شدة المظلومية للإمام الحسن ( عليه السلام ) :
قلت فيما تقدم إن البعد الزماني لكل قضية قد يتناسب طردياً مع مظلومية القضية وبعدها المأساوي، وإن لم يكن هو العامل الأساسي لاستمرار وديمومة القضية، وإنما العامل الرئيسي هو الارتباط بالله تعالى، هذا العامل هو المعطي لكل الآثار الممكنة والمؤثرة لها في حياة النَّاس وفاعليتها وديمومة وجودها لأنها مرتبطة بالحق المطلق (جلَّ ذكره) الذي لا يحده الزمان ولا يحدده مكان، ومجرد إضافة الشيء إليه وارتباطه به يلقي من فيوضاته عليه ويجعل للمرتبط به شيئاً مما له كالبقاء والاستمرار .
وهذا هو سرّ بقاء النهضة الحسينية وأثرها أكثر من العامل المأساوي، وهو عين العامل الذي تعامل به الإمام الحسن( عليه السلام ) في مواجهته لردة الجاهلية الأموية .
وهنا نغض النظر عن هذا العامل ونأخذ بالأول وإنما نغض النظر عنه إذ لا اختلاف بين معتقدي الحق إن كلا الإمامين تعاملا مع الأحداث وفق الرضا الإلهي الذي لا يتخطاه الإمامان (عليهما السلام) وإن اختلفت صورة تطبيقه ورسمه في أرض الدنيا .
وبالإمكان أن نجعل مظلوميّة الإمام الحسن (عليه السلام) ناشئة من عوامل معينة لتسمّى عرفية اجتماعية لا تختلف باختلاف الزمان والمكان ما دامت النفس الأمارة بالسوء موجودة وحليفها الشيطان الرجيم، فما وقع من الظلم على الإمام الحسن (عليه السلام ) هو :
1ـ إن شدّة الظلم تزداد قسوة وإيلاماً على الإنسان لو وقعت على ما يعتز به ويدافع عنه ويضحي من أجله من قيم أخلاقية واعتبارات عرفية كالكرامة والعزّة والشرف والإباء والحياء والاحترام له من الآخرين وغيرها، ويقابلها الذلة والضعة، وعدم المبالاة به من الآخرين، وما وقع للإمام (عليه السلام) من النوع الثاني واضح ويؤيده النقل التاريخي، وإذا أردت فهم الأمر فما عليك إلا أن ترى كم يؤلمك مَن يهين كرامتك ويغمط حقك في التقدير والاحترام، فأنت لا يمكن أن تنسى له ذلك ولكن بإمكانك نسيان أذيته لو وقعت على بدنك ومالك ولم تمس كبريائك وشرفك. والكلمة قد يكون وقعها أكثر إيلاماً لو وقعت على أهل الشرف والمثل العليا والأخلاق السامية إلى درجة يتمنى أحدهم الموت على سماع كلمة نابية .
وقد صوّر القرآن الكريم مقالة العذراء مريم (عليها السلام) عندما توقعت أن تسمع من أهلها كلمات جارحة قالت :( يَا لَيْتَنِي مِتّ قَبْلَ هذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّا ً) .
والسر في هذا الاعتزاز واضح وهو إن الإنسان يعيش لقيم ومعانٍ سامية بها يحقق إنسانيته وأهليته ليكون عنصراً من عناصر المجتمع البشري إلا القلة من الأراذل والسفلة الذين لا يعيرون لمثل هذه المعاني أيَّة قيمة فالواحد منهم لا يبالي ماذا يقال له إن لم يأنس بما يقال .
وأمثال هؤلاء كثيرون، ولا كلام لنا معهم فهم خارجون عن مقومات الإنسانية ومُثُلِها بل هم كالإنعام بل أضل سبيلاً .
2ـ إن بعض ما وقع من ظلم على الإمام الحسن (عليه السلام) إنما وقع ممن هو قريب وليس من البعيد، كما حصل من عُبيد الله بن عباس عندما أرسله الإمام (عليه السلام) في أثني عشر ألف محارب إلى مواجهة معاوية، فأغراهُ معاوية بألف ألف درهم يعجّل له منها النصف ويعطيه النصف الآخر عند دخوله الكوفة، فانسل عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته وأصبح الناس وقد فقدوا أميرهــم .
ومن المعلوم وجداناً إن الأذية والخذلان حينما تقع من القريب تكون مرّة ومؤذية إلى درجة عالية جداً. وقد لا تتصور.
وقد تعلل بأن المرتكز في ذهن المظلوم إن ما يأمله من الآخر لا يحتمل فيه الشك أو التردد فضلاً عن الرد، وفضلاً عن المقابلة بالضد من الجحود والخذلان، وهو عنده واقع لا محالة وغير متصور بالمرة الرفض والخذلان، فإذا حصل والحال هذه كان حصوله مع عدم تصوره يعطيه ثقلاً أكبر وزخماً أعظم في نسف الأمر المرتكز ورفعه بالمرة وانتهائه، ورفع ما هو مرتكز بشكل فجائي ومباغت مؤلم بطبيعةِ الحال .
ومن خلال ذلك تعرف السر في القطيعة الرحمية بين الأقرباء أكثر واشد فيما بين غيرهم، فيلاحظ إن معظم المخاصمات والمقاطعات تقع بينهم خاصة .
وربما يضاف وجه آخر للقطيعة الرحمية يصوّرها مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) في كلماته القصار : (( الأقرباء يتحاسدون والغرباء يتعارفون )) أي إن الحسد بين الأقرباء باعث على قطيعة الرحم .
وقد يكون ما حمل عبيد الله بن عباس وهو من أقرباء الإمام الحسـن ( عليه السلام ) إلى الخيانة؛ حسده للإمام ( عليه السلام )، وإنه لا يطيق تأمره عليه، وهذا أمرٌ مشاهد ومعاش لا يقبل الإنكار والرفـض .
وأما لو حصل الخذلان من البعيد فلا يكون مثل هذا الارتكاز موجوداً أو إنه موجود بدرجة ضعيفة، فلا تحصل الغرابة من موقفه ولا يتألم لخذلانه إلا طفيفاً سرعان ما يزول .
والذي حصل لا يختص بالأقرباء بل يشمل أيضاً الأصدقاء وأهل الصحبة والموالاة، وَلَيتَهُمْ وقفوا عند هذا الحد من الخذلان ومحاولة الإيقاع به وتسليمه إلى معاوية بل تعدوا إلى توبيخه وتقريعه بالسّب والشتم كقول أحدهم ( يا مذل المؤمنين )، وقول الآخر : ( أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ) وما أشدها من مرارة .
3ـ إن هذا الحد قد يكون محتملاً، ولكن لو أضيف له البعد الزماني كما حصل له طول المدة التي عاشها الإمام ( عليه السلام ) فكانت تلاحقه النظرات النقدية والتصرفات التوبيخية خصوصاً مع كل مظلمة يرتكبها معاوية بحق أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي فترة ليست بالقصيرة، والمعاناة الحياتية تزداد يوماً بعد يوم وتتضخـّم، ولا يستطيع الزمان أن يتكفل بزوالها ونسيانها حيث لم تكن على طبيعة الأذى وانتهاء الأمر، كيف وظلم واضطهاد المؤمنين كان مستمراً فهي صورة متحركة ماثلة أمام الأعيُن وانعكاساتها باقية ومستمرة، فمن أين يأتيها الزوال ؟
4ـ إن الشيء المرّ الذي يمر به الإنسان، أن يعيش وسط مجتمع يعرف مكانته ويقدر موقعه، ويستهدف هدفه أو يلتقي معه في تصوراته حول الحياة والمجتمع، والطبيعة البشرية تطلب الحاجة إلى التقدير الاجتماعي من قبل الآخرين وهو مما تطمع به نفس الإنسان، وقد لاحظ هذا الجانب الشارعُ المقدس بآدابه وسُننه فجعل لمن يبادر بالسلام والتحية تسعا وستين حسنة على رواية، وتسعاً وتسعين حسنة على رواية أخرى، ملاحظاً منه هذا الجانب، وما تطلبه طبيعة الإنسان وجانبه الاجتماعي من إشباع الحاجة إلى التقدير والاحترام .
ولكن الذين عاشروا الإمام الحسن ( عليه السلام ) لم يعيروه أهميةً ولم يعطوه موقعه المناسب في نفوسهم بما يدَلل على تقديرهم له واحترامهم لوجوده معهم وانصياعهم لقراراته .
ولو كانوا لم يعرفوا قدره لهان الأمر، كيف وهم على علم ومعرفة بموقعه ومكانته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن الإسلام، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . ؟
وقد يقبل هذا المقدار من الغض إذا لم يتعد إلى محاولة تجهيله وإهمال مكانته وتضعيفها، أو إغماض النظر عنه بالمرة فلا يُفتقد حين غيابه ولا يُعبأ به حين وجوده معهم، فهو بنظرهم واحد منهم لا يفرق بينه وبين أحدهم، أو يتميز عنه فلا تأثيرهُ في حياتهم واضح من جهة عدم انفعالهم معه وانصياعهم إليه .
وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى التعدي عليه والتجسس لأعدائه وتخذيله وبيع أسراره وتجاوز الأمر إلى محاولة تقييده وتسليمه إلى عدوه، والشعور والإحساس بمرارة كل هذا أو قساوته لا يمكن تصوره بواقعه إلا للمجرب، وقـد ورد عـن جده رسـول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما وقع له من قومه قولته المشهورة :(( ما أُوذي نبي مثلي قط )) .
وليس أذاه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا نبزه وإنكار دعوته والاعتداء عليه جسدياً ونفسياً بكل الحرب النفسية التي شنّها الكبراء من قريش عليه، فقالوا : شاعر ومجنون وأبتر وغير ذلك .
هذا مع إن موقفه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيه من نقاط القوة والإيجابية لم توجد عند سبطة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ومع ذلك صرح بما قال .
فمن النقاط الإيجابية عنده ( صلى الله عيه وآله وسلم ) : ـ
1ـ الدعم السماوي له بالوحي النازل عليه وتسليته بالقرآن كقوله تعالى : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُو الأَبْتَرُ ) وقوله تعالى: ( طه . مَا أَنزَلنَا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشْقَى ) وغيرها .
وتسلية السماء له اكبر من قساوة وصلافة قومه وإعراضهم عنه، وقد خافهـم علـى تبليغ ما أُمـر به ( يَا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وَإِنْ لَّم تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِّ ) . والدعم السماوي منتج لرفع معنوياته وإمداده بطاقة لا تنفذ على مواجهة الصعاب مهما بلغت .
ولا أقصد بالدعم بوجهه الواقعي كي يقال إن الإمام الحسن ( عليه السلام ) كذلك، فإن هذا أمرُ مُسَلَّم، وإنما أقصد الدعم الظاهري بالوحي حفظاً للفارق بين النَّبُّوة والإمامة وما يفهمه الخصم.
2ـ إن جده الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم ) قد حقق هدفه في حياته بعد طُول عناء وبلاء شديدين، فبلَّغ الإسلام كاملاً غير منقوص، وطبّقه بتمامه، وكان من تطبيقاته، إنه صنع إسلاماً متحركاً متمثلاً بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يحفظ معالمه ويصون أحكامه من أيِّ انزلاق وانحراف وتشكيك قد يحصل مما يتربصه أعداء الإسلام .
ولم يكن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لوحده في ميدان المواجهة بل معه خُلّص من صاغه الإسلام من الطبقة العالية التي حفظ التاريخ لهم مواقفهم وأكبر أعمالهم وبطولاتهم .
ومثل هذا الأمر لم يحصل عليه الإمام الحسن ( عليه السلام ) في حياته، فأذى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد انقطع وأذاه لم ينقطع . هذا كله من ناحية المعاصرين له ( عليه السلام ) أثناء حياته المباركة، ولم يقف آذاه عند حياته بل تعداه إلى مماتـه، وقصة منع دفنه عند قبر جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) معروفة لا تحتاج إلى بيان .
ومع كُلِّ هذهِ المظالم يأتي من بعد حياته الموالون وغيرهم، فلم يعطوه حقّه كما هو مستحقه، بل ترك الموالون إحياء ذكراه إلا على نحو يسير وسطحي لا يفي بحقّه عليهم وعظيم شأنه لديهم، وكأنه لم يكن إمامهم المعصوم، وواجب الطاعة عليهم، وآية المودة واضحة الدلالة بأن مودته واجبة، ومودته الاحتفال بذكرى ولادته واستشهاده بما هو لائق به .
وأما غيرهم ـ أي غير الموالين ـ فحالهم غير مجهول وموقفهم معروف .
وإذا كان حال الموالين على الإهمال والتقصير فما بال المفكرين والمؤلفين وحملة أقلام الفكر والتاريخ لم يوجهوا الأُمة بكتاباتهم نحو حياته المباركة وموقفه من الخلافة والمسالمة، إلا ما تجده قليلاً متناثراً هنا وهناك ضمن أبواب خاصة في مؤلفات تاريخية .
فلماذا هذا الإهمال ؟ ألم يماثل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في موقفه مع مشركي قريش ومصالحته معهم ؟ ألم يكن امتداداً للرسالة ؟ ألم يكن من أصحاب الكساء ؟ ألم ….
وأخذ الغرور بعضاً منهم حتى نقده بأنه لا يصلح للإمامة وإنه تعجّل القبول بها، وقد أعطى لنفسه وهواه فسحةً من النقد لهذا الإمام المظلوم ( عليه السلام )، المظلوم في حياته وفي مماته وبعد مماته .
مظلومية الإمام الحسن (عليه السلام)
الحلقة الرابعة
الشيخ المجاهد قاسم الطائي
ترجيح لفظ السلم على لفظ الصلح
وإذا لم يرد لفظ الصلح من كلام الإمام ( عليه السلام ) أمكن أن نختار لفظ السلم. لا الصلح ولا الهدنة ـ من خلال التسمية التي انطلقت من ألفاظ استعملها المعصوم ( عليه السلام ) وهي أدعى للدلالة على الفعل والإشارة إليه، لأن الفعل فعل المعصوم وهو أدرى بما يعبّر عنه باللفظ فهو يعبّر عما في نفسه بألفاظ لا تخرج عن واقعها ومضمونها وما تنطوي عليه من معاني، ولا يحقّ التعبير إلا بلفظ أستعمل من قبل متكلمه وكلامه( عليه السلام ) لا يخرج عن إصابة الحقيقة وصراط الحق. وكان حجة يُتعبد به إن ثبت صدوره. هذا أولاً.
ثانياً : إن معاني السلم ومنها المصالحة والسلامة من الآفة والعيب والبراءة منه : كلها معاني صحيحة ومطلوبة، حيث سلم المؤمنون من خُلَّص شيعة الإمام وأبيه ( عليهما السلام ) من الآفة آفة القتل والتشريد والتنكيل وكان معاوية يهاب الإمام الحسن (عليه السلام) فلم يتمادى فيها إلا بعد وفاته، ولذا كان الناس آمنين إلى حدٍما أيام حياته الشريفة ( عليه السلام ).
وكذا معنى البراءة، وله أحدُ تفسيرين إما براءة الإسلام من أمثال معاوية وأزلامه فهم ليسوا من رجال الإسلام وأهله ولا من المتّصفين به وهو معنى صحيح، يؤكده النقل التاريخي، وتاريخ الرجل أوضـح شاهـد عليـه، فهو ممن حارب الله ورسولَهُ وأهل بيته علناً وجهاراً، وصـرّح بكفره تصريحاً بقوله( إني والله ما قاتلتـكم لتصلوا ولا لتـصوموا ولا لتـزكوا، ولـكن قاتلتكم لأتآمر عليـكم ).
وأما براءة الإمام الحسن ( عليه السلام ) مما فعل معاوية لينسب إليه فعله أو يُنتقد بسببه حيث سلم له إمرة المسلمين كما يدعى. وقد عرفت إنه لم يسلم له الإمرة. وإنما تخلى عن الأمر خاصـة، ولو ترى إنه سلمها لكن بشروط لم يفِ معاوية بها، وإذا انتفت الشروط انتفى المشروط، فبراءته ( عليه السلام ) واضحة.
ثالثاً : إن المعصوم قوله حجة ومن ضروريات المذهب، وحجية قوله إنه لا يخطئ الحق لو اتبعناه، ولا يخالف الواقع لو قبلناه، وهو حجّة مطلقاً لا في خصوص الأحكام الشرعية كما ربما يتوهم، بدليل عدليته للقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولقد استعمل الإمام الحسن ( عليه السلام ) لفظ السلم بمـــادة ( سَالَم ) مرتين :الأولى بعد أن تمت لمعاوية البيعة وطلب من الإمام الحسن ( عليه السلام ) التماساً أن يتكلم بجمع من الناس في الكوفة، فكان كلامه(عليه السلام):(( وإنّ معاوية نازعني حقاً هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأُمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه وقد بايعته ورأيت أنّ حقن الدماء خيرٌ من سفكها ولم أرد بذلك إلاّ صلحكم وبقاءكم وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين )).
والأخرى ما تضمنه كتاب الصلح الذي كتبه عبد الله بن الحـارث، كما هو واضح في النقطة الخامسة :الفقرة السابقة.
وقد يقال : إنه على تقدير استعمال لفظ الصلح فهو يَستبطِن إصلاح الطرف الآخر وهو ممن لا يقبل الإصلاح على نحو يكون فيه أي أمل، كيف وهو من الشجرة الملعونة في القرآن ؟
الجواب على ذلك من جهتين على الأقل :
الجهة الأولى :
إن المتكلم له الخيار في استعمال الألفاظ الدالة على مقاصده، وهو حرٌ فيما يستعمل من ألفاظ، وقد علمت إن لفظ الصلح غير مستعمل من الإمام (عليه السلام )، بل من الكُتّاب ونقلة الأخبار والمؤلفين، أو من الوضّاعين للأخبار المبررة لأعمال بني أميـة.
الجهة الثانية :
أن يُسلّم استعماله من الإمام (عليه السلام ) بعد التسليم بصحة الرواية، والتي قال فيها (عليه السلام ) :(( إن حقن الدماء خيرٌ من سفكها ولم أرد بذلك إلا صلحكم وبقاءكم وإن ادري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين )).
فالإصلاح متحقق لأصحاب الإمام ( عليه السلام )، أو إرادته لهم خاصة لا للطرف الآخر بما فيهم معاوية، بل حتى له كما يرشد إليه الأدب القرآني مـن قـوله تـعالى( لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ )، ومَن أولى من المعصوم في تطبيق القرآن وآدابه وإرشاداته مع إنه القرآن الناطق حقيقة.
وأما كونه من الشجرة الملعونة وإن كان صحيحاً لكنّه لا ينافي محاولة إصلاحه وإرجاعه عن غيه وفساده لا أقل من جهة الاعتذار إلى الله تعالى بقيامه بوظيفته وإنه حجة الله على خلقه ومنهم معاوية طبعـاً.
وهنا يُطرح إشكال آخر وهو :
إن الإمام الحسن (عليه السلام ) بايع لمعاوية بالخلافة لا كما قلتَ، يشهد له بل يدل عليه قوله (عليه السلام ) :(( ما منا أحدٌ إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائـم ( عجل الله فرجه الشريف ))).
والجواب عليه من وجوه :
الوجه الأول :
إنه معارض بما قاله الإمام الحسن ( عليه السلام ) حينما أراد معاوية إجبار الإمام الحسين ( عليه السلام ) على البيعة، فقال له (عليه السلام ) :(( دعه فإنّه لن يبايع حتى يُقتل ولن يُقتل حتى يُقتل معه كل أهل بيته ولن يُقتل أهل بيته حتى يقتلوا أهل الشــام )). فالإمام الحسين (عليه السلام ) ممن في عنقه بيعة بمقتضى الخبر الأول ولن يبايع بمقتضى الخبر الثاني فهما متعارضان من هذهِ الجهة.
الوجه الثاني :
ما قالـه بعضُ المفكرين المعاصرين عن بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام ) للخلفاء الثلاثة، إنها إن ثبتت فمدلول البيعة سياسي واقعي أكثر منه إثباتاً شرعياً، أي إن الإمام علي (عليه السلام ) لم يسلم إطلاقاً بشرعية ما جرى، ويؤيده ما سمعته من السيد الأستاذ (قدس سره) في بعض محاضراته، إنه لم تثبت بيعة لمعصوم لخليفة زمانه.
ويؤيده كذلك إن المعصومين (عليهم السلام ) ليسوا من الناس العاديين، بل من المهمين جداً عند المسلمين وموقعهم الاجتماعي والديني والأخلاقي كبير جداً إلى درجة تجعل محاولة أخذ البيعة منه للخليفة مجازفة واضحة قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الدولة وتقويض الخلافة، فكان التحاشي عنهم في أخذ البيعة منهم أمر يتطلبه الواقع السياسـي، مع أنهم (عليهم السلام ) لم يظهر منهم علناً معارضة الحكم آنذاك بقدر ما كان يهمهم المحافظة على تعاليم السماء من الانحراف وتضييع تعاليمها وقيمها وصيانة مبادئها، وهو أمرٌ غالباً ما يقع من معتلي الخلافة الجديد أن لا يحدث شيئاً يشق عليه عصا الطاعة، كمحاولة اخذ البيعة من الإمام المعصوم (عليه السلام ).
ومن المؤيدات أيضاً ـ دعمهم وتشجيعهم للمعارضة القائمة خصوصاً على الأخذ بثأر آل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وإن لم يكن بشكل ظاهر مكشوف بل باطن مستور ولو كان الإمام قد بايع الخليفة، فعليه الالتزام ببنود البيعة وشروطها ومن أولى منه بذلك مع التشديـد القـرآني علـى الوفاء بالعهـد ( إن العهد كان مسؤولاً) بل لا يعقل مبايعة الإمام المعصوم للخليفة ولم يصدر منهم إلا ما يغضب الله ورسولَهُ، ونبذ كتاب الله وسنّة رسوله، إلا مظاهر شكلية تتطلبها وظيفة خلافة المسلمين. نعم قد لا يكون من الصحيح إبداء المعارضة وإعلان عدم شرعية الخليفة. والظرف لا يشجع إلا على السكوت مادام الخليفة ساكتاً عنهم.
الوجه الثالث :
إنّه بالإمكان أن نفهم إن في أعناقهم بيعة صحيح من حيث انحسار الحكم عنهم إلى غيرهم، ولكنهم لم يبايعوا، لأنه لا دلالة في الحديث الوارد على وقوعها منهم، وليس فيه أيُّ إشعار بحصولها منهم، فالبيعة بواقعها موجودة، ولكن لم تحصل خارجاً منهم، لأنه ( عليه السلام ) قال : (( ما مِنا أحد إلا وفي عنقه بيعة )). ففي أعناقهم بيعة صحيح لكن الحديث ساكت عن جهة وقوعها منهم، ويؤيده قول السيد الأستـــاذ ( قدس سره) المتقدم.
ويبقى قول الإمام الحسن (عليه السلام ) : (( اتركه لن يبايع )) لا يُشكّل ظهوراً قوياً بأن البيعة وقعت منه لمعاوية، إذ لا مفهوم لجملته المباركة في بيعته له كما ربما يوحيه الجو العام ووقوع الصلح مع معاوية ولا قرينة تدل عليها، ومع اللا قرينة فلا وجه للمصير إليه.
مع إنه ربما يدعى إن الإمام الحسين (عليه السلام ) الذي هو ليس الإمام المنصوب وفق التسلسل الطبيعي لإمامة الأئمة (عليهم السلام ) لن يبايع فالإمام المنصوب (عليه السلام ) للإمامة من باب أولى لن يبايع.
الوجه الرابع :
أن يُطعن بالخبر من حيث السند، وهو إلى الضعف أقرب، وتكون الأجوبـة السـابقة بعد التنـزل من هذه الـجهة، وإلا لم تصح كما هو واضح.
قال معاوية :( والله إني ما قاتلتكم لتصلوا ولتصوموا ولتعجبوا ولا لتزكوا، ولكني قاتلتكم لأتآمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وانتم لها كارهون، ألا وأني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها ). حياة الأئمة الاثنا عشر ـ دراسة تحليلية ـ ص101 ـ.
اشكالات واجوبتها
الإشكال الأول :
إن الصلح مرتبةً متأخرة بعد عرض الحرب من قبل الإمام الحسن (عليه السلام ) على معاوية، وقد شاور معاوية معاونيه وخصوصاً عمر بن سعد وقد أشاروا عليه بأنك إذا حاربته سواء انتصرت أو خسرت فأنت خاسر، فأشار عليه بإغراء قادة جيوش الإمام ( عليه السلام )، فكيف تقول إن المصلح إذا أراد الحرب فلابد من إلقاء الحجة على القوم ورفع الموانع فكيف أراد الحرب قبل الصلح ؟ وهل الصلح لفائدة أَهل الشام والمعروف إنهم لَم ينصروا الحسين ( عليه السلام ) وكانوا يجهلونه ويعتقدون بأنهم من خوارج ؟
وجوابه :-
أولاً : إن عرض الحرب بعد أن ظهرت من معاوية بوادرها من إرسال الجواسيس والعيون والغارات التي تعبث في الأرض فساداً، وأيضاً كان مقتضى ما يراد من الإمام الخليفة القيام به هو نفس المنهج الذي كان عليه ( أبوه عليه السلام ) في تنقية التجربة الإسلامية وصيانتها من أَهل الانحراف والفساد فكان مقتضى طبع الأشياء هو ذلك ،.
وقد دَسَّ معاوية الجواسيس بعـد أن وصله خبر وفـاة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبيعة الناس لابنه الإمام الحسن ( عليه السلام )، وكان ممنٍ دسّه رجلاً من حِميَر إلى الكوفة، ورجلاً من القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار ويفـسدا على الإمام ( عليه السلام ) الأمور، فعرف الإمام الحسن ( عليه السلام ) فأَمر باستخراج الحميري من عند لحام بالكوفة فأُخرج وأمر بضرب عنقه، وكتب إلى البصرة القيني من بني سليم، فأخرج وضربت عنقه، وكتب الإمام ( عليه السلام ) إلى معاوية (( أما بعد فإنك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال وارصدت العيون كأنك تحب اللقاء وما أوشك ذلك فتوقعه إن شاء اله تعالى )) ومن قوله ( عليه السلام ) :
(( كأنك تحب اللقاء )) يتضح ما قلته إنه ( عليه السلام ) لم يعرض الحرب إلا بعد أن ظهرت من معاوية إماراتها .
ثانياً : إن الغرض الأساسي هو قطع الطريق لاعتذار أهل الشام في محاربته، ولا يكون ذلك إلا بإلقاء الحجة عليهم، وتنبيههم على واقعهم وفساد عقيدتهم بموالاتهم لمعاوية، أما إن هذا الإلقاء مؤثّر فيهم أو ليس بمؤثراً فهذا أمرٌ آخر.
ثالثاً : الصلح قد يكون لكلا الفريقين من أهل الشام والعراق، وقد يكون لأحدهما لوجود المانع عند الآخر، فالمهم هو حصوله وكفى، أما دائرة حصوله سعةً وضيقاً فهذا له ما يبرره.
رابعاً : غالباً ما تنعكس المواقف الشعبية تجاه حدث ما من قبل طائفة معينة تمثل المنتفعين من ضعاف النفوس، وبَيَعَة الضمائر الذين لا تهمهم أمور المسلمين بقدر ما يهمهم ما يضع الخليفة أو الوالي في جيوبهم من الدراهم والدنانير، وهم بنفس الوقت يمثلون ما تريده الخلافة من أمرٍ تسعى إلى نشره وإعلامه على رؤوس الناس، ليعطي بعداً أوسع اجتماعياً، وكأن الناس جميعاً من هذا القبيل، ولكنه لا يمثّل إلا شريحة بسيطة باعت حظّها بالأدنى. ومن خلال ذلك. فمن المظنون إنه ليس كل أهل الشام ممن رمى سبايا أهل البيت ( عليهم السلام ) بالخوارج إلا ثلة قليلة كانت محور نشر الخبر وإعلامه لإعطائه تأييداً شعبياً أو صفة اجتماعية عامة، وهو ليس كذلـك.
الإشكال الآخر :
إنك قلت إن فتح الأبواب الشامية المغلقة أمام صوت الحق ودعوة الصدق يجعل منهم موالين أشداء ومخلصين أقوياء، ولم يحصل شيءً من هذا الذي قلته مما يذكره التاريخ الذي بين أيدينا ؟
وفي معرض الرد على هذا الإشكال أقول :
أولاً : ينبغي الالتفات إلى نكتة وهي إن التاريخ غالباً ما ينقل الأحداث المهمة والخطيرة في حياة الناس والتي لها تأثير مباشر على حياتهم في السلم والحرب والشدة والرخاء، أما الأمور التي ليست من هذا القبيل فهي لا تمثل مادة تاريخية تغري المؤرخ لنقلها.
مع إن مثل هذهِ الأمور مما لا اتفاق فيها ولا تسليم بوقوعها، إذ كل شخص ينقل احساساته وانعكاساته تجاه الحدث فربَّ مخلص يقول بوقوعها وحصولها، وربَّ مغرض ينفي حصولها ويستبعد وجودها، وهذا أمرٌ معاش. أضف إلى ذلك إن أخباراً مثل هذه مما لا تروق لأهل القوّة والسلطة لأنها تشعر ببطلان موقفهم وانحراف سلوكهم عن طريق الحق ودعوة الصدق، فكيف تسمح بنقلها إن لم تشدد على التنكيل بقائلها فضلاً عن ناقلها ولا يحتاج الأمر إلا لشيء من الاطلاع التاريخي.
ثانياً : إن تأثر أي مجتمع بالمفاهيم الجديدة والأفكار الحديثة يتوقف على مقدار ما هو مترسب في نفوسهم وعقولهم من مفاهيم هي على الضد من المفاهيم الجديدة، والمترسب في نفوسهم من مفاهيم الجاهلية ـ مفاهيم بني أمية ـ الكثير منها الأمر الذي لا تلغي المفاهيم الجديدة هذه الرواسب بالكلّية، وهو يمنع أن تكون شخصياتهم مجسدة للحق بكل أبعاده وخصوصياته، ولكنه لا يمنع أن يكونوا مخلصين مع الإمام ( عليه السلام )، والإخلاص لوحده لا يكفي في بعض الأحيان لأنه لا يمثل إلا دائرة ضيقة من الحب والعاطفة لم تتكرس إلى واقع عملي، كما قال به الفرزدق عندما صادفه الإمام الحسين ( عليه السلام ) سائلاً عن أَهل العراق، فأجابه : قلوبهم معك وسيوفهم عليك حيث لم يتجسد الحق بكل أبعاده في نفوسهم.
والمبرر الذي يمكن إعطاؤه لأن المقابل ليس بالسهل، وطريقة تعامله مع النفوس وشدة مؤثراته فيهم قويّة وشديدة إلى درجة لا تفسح المجال أمامهم ليتأملوا جيداً فيما هو الصحيح، وينفعلوا باتجاهه وكيف تؤثر كلمات فردية ومن أفراد في مقابل أجواء إعلامية عامة مصحوبة بالترهيب ومبرقعة بالتطميع والترغيب الذي يمنع تعميق الوعي باتجاه الحق ؟
ثالثاً : ما قلته سابقاً، أن يكون فيه إلقاء الحجة عليهم وإتمامها وقطع طريق الاعتذار لديهم والاعتذار لهم ولو من الناحية التاريخية حيث الأجيال اللاحقة وتقييمها للموقف.
الإشكال الآخر :
إن الإمام ( عليه السلام ) مضطرٌ إلى إيقاع السلم أو الصلح ـ على المختار في الأول ـ مع معاويـة، باعتبار إنه طبّق كبرى مسلّمة عندهم، وكان أول المطبقين لها أمير المؤمنين ( عليه السلام )، ومنهم الإمام الحسن ( عليه السلام ) والإمام الرضا ( عليه السلام ) في قبوله ولاية العهد من الخليفة المأمون العباسي.
وجوابه هو :
إن الاضطرار هنا بمعنى عدم المقتضي للمطالبة بحقّه المغتصب لا أن المقتضي موجود والمانع موجود أي مانع، ما يعترضه القوم ويمنعون تأثير المقتضي، ليصدق الاضطرار لتضييقه الخناق على الإمام والقبول بما الجيء إليه بوضع المانع الذي يمنع من توسيع دائرة المقتضي. ويحصرها في اتجاه واحد لا غير.
والمقتضي هو وجود العدد الكافي من الخلّص المؤمنين الذين يعون موقف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ويتابعونه ويستمرون معه إلى آخر نقطة ممكنة، وهو ليس بموجود كما يصفه النقل التاريخي، لا أنه موجود إذ لا يعلم ممن فهم أحقيّة الإمام ( عليه السلام ) إلا قلة من المؤمنين يُعرفون بأسمائهم وهم عدد غير كافٍ للقيام بمهمة مثل هذه، ثم يقال إن ما حدث إنه القوم قد منعوا الإمام ( عليه السلام ) بل اضطروه إلى قبول خلافة الأول والتنازل له. كما يرشد إليه قولــه ( عليه السلام ) في الخطبة الشقشقية.
وكم فرق بين الأمرين مع إن في كليهما الإمام يكون معذوراً.
وهنا أدعي إن الاضطرار يصدق فيما كان المقتضي موجوداً والمانع كذلك، ولا يصدق فيما لا مقتضي له بالمرة، فعدم قيامه ( عليه السلام ) من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
ومختصر ما يقال : إن الاضطرار لم يقع من المعصوم إذ ما من قوّة في الأرض بإمكانها أن تضغط عليه وتغير موقفه، إلا إذا كان ملتزماً بأوامر إلهية خاصة قد لا يُدرك وجه الحكمة فيها كما مرّ في روايته ونقله موقف موسى ( عليه السلام ) مع الخضر ( عليه السلام ) وكان رضا الله في ذلك كما استهل البحث فيه وإنّ رضاهم هو رضا الله لا غير. وإذا تم ما أدعي .. فلا يصدق الاضطرار على أي من المعصومين الذين ذكرهم المستشكل ـ أما عدم صدقه على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فواضح من خلال الإشارة إلى من بقي معه في تجهيز الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ـ والقوم في السقيفة.
وأما عدم صدقه مع الحسن ( عليه السلام ) فتسارع الأحداث أفرغ سـاحتـه مـن الأنصار والمخلصين الذين يمكنه بهم مواجهة جيش الشام.
وأما عدمه مع الإمام الرضا ( عليه السلام ). فإن رفضه لقبول الولاية لا يكون مبرراً لا من الجهة الرسمية ولا من جهة طبقاته الشعبية التي تؤمن به إماماً وقائداً لها فلا مقتضي للرفض ليصدق الاضطرار.
وقد أوفق لإشباع هذه النقطة بحثاً في مستقبل الأيام إن شاء الكريم وجاد علينا وإن ما ذكرته هنا مختصراً جداً .. فانتظر فرصة أخرى بعونه سبحانه.
مظلومية الإمام الحسن(عليه السلام )
الحلقة الثالثة
الشيخ المجاهد قاسم الطائي
الإمام الحسن ( عليه السلام ) والأمة بعد الصلح :
لامَ بعض الناس الإمام الحسن (عليه السلام ) على الصلح فقال وهو يدافع عن نفسه : (( ويحكم ما تدرون ما عملت والله. للذي عملت لشيعتي خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون إني إمامكم ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله عليَّ ؟))) قالوا : بلى، قال :(( أما علمتم إن الخضر لمّا خَرقَ السفينةَ، وأقام الجدار، وقتل الغلام كان ذلك سَخطاً لموسى بن عمران (عليه السلام ) إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك. وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً ؟ أما علمتم إنه ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم ( عجل الله فرجه ))).
وواضح إن وجه الحكمة التي خفيت على كليم الله تكون ادعى بالخفاء على من هو أدنى منه، واقل شأناً، وإن ما فعله الإمام كان على وجه الحكمة والطاعة لله تعالى.
وفي رواية إنّه أتى الحسنَ بن علي (عليهما السلام ) رجلٌ فقال : يا بن رسول الله أَذلَلتَ رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً - لبني أميّة - ما بقي معك رجل، قال :(( ومم ذلك ؟)) فقال : تسليمك الأمر لهذا الطاغية.
قال ( عليه السلام ):(( والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ إنّي لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلت ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكنّي عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً، إنّهم لا وفاء لهم ولا ذمّة في قول ولا فعل، إنّهم لمختلفون ويقولون لنا : إنّ قلوبهم معنا وإنّ سيوفهم لمشهورة علينا )).
وفي هذا النص إشارة واضحة إنّه (عليه السلام ) إنما لم يحارب لأنه لم يجد أنصاراً يقاتل بهم ويدفع بهم هذا الطاغية عن الأمر، ولو وجدهم لقاتل.
ويمكن أن يُدَّعى، أنَّ العدد المطلوب من المخلصين لو كان بمقدار من أخلص مع أخيه الإمام الحسين (عليه السلام ) لخرج (عليه السلام ) لا محالة.
وقد يدعى، إن الخروج في مثل هذه الحالة إبادة للمؤمنين ولنسل الذرية الطاهرة بما فيهم الإمام الحسين (عليهم السلام ) وبقاؤهم ضروري ومتعين !
قلتُ : إن الله تعالى إذا أراد لهم البقاء، سَبَّبَ إلى ذلك كثيراً من الأسباب ليبقى نسلهم وذريتهم كما سَبَّبَ لبقاء الإمام زين العابديـــن (عليه السلام ) وهو حاضر في معركة الطف.
ويصف الإمام (عليه السلام ) حالة جيشه أو ممن معه، بنفس العبارة التي وصف الشاعر الفرزدق أَهل الكوفة للإمام الحسين (عليه السلام)، وهذا شاهد صدق آخر على إن أصحابه - أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام ) - منافقون وسريعوا الانقلاب والانفلات من طاعة الإمام (عليه السلام )، مع فارق هو، إن وصف الإمـام (عليه السلام ) لمن معه، ووصف الفرزدق لمن دعى الإمام الحسين (عليه السلام ) للنصرة والمبايعة، لا لمن مع الإمام الحسين (عليه السلام )، وهذا فارقٌ آخر يستدعي اتخاذ موقف مغاير للحرب والمقاتلة.
لو نظرنا إلى معاوية المعروف عنه جميع الخصال السيئة أوضحها نقضه للعهد وشـروط السلم دون أن يعبأ بأيّة اعتبارات شرعية وعرفيـة. ولو لم يكن يهاب الإمام الحسن( عليه السلام ) ويخافهُ لما تأخر ساعة عن قتله ومحاولة التخلص منه، ولو بالطريق العسكري الحربـي، ولا يقـف أمامه سوى الصلح ومعاهدته مع الإمام الحسـن (عليه السلام )، لأنه لا يلتزم بشيء إلا ما يصب في مصلحته وتأمره على المسلمين.
وربما لم يفكر بقتله لقوة الإمام وهيبته، وإنما فكر في قتله بعد محاولته أخذ البيعة لابنه يزيد، الأمـر الذي يفهم مـن خلاله إن الإمام الحسن (عليه السلام ) لو بقي حتى صارت الأمور إلى يزيد لما قبل بهذا الوضع قطعاً، وكان كأخيه الإمام الحسيـــن (عليه السلام ).
ولشخوص هذا الأمر عند معاوية ولمهابته للإمام (عليه السلام ) في مواجهة عسكرية، عمد إلى الغدر به والاحتيال إلى قتله بالسُمَّ.
ويعرف أيضاً إن قبول الوضع مع معاوية له ما يبرره ولو بالذهنية العامة لبعض المسلمين. مثل كونه من أهل السابقة، ومن كُتّاب الوحي - كما يُدّعى -، ومن عمال الخليفة الثاني والثالث، وقد كان الخليفة الثاني لا يناصفه خراج الشام كما كان يفعله مع غيره من العمال والولاة.
وربما لدهائه وشدة خبثه إلى درجة إمكان تضييع جوانب الحق لو نوجز من قبل الإمام الحسن ( عليه السلام ) وقُتل الإمام في المناجزة والمواجهة. وله من الوسائل الكثيرة التي بها يعطي المبرر الموضوعي لقتله الإمام أو أسره كما مر فيما سبق.
أما مع المخلَّع يزيد فالوضع لا يحتمل أيَّ قبول على كل المقاييس والاعتبارات، فالخروج عليه مما لا مناص منه، ففي مثل هذهِ الأجواء تندحر وتندثر معاني الخير وتموت لأنها لا تصمد أمام تيار الظلم الجارف، وقد رضي الناس ـ إلا القلة ممن عرف قيمته وإنسانيته التي صنعها الإسلام ـ بهذا الوضع وكأنه قدر محتوم لا مفر منه، ولكن انمحاء معاني الخير بالمرة من النفوس أمرٌ غير ممكن وضد فطرتها وطبيعتها، ومهما كانت الأغراءات والضغوط عليها، تبقى فيها من معاني الخير يتحين الفرصة للظهور والخروج.
وهنا يأتي دور الإمام الحسين ( عليه السلام ) ليزلزل هذهِ النفوس الميتة، ويحرك فيها نبض الحياة، ويستنهض همتها نحو الحياة والعـز. ورفض الظلم والهوان، فكان (شمعةً في ظلام دامس ) كما عبر بعض المفكرين، وكم كانت شمعةً ضروريةً ومفيدةً وذات أهمية لا يعرفها إلا من كان في الظلام، لأن النور الذي تعطيه الشمعة يمثل الأمل في النفوس نحو السير في حركة الحياة وبناء الشخصية القوية والمستقيمة، وقد ألهبت نهضة الإمام الحسين ( عليه السلام ) المشاعـر، وحركت الضمائر، وأيقظت الفِطَر.
أما الإمام الحسن ( عليه السلام ) فكان فعله بظاهره صراعاً على السلطة، بغض النظر عن جانب الإيمان وجانب الكفر المتمثل بالخط الأموي، وقد ملّت النفوس هذا الصراع ولم تعد تشعر بازائه بأية حركة أو إحساس، فلم يبعث ما دفن في النفوس التي خيم عليها الظلام، وانتشر فيها الفساد والجهل والخلل.
وأقصى ما يمكن أن يقال عنه، إنه إجراء مؤقت لوقف الزحف نحو الحرب والقتال الذي لم يكن في نفوس أصحاب الإمام وجنده ميلاً حقيقياً إليه ولا استعداداً كبيراً لمواجهته.
وإذا لم يهتم المقربون، فكيف يهتم به ممن ليس من الجند ولا من الأصحاب، ولم يصل المجتمع إلى درجة واستعداد لقبول الإمـام (عليه السلام ). لمعرفتهم إن نصرته تعني مزيداً من الحرب والقتال بفعل الطبيعة التي يحملها المعصوم المبسوط اليد على اجتثاث عوامل الفساد والانحراف من المجتمع، وهو اتجاه يمثله الكثيرون والمناوئون لأهل البيت (عليهم السلام)، في داخل المجتمع الإسلامي آنذاك، وهو (عليه السلام) ممثل لخط أبيه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي آلى على نفسه إرجاع الأمور إلى أماكنها الواقعية وفق الضبط الشرعي والحق الواضح، وعودة القيم إلى محلهـا، وهذا أمرٌ لا يقبله أهلُ المصالح والأهواء والمراكز الاجتماعية التي حصلوا عليها من دون وجه صحيح.
إذن كانت الأجواء وما يملكه معاوية من وسائل إعلامية وأدوات دعائية، وحيل وخدع كافية في تضييع الحق وتزييف موقفه وتوجيه ضربة قاصمة له في العهد الأموي زمن معاوية، بما أتصف به من دهاء ومكر وخبث لا مثيل له.
ولم يكن ابنه المخلع يزيد من يملك هذا الدهاء، وتلك القوى الإعلامية ووسائل التمويه والتزوير، بعد انكشاف حقيقته، ووضوح أمره من الإسلام وعداوته له بشكل سافر لا غبار فيه ولا لبس.
والدليل على الفرق بين شخصية معاوية وابنه، ما ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) عندما طلب منه بعض الأصحاب الخروج بعد استشهاد أخيه (عليه السلام ) فكتب (عليه السلام ) لهم :(( إن اسكتوا وانتظروا حتى يموت الرجل ـ يقصد معاوية ـ )).
وهنا يعطي مبرراً لعدم خروج الإمام الحسين ( عليه السلام ) من ناحيتين هما :
1- إنه صادر من المعصوم ( عليه السلام )، وهو حق بلا إشكال.
2- إنه مبرر عقلاني ومطلب تمليه السياسة وواقعها، والحرب وظروفها.
قال في المنجد : هَدَن : هُدونا سكن، جَبُنَ واسترخى. وهَدْناً الرجل : سكَّته وأرضاه بكلام أو بإعطاء عهد لا ينوي وفاءه وهَدَّن بالتشديد. سكَّن ثبَّط، وهادن أي صالح، والهدنة وقف الحرب إلى حين أجل وضع شروط الصلح والهُدنة المصالحة ( الدِعَة والسكون ).
وقال الطريحي في المجمع في مادة ( هَدَنْ ) : المهادنة : المعاهدة على ترك الحرب مدة معلومة بغير عوض، والتقدير في المدة إلى الإمام، ولا يبلغ السنة، والهدنة السكوت، الصلح بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربْين.
هادنه - صالحه، والهُدنة بالضم - تهادنت الأمور استقامت.
وقال في الصحاح : هادنه - صالحه والاسم الهُدنة - هُدنة على دفن سكون على غلٍّ.
وقال - صَلَحَ. صَلاحاً وصُلُوحاً وصَلاحيةً ـ ضد فَسُدَ، زال عنه الفساد. أصلح الشيء ضد أفسده.
وصالح - صلاحاً ومصالحة - خلاف خاصمه، أصلح بينهم ووفّق.
والصُلحْ - السلم، وهو اسم من المصالحة ( مذكر ومؤنت )، وعند أرباب السياسة رفع الحرب على شروط تعرف بشروط الصلح.
وقال في المجمع : إصلاح بين الناس - التأليف بينهم بالمودة، وقوله تعالى ( أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير ) من الفُرقة والنشوز والإعراض.
والصِلاح بالكسر - مصدر المصالحة، والاسم الصلح، يذّكر ويؤنـث، ومنه صلح الحديبية.
وقال الراغب :الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس، وفي القرآن قوبِلَ بالنار.
وقال في مادة سَلِمَ : سلامة وسلاماً عن الآفة أو عيب، نجا وَبرئ منـه.
وسالمه أي صالحه، سلمَّ - الشيء أعطاه إياه.
وبعد هذا الاستعراض لكلام أهل اللغة - يحصل من المعنى لمادة ( هدن ) مجموعة من المعاني، ترجع جميعها إلى السكوت وعدم التفاعل مع الحدث، وبعضها سلبي مثل الجبن، والاسترخاء، والتثبيط، وإعطاء عهد مع عدم نية وفائه، والدعة.
وبعضها إيجابي كإيقاف الحرب إلى مدة لأجل وضع شروط الصلح، وهنا يتضمن معنى الصلح،والاستقامة في الأمور.
فإذا لوحظ الجانب السلبي لمعنى المادة، لم يعقل، ولم يصح استعماله وإطلاقه على ما قام به الإمام الحسن(عليه السلام ) من إيقاف الحرب مع معاوية، والتسمية لم تأتِ من الإمام (عليه السلام ) في كلام له، بل جاءت من الكُتَّاب والمفكرين.
وإذا لوحظ الجانب الإيجابي، كان الإطلاق صحيحاً، لكن الذي يبدو من متابعة ما كتب حول الموقف الحسني، إنها لم تستعمل إلاّ نادراً، مما يقوى في النفس إن السبب لتضمنها المعاني السلبية والسيئة التي لا تليق بمقام الإمامة.
مضافاً إلى إن الإمام الحسن (عليه السلام ) أوقَفَ الحربَ مع معاوية من دون تحديد مدة تستدعيها وضع شروط الصلح على ما مر من بعض معانيها.
والمتحصل من معنى مادة ( صلح ) هو :
الصلاح - ضد الفساد.
المصالحة ضد المخاصمة.
والصلح في العرف، هو رفع الحرب على شروط تعرف بشروط الصلح.
والإصلاح هو التأليف بين الناس بالمودة.
والصلح خيرٌ من الفرقة والنشوز والإعراض.
وكلها معاني صحيحة منطبقة على ما فعله الإمام ( عليه السلام ) مع معاوية، ويمكن أن يلحظ في بعض المعاني أنه خير من الفرقة والنشوز، وهو وإن استعمل في واقعة جزئية. كالصلح بين الزوجيـن ـ لكن بالإمكان تجريده عن خصوصية مورده، واستعماله في مورد زوال كل فرقة بين شخصين، أو طائفتين، أو أُمّتين، وزوال النشوز لأحدها على الأخرى.
وهو يعطي معنى الارتفاع والاستعصاء، وكلا المعنيين حققهما الإمام ( عليه السلام ) بوظيفة الصلح، من حيث إنه تسبب في عدم ارتفاع معاوية وقومه على الحسن (عليه السلام ) وصحبه لو حصلت المواجهة، وجميع الحسابات العسكرية والتعبوية والإعلامية تؤكد إنها مع معاوية، وإنها لو وقعت لكان هو المنتصر، والمنتصر مرتفع على المهزوم، وقد أشار الإمام (عليه السلام ) بمقالته من مِنّة معاوية عليه بالفك من الأسر لو لم يقتل، وبهذا قد فوّت الإمام (عليه السلام ) فرصة الارتفاع لمعاوية.
والاستقصاء، إن المناجزة لو بقت ولم يحصل الصلح، لما أمكن للإمام أن يفتح مغاليق الشام ليوصل لهم صوت الحق، وَلِيُلْقِِ عليهم الحجة قبل تورطهم في حرب بصف معاوية ضده، وبالتالي يسد عليهم طريق الحجة بعدم البيان في الدنيا ويهيئ لهم فرصة الاعتذار عن مقاتلتهم إياه، في الآخرة ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ).
وما كان ليحصل ذلك لولا الصلح، وفتح الأبواب الشامية أمام أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام ) ليلتقوا بأهل الشام، وينوروا لهم طريق الحق وإيضاح الموقف الذي جاهد معاوية طيلة عشرين سنة على تغطيته عليهم وتعميته، فلم يعرفوا من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا آل أبي سفيان بن حرب.
وقد تجلت المصلحة في هذهِ المصالحة بنشر التشيع في الشام، كما ظهرت ثمار مصالحة النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وموادعته لقريش بالحديبية، فقد كره ذلك بعض الصحابة، وأنكره بعضهم أشد الإنكار ورأى إن ذلك من الوصمة والعار الذي يلحق بالإسلام بظنه القاصر، فاستبان رغم الإنكار ثمرة ترك الحرب. وتقرير القاعدة السلمية بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبين قريش، حيث بها سَهُلَ اختلاط المسلمين بالمشركين لمّا رفِعت الموانع عنهم، فتمكنوا من بثّ الدعوة إلى الإسلام، ونشر عقائده، فاتسع نطاق الإسلام، وكثر المعتنقون له حتى قيل إن الذين اسلموا من صلح الحديبية أضعاف من أسلموا في بداية الدعوى الإسلامية من زمن البعثة إلى صلح الحديبية.
والحال مثله حصل في صلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) لأن زوال الموانع سَهّل الاختلاط بين أهل المصرين، حيث التَقى العراقي بالشامي، وبذل جهوداً فـي إقنـاع الشامـي المنـحـرف عن أهل البيت(عليهم السلام)، فعُرِفَ حقهم، ودان بولايتهم. حتى أنتشر التشيع هناك، حتى قال ياقوت الحموي في معجمه :
ومن عجيب ما تأملته من أمر حمص-. فساد هوائها وترابها اللذيْن يفسدان العقل، حتى يضرب بحمقهم المثل، إنْ اشدّ النّاس على علي (عليه السلام ) بصفين مع معاوية كان أهلُ حمص وأكثرهم تحريضاً وجداً في حربه، فما انقضت الحرب ومضى ذلك الزمان صاروا من غلاة الشيعة.
وقال آخر : حتى إن بعض الشاميين لمّا مضت تلك الشدة - يقصد سنة مقتل عثمان - كان يحلف بالله أنهم لم يعرفوا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرابـة غير آل أبي سفيان، وبسبـب مهادنة الحسن (عليه السلام ) زالت تلك التمويهات وتجلى الحق بارزاً بأجلى صـوره، وأنكشف الستر المسدول على الحقيقة فتألقت ناصعة.
إذن فالشام كان مستعصياً على التشيع ومعـرفة أحقية أهل البيت (عليهم السلام ) ولولا الصلح لبقي كذلك.
ومن هنا أمكن إن نفهم أن الظروف لم تكن مؤاتية للإمام الحســن (عليه السلام ) في مناجزة ومحاربة معاوية، بخلاف محاربة الإمام الحسين (عليه السلام ) ليزيد، فقد أتضح إن أهم وظيفة للإمام هي إلقاء الحجة على المخالف والمعاند وقد حصلت بالصلح، ولولاه لما كانت حاصلة بعد الستر والغلق الأموي عليهم، وعندئذٍ كانت محاربتهم والمؤاخذة عليهم غيرُ صحيحةٍ وفق الضوابط الشرعية لمَّا تقرر في محله من البراءة العقلية والنقلية، وموضوع الأولى ( قبح العقاب بلا بيان )، ولا بيان في زمن الحسن ( عليه السلام ) قبل الصلح قد وصل إلى الشاميين، ولكنه حصل بفعله زمن الإمام الحسين (عليه السلام ) فلم يكن من مبرر للحرب معهم. وكان المبرر مع الحسيـن (عليه السلام ) في حربهم.
وأيضاً نفهم إن الصلح كان لإصلاح أهل الشام لا لإصلاح معاوية، وإصلاحهم محاولة لخروجهم عن طاعة معاوية وما يريد بهم من الشر والإلقاء في الهلكات الدنيوية بحروب ليس لهم منها إلا الموت. وينتظرهم بعده العذاب الأليم لو لم يكونوا معذورين.
وهذا المبرر وحده كافٍ في تبرير الموقف الحسني من ناحية شرعية وهو ممهد حق لثورة الحسين (عليه السلام )، حيث عُلِمَ عنده أَهل الحق من أَهل الضلال والفساد، بما لا تبقى حجة لأحدهم من مناصرة الباطل والخروج على الحق، وقد أقيمت الحجة عليهم، فلابد من فضح أمرهم، وكشف موقفهم المزيف من الإسلام المحمدي الأصيل.
وقد يُطرح إشكال على خصوص تسمية الصلح وهو، إن الصلح جائزٌ ما لم يحرم حلالاً، ويحلل حراماً، فإذا حلل الحرام، أو حَرّم الحلال كان غير جائز، والصلح مع معاوية، مما حلل الحرام، من حيث استيلاء معاوية على خلافة المسلمين، أما نفس الاستيلاء هو من حيث هذا القبيل أو إن الاستيلاء يكون مقدمة لمحرمات كثيرة سوف يرتكبها معاوية كما هو حاله المعروف تاريخياً ؟
إلا إن هذا الإشكال مدفوع بوجوه :-
أولاً : إنه لو تم ( أي ما ذكر في الإشكال ) فـي صـلح الإمام الحسـن ( عليه السلام )، لتم في صلح النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الحديبية مع مشركي قريش والعرب، وكان أسوأ مما في صلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) مع معاوية. إذ الإقرار للطرف الآخر على الشرك وعبادة الأوثان أسوأ من الإقرار على الفسق والانحراف عن الصراط الـمستقيم، ويـؤيده قوله تعالى ( قل يا أيُّها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد ولا أنا عابدٌ ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي دينِ ). مع إن الظروف في زمان جده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ربما تكون أكثر ملائمة لو لم يصالح، ويبقى يشكل مصدر قوة وتهديد لكيان قريش والمشركين، فإذا صالح والحال هذهِ فالإمام الحسن ( عليه السلام ) تكون مصالحته مع عدم ملائمة ظروفه للحرب من باب أولى.
ثانياً :إن الصلح هنا بين طائفتين من المسلمين لا بين شخصين، وقد سبب نوعاً من الألفة والتقارب والاختلاط بين أَهل الشام والعراق، استطاع الإمام (عليه السلام ) من خلاله أن يوضّح موقفه وأحقيته في الخلافة، وصيانة الرسالة الإسلامية تطبيقاً كما هو صائن لها نظرياً وفكرياً، وكل المعاني التي مرت للصلح كانت متصورة للإمام (عليه السلام ) بما فيه صالح الأمة الإسلامية بجميع أقطارها ومنها الشام التي أَقتطعها معاوية وعزلها عن جسد الأمة الإسلامية، متفرداً بها بعيداً عن تعليمات وتوصيات الخلافة العامة.
فكان الصلح ( ترك المخاصمة ) وضداً للفساد الذي سيحصل لو وقعت الحرب، وكان خيراً من الفرقة والنشوز وكان الإمــام ( عليه السلام ) بذلك قد أوقف الحرام الذي سيقع من أَهل الشام لو قاموا بحربه، ومصلحة الإسلام وتعاليمه .. تقتضي القضاء على الحرام كلياً واجتذاذ مادة الفساد في الأرض.
ثالثاً :إن هذا الإشكال يكون له وجه وجيه لو كان غير المعصوم ممن قام به، لأننا لا نعقل ولا نتوقع وفق ما نعتقده بالأئمة وعصمتهم إنهم لا يعرفوا وجه الحلال من الحرام، كيف وهو مشرّع مخوّل من الله سبحانه وتعالى على قولٍ.
رابعاً :إن النظرة السطحية للأمور قد توقع في هذا الإشكال من جهة إن الإمام الحسن ( عليه السلام ) قد جعل معاوية خليفة للمسلمين وأقر له على ذلك، والأمرُ ليس كـذلك. لأن الإمام ( عليه السلام ) غاية ما فعله إنه تنازل عن الخلافة لمعرفته بمواقع الصواب والمصلحة ظاهراً وواقعاً، ولم يتنازل عن الخلافة ويجعل معاوية خليفة. فهو تنازل فقط، أما إن معاوية صار خليفة على المسلمين من قبل الإمام الحسن ( عليه السلام ) ليرد هذا الإشكال فليس بصحيح، وإنما هو تنازل فقط وكان الرجل الطموح الذي يملك أسباب السيطرة والقوة والدهاء والطموح لاعتلاء مقاليد الحكم هو معاوية آنذاك لا شخصاً آخر ( وكم فرق بين التصورين ؟).
بل يمكن أن يقال بقراءة بسيطة لبنود الصلح إنه (عليه السلام ) لم يعترف لمعاوية بأُمرة المسلمين وخلافتهم، وكانت إحدى فقرات الصلح أن لا تلقب بأَمير المؤمنيـن.
وحينما صعد معاوية المنبر بعد الصلح وخطب بالناس وذكر أَمير المؤمنين (عليه السلام ) ونال منه ونال من الحسن (عليه السلام) ما نال، فقام الإمام الحسين (عليه السلام) ليرد عليه فأخذ بيده الإمام الحسن( عليه السلام) فأجلسه، ثم قام فقال:(( يا أيها الذاكر علياً، أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة، وأمك هند، وجدي رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )، وجدك حرب، وجدتي خديجة، وجدتك فتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألئمنا حسباً، وشرّنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً )).
وقوله (عليه السلام ) (( يا أيها الذاكر )) تحقيراً واستصغاراً لمعاوية، حتى أنف أن يذكر اسمه ويخاطبه بلقبه، ولو كان قد أقر له بأمرة المسلمين كما يدعى لكان اللازم أن يخاطبه بها أو بخلافة المسلمين، أو على الأقل أن يذكر اسمه، وهو أولى بالالتزام بالعهد وشروط الصلح التي صالح عليها، لأن أخلاق أَهل البيت (عليهم السلام ) فضلاً عن مقام الإمامة أبعد عن عدم الالتزام والوفاء بالعهد.
والخطاب كان أمام جند معاوية وجلهم من أَهل الشام، فأراد الإمام (عليه السلام ) أن يكشف مستور معاوية وحقيقته وواقع هويته وموقفه من الدعوة المحمدية الأصيلة، ولتظهر معايبه ومساؤه أمامهم، ولم يتحدث الإمام بشيءٍ غير واقعي ومعروف للجميع إلا من أهل الشام. فلم يكن من معاوية أن يرد على ما هو واضح ولو كان في الرد مجال لفعل.
خامساً :إن هذا الإجراء ليس من الأحكام الشرعية ليُصاغ وفق ضوابطها وملاكاتها، بل هو من الأحكام الإجرائية الولائية التي يكون النظر فيها إلى ولي الأمر. وهو يقدر المصلحة الداعية إليه أو المفسدة المراد اجتنابها به، ومَنْ أولى من المعصوم على تقدير المصلحة الداعية أو المفسدة المراد اجتنابها ؟ وعلى هذا التـقدير لا وقعَ للإشكال، لوضوح إن العناوين الطارئة مما تغير الحكم الشرعي كما هو واضح، وهناك أجوبة أخرى تعرف مما تقدم.
إذن لا غبـار على أن نسمـي ما أوقعه الإمام الحسن (عليه السلام ) مع معاوية صلحاً، لكن يبقى فيه، إنه لم يرد في كلام الإمام ( عليه السلام ) لفظ الصلح أو بعض هيئاته، إلاّ رواية نقلها في البحار، حيث كتب ( عليه السلام ) إلى معاوية مظهراً رضاه بالصلح ولكن بشروط مرسلاً ابن عمه عبد الله بن الحارث، كي يكتب كتاب الصلح فكتبا :(( بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله، وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحدٍ من بعده عهداً، على إن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين بن علي ولا لأحد من أهل بيت رسول الله عائله، وأن يتركوا سبّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الصلاة كما كانوا يفعلون )).
وفيها أنه ( أي الراوي ) قال : فكتبا. احتمال كون الكاتب هو عبد الله بن الحارث أمر ممكن، وإنما أقره الإمام ( عليه السلام ) لو رأى الكتاب. لعلمه إنه سوف لن يطيعه لو أراد إلغاء الكلمة أو تغييرها بأخرى، وهو احتمال وارد، فلا تكون الرواية دالة على إن لفظ الصلح مستعمل من قبل المعصوم ( عليه السلام ).
هذا، مع إنه من الممكن إن قوله، على أن يسلم له ولاية المسلمين يراد بها ولاية الشام خاصة. لا ولاية المسلمين عامـة، ليكون إقراراً له بالخلافة وإنما هو إقرار بإمرته على الشام.
إلا إن هذا الاحتمال ضعيف بقرينة قوله : (( حيث كانوا من أرض الله … إلى آخر كلامه )).
إلاّ أن يقال في ذلك إشارة إلى إلزامه بترك غاراته التي كان يقوم بها زمن خلافة أمير المؤمنين ( عليه السلام )، وعلى هذا الاستدلال يكون الاحتمال قويّاً.
والاشتراط عليه بالعمل بالكتاب والسنة وعدم العهد لغيره، مع علمه إنه لا يفعل ذلك ولا يعقل وقوعه منه أو توقعه، وتاريخه يأبى الانصياع إلى تعاليم السماء، يجعل الإمرة ملغيةً، لأن المشروط عدماً عند عدم شرطه، فلا صلح ولا ولاية للمسلميـن، وإنما كانت شكلية وظاهرية بقصد منها الإمام(عليه السلام) وقف الحرب التي أضطر إلى إيقافها، والاشتراط بنفسه قرينة على عدم تنازله عن الولاية له، لأن أمرة المسلمين تجعله فوق شروط الآخرين لما تقتضيه الولاية من الحاكمية المطلقة. والسلطة التي ليس فوقها سلطة. ومجرد الاشتراط عليه يلغي صفة الولاية لديه ولو قَبِلَ الاشتراط وطبقه فهو مخولٌ من الإمام(عليه السلام) بالإمرة لا مستقلاً عنه.
ويكون اعتراف الإمام (عليه السلام) وتسليمه الأُمرة لمعاوية شكلياً لا واقعياً وحقيقياً أضطر إليه الإمام(عليه السلام)، ونظيرهُ في التاريخ الإسلامي اضطرار الإمام الرضا(عليه السلام) قبول ولاية العهد من المأمون العباسي وفق ما وضعه الإمام من الشروط التي تفقد الولاية مضمونها وتجعلها صرف صورة تأميناً للإمام من شر الحاكم العباسي.
هذا كله على تقدير صحّة سند الرواية، ولكنها بعيدة عن مستوى الصحّة ولا يمكن إثبات هذه الحادثة التاريخية بها.
مظلومية الإمام الحسن
الحلقة الثانية
الشيخ المجاهد قاسم الطائي
تنوع العمل الرسالي ووحدة الهدف
مما يدل على وحدة الهدف وسلامـة القصـد لكـل إمام معصوم (عليهم السلام ) عدة أمور:-
أولاً : الأخبار الكثيرة الواصلة حدّ الاستفاضة المشار بها إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) أوضحها قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم):(( الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا ))، وهو واضح المعنى متشرعياً بأنهم على صفة الإمامة سواء تصديا لأمر خلافة المسلمين أم لم يتصديا.
ولكن بالإمكان تفسيره كما هو ليس ببعيد، سواء قاما بالمقاومة والمواجهة القتالية لو اقتضت الظروف والحالة العامة ذلك أم قعدا لو لم تقتضِ ذلك، وسواء انطبق القيام على الإمام الحسين (عليه السلام ) أو على الإمام الحسن(عليه السلام ) وكذا القعود.
غاية الأمر إن ملابسات وأحداث الإمام الحسن(عليه السلام) صيّرته إلى القعود، وملابسات وظروف الإمام الحسين (عليه السلام) صيّرته إلى القيام بالمعارضة والمناجزة العسكرية، حتى لو حصل ما حصل مادام يصُب في رضا الله تعالى ونصرة دينه.
وقد ورد عنهم (عليهم السلام ): (( رضـا الله رضانا أهل البيـت )) فإذا ضممنا إلى ذلك أنهما معصومان (عليهما السلام) وفعلهما حجّة كما قولهما فمعنى ذلك إن فعل الإمام الحسن (عليه السلام ) فيه رضا الله وفعل الإمام الحسين (عليه السلام ) في رضاه.
ثانياً : حديث الثقلين المتفق عليه بين الفريقين، حيث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم):(( إني تارك فيكم الثقلين. كتاب الله وعترتي أَهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))، والقرآن لا يأتيه الباطل، وهو تبيان لكل شيءٍ وأهل البيت (عليهم السلام ) في عرضه، فلا يأتيهم الباطل وهم تبيان لكل شـيءٍ، إذن هما على الحق وتبيان لكل شيءٍ بمقتضى المثلية مع القرآن.
ومن هنا فإن الاستفادة من طريق الإمام الحسن (عليه السلام ) والاستزادة من تجربته في مواجهة ردة الجاهلية تبيان وهداية لنـا، ولا يحتمل التشكيك فيها وفي صحتها وإلا شكك في القرآن كما تضمنه الحديث المبارك، فكم من داعية ومصلح وصاحب هدف في طول خط الإنسانية وتاريخها قد يواجه مثل ظروف الإمام الحسن (عليه السلام ) وحاجته إلى تجربة مثيلة خاضها إمام معصوم، وفعله (عليه السلام ) كما هو مقرر على الحق وعلى الطريق المستقيم، بل هو نفسه الطريق المستقيم، يكون نافعاً ومفيداً للتجربة ومبرراً لفعله، لأن فعل المعصوم حجّة كما إن قوله كذلك.
ثالثاً: يمكن أن نتمسك لوحدة الهدف بقول الإمام الحسين (عليه السلام):((مَن سمع واعيتنا)). إلى آخر كلامه الشريف، وأقول ليس واعية الحسين (عليه السلام ) خاصة بل واعية الحق وهو الإسلام، أيّاً كان ممثله وخصوصاً المعصومون عليهم السلام. فلا نكن ضيقي الأفق والنظرة بأن نجعل الكلام لواعية الحسين (عليه السلام ) خاصة مع إنه ليس كذلك. لأن الحسين لا يمثل نفسه بل هو ممثل الحق والإسلام بكل قيمه وأهدافه، فكل ممثل للإسلام وكان داعياً ( له واعية ) مَن سمعها ولم ينصره أكبّه الله تعالى على منخريه في النار، هذه هي الكبرى، والصغرى هي واعية الإمام الحسن (عليه السلام ) واضحة لا غبار عليها ولا لبس فيها فالنتيجة من سمع واعيته ولم ينصره ـ مع الأخذ بالإطلاق الزماني وعدم الاقتصار بخصوص زمانه (عليه السلام ) ـ أكبه الله تعالى على منخريه في النار.
فإن قلتَ: إن الكلام صدر من الإمام الحسين (عليه السلام ) ولم يصدر من الإمام الحسن (عليه السلام ) فكيف صح ما تقول ؟
قلتُ : إن كلامهم واحد. فكلام آخرهم كلام أولهم، لأنهم من نور واحد. وفي ذلك وردت بعض الأخبار.
رابعاً : قوله تعالى:( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، ومن أولى من المعصوم بنصرة الله التي تعني نصرة شريعته ودينه، وهم أُمناء الرسالة والقيمون عليها بعد رحيل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي مثّل مرحلة الحدوث للرسالـة، وهم يمثلون مرحلة البقاء لها، ولا بقاء لها من دون صيانة ورعاية، ولا أفضل منهم (عليهم السلام ) برعايتها وصيانتها.
غاية ما هناك أن كيفية هذهِ الصيانة مختلفة وطريقة أدائها متعددة من جهة الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية، ومن جهة ما يمثله أعداؤها. من الطغاة والمتكبرين الذين يريدون الخلافة ملكاً دنيوياً وإمبراطورية كسروية أو قيصرية لتعود الجاهلية بثوب جديد.
ومع إلقاء نـظـرة بسيطة نرى أن ما واجهه الإمام الحسن (عليه السلام ) أعتى وأشد وأدهى وأمكر مما واجهه الإمام الحسين عليه السلام لما يمتلكه معاوية من خبرة في شؤون السياسة والدولة حاول جاهداً تنميتها خلال عشرين سنة كان والياً فيها على الشام، وقد أحكم سيطرته عليها إلى أن جعلها جزءً منقطعاً عن حدود الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة، فكان يمثل الحاكم المطلق فيها، والمتصرف في شؤونها حتى إن الخليفة لم يناصفه مواردها المالية كما فعل مع غيره من الـولاة، وهو يمثل لأهل الشام صاحب الفضل و اليد، لأن إسلامهم جاء من قبله فكانوا لا يرون لأنفسهم شأناً قباله إلاّ السمع والطاعة وعدم المناقشة أو الإحساس بالمكانة في قباله، وقد مارس سياسةً خاصةً معهم أوصلتهم إلى طاعتهم العمياء له من دون نقد ومحاسبة عما يفعله في كونه مع الحق أو الباطل، مع أنه كان يمثل عند البعض من الصحابة أنه من صحابة رســـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصاً وقد رفع شعار المطالبة بدم الخليفة المقتول كما هو معروف تفاصيله التاريخية .
ومعنى إن معارضته أو مناجزته لا تخلو من اعتراض وامتعاض ممن لا يرون للإمام الحسن (عليه السلام) ـ لقصور فيهم أو تقصير ـ ميزةً على معاوية، وقد قال بعضُهـم ما لنا، سواء كان الأمرُ للحسن أو لمعاوية. إذن فالخصم المتمثل بمعاوية أقسى واشد مكراً ودهاءً من الخصم المتمثل بيزيد ( عليه اللعنة )، ومن هنا فمن غير المنطقي أن تتحدد وجهة النظر في مواجهة أعداء الإسلام وعبدة الشيطان بعد أن كانوا متفاوتين في القوة والسيطرة، ولكن لا تخرج مقاومة المعصوم ودفاعه عن دين الإسلام عن كونه نصراً لله وتأييداً لدينه، والمعصوم (عليه السلام) أعرف بتكليفه الخـاص. الذي نجهل حيثياته نحن.
شرعية وصحة موقف الإمام الحسن عليه السلام
يمكن ملاحظة بعض الأمور التي يستكشف منها سلامة موقف الإمام الحسن (عليه السلام ) وهي :
أولاً :إن الأخبار الواردة عن جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهما. مصدرة بالحسن لا بالحسين (عليهما السلام )، وفي هذا الأسلوب ما لا يخفى من تقديم واعتبار المتقدم ذكره، كما يحدث ذلك اجتماعياً عندنا، وفي مناسبات عديدة، كإقامة الندوات والحفلات حيث يُقدم من هو أكثر أََهمية من غيره مبتدأً بكلامه أو خطابه، وكذا عندما يقدم أحدنا على مجلس وفيه الكبراء والوجهاء فيبدأ بالسلام والتحية على الكبير ثم على غيـره .
لكن قد يقال إن التقديم لا لأفضلية الإمام الحسن (عليه السلام ) على الإمام الحسين ( عليه السلام ) وإنما لسبقه زماناً من حيث توليته لمنصب الإمامة، وهذا صحيح، لكن النافع إن الإمام الحسن (عليه السلام ) ليس أقل من الإمام الحسين (عليه السلام ) من حيث الأفضلية كما ربما يُدعَى، فكلاهما من أصحاب الكساء، وأبناء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وابنا أمير المؤمنين (عليه السلام )، وابنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (سلام الله عليها)، فهما من هذه النواحي المادية والمعنوية سواء .
ثانياً : إنه لم يصدر اعتراض لتصرفات الإمام الحسن (عليه السلام ) من أخيه الحسين (عليه السلام )، كما ادعاه بعض من كتب عن الإمام (عليه السلام ) مستدلاً له بأخبار ضعيفة ساقطة سنداً مع إنها غير معقولة دلالةً لما يمثله موقع الإمامة والعصمة من حرصة تقتضي التسليم والانقياد ومَن أولى من الإمام الحسين ( عليه السلام ) ممثلاً لذلك، وكما قيل أهل البيت أدرى بما فيـه .
وهذا الأمر يعطي تبريراً محكماً لتصرف الإمام الحسن ( عليه السلام ) من جهتين .
الجهة الأولى : من كونه معصوماً كما تقدم .
الجهة الثانية:عدم اعتراض المعصوم الآخر عليه. وهو أخوه الإمام الحسين (عليه السلام) .
ولا يقال: إن الإمامة في هذا الطرف للإمام الحسن(عليه السلام)لا للإمام الحسين (عليه السلام )، ليكون سكوت الحسين (عليه السلام)حجة.
فإنه يقال: إن حجية كلامه لكونه معصـوماً، وهذا يكفي لا لكونه إماماً، إذ لا يعقل إمامته مع إمامة أخيه (عليه السلام ) على مناقشة ذكرها السيد الأستــاذ ( قدس سره ) في الشذرات، لا تخلو من مناقشة أعرضت عنها .
إذن قوة وصحة تصرف الإمام الحسن (عليه السلام ) لا يداخلها الشك. فإن داخلها فإنما هو لتدني مستوى الشاك، أو لسوء سريرته وخبثه وعدم انصياعه للحق ونداء الفطرة وحكم العقل وسلامة البصر .
ثالثاً :من خلال النص التالي المنقول عن الإمام الحسين (عليه السلام) وهو أول نص أدلى بشأن معاوية، عندما كتب إليه بنو جعدة يخبرونه بحسن رأي أَهل الكوفة فيه وحبهم لقدومه وتطلعهم إليه فكـتب (عليه السلام ) إليهم !
(( وإني لا أرجو أن يكون رأي أخي رحمه الله في الموادعة، ورأيي في جهاد الظلمة رشداً وسداداً. فالصقوا بالأرض وأخفوا الشَخْص، واكتموا الهوى واحترسوا من الظِنة مادام ابن هند حياً فإن يحدث به حدثاً وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله )).
الموادعة تعني المصالحة، والشَخص كناية عن الاختفاء عن أعين السلطات الأموية لقسوتها. ومن هذا النص نؤكد على شرعية وصواب صلح الإمام الحسن (عليه السلام )، وبذلك يكون الحسين(عليه السلام) أول مدافع عنه ينفي كل ما نُسب إليه من آراء مخالفة لأخيه الإمام الحسن (عليه السلام ) أثناء الصلح كما زعم العلائلي حيث نقل كلاماً غير مقبول ولا ينسجم مع خط أهل البيت (عليهم السلام )، إذ الإمام مطاع ولا يناقش مناقشة المعارض المخطئ لأنه يعلم ما يفعل كما ويؤكد الإمام الحسين (عليه السلام ) إن انطلاقة الثورة تكون بعد معاوية وعبّر عنه بابن هند لما يعرفه المسلمون من تاريخها، وكانت وصايا الإمام الحسين (عليه السلام ) تؤكد على الصبر. وعدم التسرع لأن السلطة كانت لا تعرف الرحمة وقد عَرَفَ من تاريخها الكثير
مظلومية الإمام الحسن
الشيخ المجاهد قاسم الطائي/ الحلقة الأولى
المقدمة
كانت نافذة على التاريخ، فتحها على الطلبة جناب الشيخ قاسم الطائي فاستمتعت بالرؤية واستغرقت في الفكرة وكان قد عرضها بشكل موضوعي ومحاكاة واقعية منطلقة من نظرة عرفية ومعاينة حياتية بعيدة عن آراء المؤلفين وأفكار المدونين، فكانت بكراً لم تفتـض .
وقد راقني كما راق زملائي طريقة العرض ومناقشات الفكـرة، وأثار فضولي الموضوع المطروح وقد استحق العرض وحقق بعضاً من الهدف الذي رامه الشيخ، ألا هو رفـع مظلوميـة مولانا الإمام الحسن (عليه السلام )، فكشف شيئاً من مستور التاريخ عن حياته المباركة بعد شهادة أبيه الإمام علي ( عليه السلام )، ورفع الغبار عن نهضته المباركة في صيانة الرسالة المحمدية، وقد فتح بذلك باباً للباحثين وطمعهم في حادث لم يكن غائباً عن أذهانهم بقدر غيابه عن إرادتهم ومسؤوليتهم .
وقد وجدت من الخير للجميع أن أبارك الخطوة وأدافع عن الفكرة فاستأذنته في تقرير هذه المحاضرات البالغة ست محاضرات فأجازني وشكر لي سعيي وهو المأمول منه دائماً سبّاقاً للخير في الحوزة وخارجها، وأرجو أن أوفق في ما كتبته وأن أكون أميناً في ما سطرته معتذراً للمعصوم عليه السلام عن كل تقصير وزلة. وكلي أمل أن لا يردني ويخيب أملي في القبول رب الأرباب يا من لا يخيّب آمله. وإمامنا الحسن المظلوم ( عليه السلام ) .
واقدم مجهودي هذا إلى كل المخلصين في نصرة الحق وأهلـه .
فكرة البحث
مـن المواضيع الـمهمة التـي يذكرها خطباء المنبــر ( جزاهم الله خيراً ) والملفتة للنـظر مظلومية الأمام الحسن (عليه السلام) وذلك من جهتين :-
1- باعتبار التاريخ، حيث لم يعطه حقه .
2- باعتبار شيعته ومواليه، أي باعتبارنا نحن، لأننا أيضاً في مجالسنا وتعازينا وفي ذكرياتنا لم نعطه حقه ومستحقه، لماذا هذا الظلم الذي يتوجه للإمام الحسن ( عليه السلام ) من قبلنـا ؟ فهل بالإمكان رفع هذا الظلم ؟ أم ليس بالإمكان رفع هذا الظلم ؟
إن شدة التركيز على إقامة مجالس التعازي للإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) إلى درجةٍ كبيرةٍ ومركزةٍ ونافعةٍ وعاليةٍ ومنتجةٍ أمر جيد، لكن لا يعني ذلك غض النظر على مناسبات غيره من المعصومين (عليهم الصلاة والسلام )، خصوصاً مَن هو مثل الحسين، ومَن هو أفضل من الإمام الحسين كرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ومن الملاحظ في حياتنا وعلاقاتنا مع المعصومين (عليهم السلام ) أننا مقصرون جداً، مع الإمام الحسن (عليه السلام) .
فقد يقال، إن هنالك فرقاً بين الحوادث الحسنية والحوادث الحسينية، فخلود ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) له عدة مبررات يذكرها الخطباء. بغض النظر عن المبرر الأساسي والرئيسي وهو العلاقة بالله سبحانه وتعالى لوضوح أن كل شيء يكون له من الامتداد الزماني بقدر ماله من الارتباط بالله سبحانه وتعالى .
وقد ذكرتُ في عدة مناسبات : أنه قد يلتفت أحدُنا إلى إننا لماذا ندرس كتاب الشرائع وكتـاب اللمـعة مع أن كتاب الشرائع عمـره ( 800 سنة ) وكتاب اللمعة عمرهُ ( 500 سنة ) على أقل التقادير ؟ لماذا ندرس هذين الكتابين ؟
أقول ألا توجد كتب أخرى بمستوى هذين الكتابين من حيث المتانة والسبك والعبارة والإحاطة ؟
أقول : توجد لو بحثنا في المكتبات وربما ببيانات أعمق وأحسن وأفضـل .
ولكن لماذا ندرس هذين الكتابين دون غيرها ؟
الجواب واضح، وهو ربما لدرجة الإخلاص الذي كتب به كتاب الشرائع وكتاب اللمعة، هذهِ الدرجة عالية ومهمة جداً اقتضت بقاء ذكر هذين الكتابين إلى الآن طريّين هما كتابين نظيرين ولم نشعر أبداً بتقادمهما واندراسهما. فنحن ندرس اللمعة وهو غض طري لازال منتجاً نافعاً، وأنا شخصياً دَرَستُ ثمانية أجزاء من اللمعة ودُرِّست ما يعادل دورتين ومع هذا أشعر كلما أقرأ اللمعة وكأن شيئاً جديداً ينفتح ليس هو الشيء السابق المركوز في ذهنـي .
فهذا جانب الارتباط بالله تعالى، ونحن لا نشكك بارتباط الإمام الحسن (عليه السلام ) بالله تعالى كارتباط الإمام الحسين (عليه السلام )، ولا أحد يناقش في هذهِ المقدمة .
والجواب الآخر الذي يذكر لامتداد الذكرى هو شدة مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام )، بحيث لا يُتصور أن هناك ظلامة في التاريخ الإنساني أشدَّ من ظلامته (عليه السلام ) .
وهذا العامل الذي يذكرونه في خلود الذكرى قابل للمناقشة من ناحية اختصاصه بالحسين باعتبار أننا نقول إن الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام) أيضاً يكون مظلوماً، لا أقل بدرجة ظلامة الإمام الحسين (عليه السلام) على وجوه سيأتي ذكرها .
علاقة المعصوم (عليه السلام) بالله تعالى
لا يخفى ما لعلاقة المعصوم(عليه السلام)العالية جداً بالله سبحانه وتعالى، والتي لا نفهمها باعتبارها تمثل نحواً من أنحاء الارتباط به تعالى إلى درجة لا يرون لوجودهم وجوداً، ولا لرضاهم رضاً إلاّ رضاه سبحانه وتعالـى، وقد ورد عنهم (عليهم السلام)((رضا الله رضانا أهل البيت ))، وأوضح تفسير له أن ما يرضي الله يرضيهم ولا يكون لهم رضاً في عرض رضاه بل رضاهم في طول رضاه سبحانه وتعالى، وكأن رضاهم فرع رضاه، فلا يتقدمهم إلا رضا الله ولا رضا لهم إلاّ هو .
ولا تختلف علاقة الواحد منهم (عليهم السلام) عن غيره في هذهِ الضابطة المنطبقة عليهم جميعاً، إلا أن واقع الحياة العامة التي يعيشها كل منهم تجعل تطبيق هذه الكبرى عليهم مختلفاً تماماً من واحدٍ إلى آخر بحكم الظروف الموضوعية التي لا يمكن تجاوزها والقفز عليها .
فتتعدد مصاديق الرضا بتعدد ظروفه وملابساته، فقد يختلف ما يرضي الله تعالى في فترة يطبقها المعصوم عن ما يرضيه في فترة أخرى يطبقها غيره، وأوضح صور الاختلاف المنظورة عندنا، اختلاف طريقة التعامل مع الأحداث فيما بين سيِّدَي شباب أَهل الجنة، حيث سار الإمام الحسن (عليه السلام) إلى المسالمة مع خط الرجعية الجاهلية المتمثلة بآل أمية يتزعمهم معاوية بن أبي سفيان، في حين سار الإمام الحسين (عليه السلام) إلى المقاومة والتصدي بكل حزم وقوة ومهما كانت التضحيات في وجه الطاغية يزيد بن معاوية .
فاستعمل الإمـام الـحـسـن (عليه السلام) الطـريق السياسي (الدبلوماسـي) كما يستعمل هذا اللفظ ساسة العصر واستعمل الإمام الحسين (عليه السلام) الطريق الحربي والمواجهة الصدامية القتالية .
وقد يستشف من بعض الأخبار المنقولة والواصلة أن هذا الدور مما قضى به القضاء الأزلي والحتم الأبدي وإن كان وضوحه على نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر من وضوحـه على حركة الإمـام الحسن (عليه السلام)، ويمكن استكشافه من قوله(عليه السلام):(( شاء اللهُ أن يراني قتيلاً ))، وعلى ما نقله الطبرسي (رحمـه الله) في الاحتجاج عن الإمام الحسن (عليه السلام ) قوله :(( والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً، فوالله لإن اسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير، أو يَمُن عليَّ فتكون سُبة على بني هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت )).
وبقراءة بسيطة لهذا النص يتضح ما يلي :
أولاً:أنه (عليه السلام ) لم يقل خير من أن أقاتله فيأسرني، بل قـال : (( خير من أن يقتلني )) الظاهرة في أن مناجزة معاوية تجعله قتيلاً لا محالة لما تقتضيه المقابلة بين هذهِ الجملة والجملة السابقة عليها (( إن اسالمه )) .
ثانياً:إن مناجزته مع الأسر سوف تجلب العار على بني هاشم. وتكون المنة لبني أمية عليهم، وفي هذا رمز إلى إذلال الحق عن طريق أهله وانتصار الباطل عن طريق تابعيه، ومثل هذهِ الفرصـة لا يمكن أن يعطيها الإمام الحسن (عليه السلام )، وبهذا المعنى تعطي عن قريب معنى قول الإمام الحسين عليه السلام:(( ولقد خيرني بين اثنتين : بين السلة والذلة، وهيهات من الذلة يأبى الله ورسوله لنا ذلك )).
(إذن دفع الذلة هدف مشترك بكل منهما بطريقة مخالفة لطريقة الآخر). ولا معنى له إلا ما تقدم من إعطاء فرصة لاعتلاء الباطل وطريق الشيطان على الحق وطريق الرحمان، ومثل هذهِ الفرصة لا يمكن أن تُعطى من المعصوم (عليه السلام ) .
ثالثاً : يقينية النتيجة عند الإمام ( عليه السلام )، ولذا صدرها بالقسـم (( بالله )) تعالى ومثل المعصوم الذي كلامه حجة وكاشف عن الواقع لا يحتاج إثباته إلى القسم إلاّ لشدة إنكار المخاطب سواء من كان في مجلس الخطاب أومن كان خارجه من المعاصرين والغائبين وفي كل الأزمنة، وبهذا يدافع الإمام(عليه السلام)عن نفسه ضد اعتراض المعترضين وإنكار المنكرين عليه سلمه مع معاوية، وقد بدرت عدة اعتراضات من بعض أفراد جيشه وبعض مواليه كما هو واضح تاريخياً.
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا