهِ وَابْنُ أمينِهِ، عِشْتَ مَظْلُوماً وَمَضَيْتَ شَهيداً، وَأشْهَدُ أنَّكَ الإمامُ الزَّكِي الْهادِي الْمَهْدِي. اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَبَلِّغْ رُوحَهُ وَجَسَدَهُ عَنّي في هذِهِ السّاعَةِ أفْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ)(1).
قال الرسول الأكرم محمّد (صلّى الله عليه وآله): (أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي)، وقال أيضاً عنه وعن أخيه الحسين (عليهما السّلام): (مَن أحب الحسن والحسين أحببته، ومن أحببته أحبّه الله، ومن أبغضهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله).
وقال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(2).
فهو من أصحاب الطهر الذين نزلت فيهم هذه الآية، وهو من الذين أمر الله بمودتهم (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(3)، وكان أحد الأربعة الذين باهل بهم النبي الكريم (صلّى الله عليه وآله) نصارى نجران.
ولادة الإمام (عليه السّلام)
عن الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) أنّه قال: (لما وُلدت فاطمة الحسن (عليه السّلام) قالت لعلي (عليه السّلام): سمّه. فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله. فجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأُخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: ألم أنهكم أن تلفوه في [خرقة] صفراء. ثمّ رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها، ثم قال لعلي (عليه السّلام): هل سمّيته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): وما كنت لأسبق باسمه ربي (عزّ وجلّ).
فأوحى الله (تبارك وتعالى) إلى جبرئيل أنّه قد وُلد لمحمّد ابن، فاهبط وأقرئه السلام وهنّئه، وقل له: إنّ علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون. فهبط جبرئيل (عليه السّلام) فهنّأه من الله (عزّ وجلّ)، ثمّ قال: إنّ الله (عزّ وجلّ) يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون. قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر. قال: لساني عربي. قال: سمّه الحسن. فسمّاه الحسن). وكانت ولادته (عليه السّلام) بالمدينة في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.
وجاء في كتاب الذرية الطاهرة للدولابي أنه قال: تزوّج علي فاطمة (عليهما السّلام) فولدت له حسناً بعد اُحد بسنتين، وكان بين وقعة اُحد وبين مقدم النبي (صلّى الله عليه وآله) المدينة سنتان وستة أشهر ونصف؛ فولادته لأربع سنين وستة أشهر ونصف من التاريخ، وبين اُحد وبدر سنة ونصف.
فجيء به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: (اللّهمَّ إنّي اُعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم). وأذّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وسمّاه حسناً، وعقّ عنه كبشاً.
صفات الإمام (عليه السّلام)
كان الإمام الحسن (عليه السّلام) أبيضَ مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، رقيق المشربة، كث اللحية، ذا وفرة، وكأن عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة، ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر، حسن البدن.
يقول واصل بن عطاء: كان للحسن بن علي (عليهما السّلام) سيماء الأنبياء وبهاء الملوك، ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مثل ما بلغ الحسن. كان يُبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس على البساط انقطع الطريق، فما مرَّ أحد من خلق الله؛ إجلالاً له، فإذا قام ودخل بيته مرّ الناس واجتازوا. لقد رأيته في طريق مكة ماشياً، فما من خلق الله أحد رآه إلاّ نزل ومشى.
نشأة الإمام (عليه السّلام)
نشأ الإمام الحسن (عليه السّلام) في ظلّ الأُسرة النبوية، وتغذّى بطباعها وأخلاقها، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو المربّي الأول للإمام (عليه السّلام)، وكان كثير الاهتمام به، ولطالما أكّد (صلّى الله عليه وآله) على محبته ومحبة أخيه شهيد كربلاء، وهذا ما رواه السنة والشيعة، فعن أبي هريرة، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني).
وصية أمير المؤمنين عليٍّ للحسن (عليهما السّلام)
وعن سليم بن قيس الهلالي قال: شهدت أمير المؤمنين (عليه السّلام) حين أوصى إلى ابنه الحسن (عليه السّلام)، وأشهد على وصيته الحسين (عليه السّلام) ومحمّداً وجميع ولده، ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسّلاح، وقال له: (يا بُني، أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن اُوصي إليك، وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليَّ ودفع إليَّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين).
ثم أقبل على ابنه الحسين (عليه السّلام) فقال: (وأمرك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تدفعها إلى ابنك هذا)، ثمّ أخذ بيد علي بن الحسين وقال: (وأمرك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن علي، واقرأه من رسول الله ومنّي السّلام).
وأنّ علياً (عليه السّلام) لما سار إلى الكوفة استودع اُمّ سلمة (رضي الله عنها) كتبه والوصية، فلما رجع الحسن (عليه السّلام) دفعتها إليه.
بيعة الإمام (عليه السّلام)
ذكر المؤرّخون أنّ الإمام الحسن بن علي (عليهما السّلام) قد دعا إلى الأمر بعد أبيه (عليه السّلام)؛ حيث قام خطيباً في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ قال: (لقد قُبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيقيه بنفسه، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، فلا يرجع حتّى يفتح الله تعالى على يديه. ولقد توفي (عليه السّلام) في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم، وفيها قُبض يوشع بن نون، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمئة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله).
ثمّ خنقته العبرة، فبكى وبكى الناس معه، ثم قال: (أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودتهم في كتابه فقال: (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً). فالحسنة مودّتنا أهل البيت).
ثم جلس، فقام عبد الله بن العباس بين يديه وقال: يا معاشر الناس، هذا ابن نبيكم، ووصي إمامكم فبايعوه. فتبادر الناس إلى البيعة له بالخلافة.
أخلاق الإمام (عليه السّلام)
كان الإمام الحسن (عليه السّلام) يفضّل أن يكتب له المحتاجون حاجتهم في ورقة، فسئل عن ذلك، فأجابهم أنه لا يريد للسائلين أن يريقوا ماء وجههم؛ ليحفظ كرامتهم.
وروي أنّ الإمام (عليه السّلام) قد تعرّض للسبِّ من قِبل رجل من أهل الشام كان مخدوعاً بتضليلات معاوية بن أبي سفيان، فابتسم الإمام (عليه السّلام) في وجهه وقال له باُسلوب هادئ: (أظنّك غريباً، فلو أنك سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، وإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، أو طريداً آويناك). فخجل الشامي وطلب العفو...
كرم الإمام (عليه السّلام)
ومن كرمه (عليه السّلام) أنّ جماعة من الأنصار أرادوا بيع بستان لهم، فاشتراها، وبعد مدة اُصيبوا بضائقة مالية شديدة، فردها لهم بدون مقابل.
بعض كلمات الإمام (عليه السّلام) في الصلح مع معاوية
ـ (والله، لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي واُؤمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي. والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلماً)(4).
ـ (لولا ما اُتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتِل)(5).
ـ (والله لئن اُسالمه وأنا عزيز خيرٌ من أن يقتلني وأنا أسير، أو يمنّ عليّ فيكون سنّة على بني هاشم آخر الدهر لمعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحيّ منّا والميت)(6).
ـ (والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ أنّي لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتّى يحكم الله بيني وبينه)(7).
ـ (لكنّي أردتُ صلاحكم وكفّ بعضكم عن بعض). وقوله في جواب حجر بن عدي: (وما فعلتُ ما فعلتُ إلاّ إبقاءً عليك. والله كلُّ يوم في شأن)(8).
ـ (ولكنّي خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً تشخب أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمُه)(9).
ـ (يا أبا سعيد، علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله لبني ضمرة، و... اُولئك كفّار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه كفروا بالتأويل)(10).
وقد عبّر الإمام الباقر (عليه السّلام) بقوله: (لولا ما صنع لكان أمر عظيم)(11).
وقال الإمام الصادق (عليه السّلام): (اعلم أنّ الحسن بن علي (عليهما السّلام) لما طعن واختلف الناس عليه سلّم الأمر لمعاوية، فسلّمت عليه الشيعة: عليك السّلام يا مذل المؤمنين. فقال (عليه السّلام): ما أنا بمذلّ المؤمنين، ولكني معزّ المؤمنين. إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوّة سلّمت الأمر؛ لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم، كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها، وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم)(12).
فإنّ الشيعة سلّمت عليه سلام وداع لا سلام ابتداء؛ إذ قدّمت الجز على المبتدأ، وهذا يعني أنهم في منتهى اليأس والقنوط، إلاّ أنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) تداركهم بلطفه وعطفه، فأبان لهم وجه الحكمة في المصالحة، وأنهم السبب في ذلك؛ لأنّهم ليس بهم على أهل الشام قوة، فسلّم الأمر لمعاوية بقياً على نفسه وعليهم، ثمّ ضرب لهم مثلاً من القرآن الكريم بقصة العالم الذي خرق السفينة لتبقى لأهلها كما في سورة الكهف.
وكان من أعظم منجزات الإمام (عليه السّلام) في هذا الصلح هو كشف حقيقة معاوية للناس الذين كانوا في أيامه والأجيال التي جاءت بعده على طول التاريخ؛ إذ لولا تسليمه الأمر إلى معاوية، ومن ثمّ نكث هذا الأخير لِما أعطى الإمامَ (عليه السّلام) من شروط وعهود، لما كانت تُعرف حقيقة معاوية العدوانية، بل ونفاقه الصريح.
ونختم القول بأدعية الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام): (اللهمَّ أقلني عثرتي، وآمن روعتي، واكفني مَن بغى عليَّ، وانصرني على مَن ظلمني، وأرني ثأري منه).
ونُقل عنه أنه قال: (علّمني جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرَّ ما قضيت؛ فإنّك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنّه لا يُذلّ مَن واليت، تباركت ربنا وتعاليت...).
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 91 / 74.
(2) سورة الأحزاب / 33.
(3) سورة الشورى / 23.
(4) الاحتجاج 2 / 20.
(5) علل الشرائع / 211.
(6) المصدر نفسه.
(7) المصدر نفسه / 212.
(8) شرح نهج البلاغة 16 / 15.
(9) المصدر نفسه.
(10) المصدر نفسه.
(11) المصدر نفسه.
(12) تحف العقول / 224 ط الأعلمي.
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا