حديث: (الله تعالی أنزل القرآن الکريم نوراً يهدي به الضال، ويرشد به الحائر)
بقلم : الدکتور محمود البستانی
نص الحديث
قال الإمام الحسن (عليه السلام): الله تعالی أنزل القرآن الکريم نوراً يهدي به الضال، ويرشد به الحائر.
دلالة الحديث
الحديث يعرض لأهمية القرآن الکريم من حيث المعرفة التي يتضمنها، وهي معرفة تکون بمثابة (النُّورِ)، وهذا (النُّورُ) يهتدي بواسطته من ضل طريقه، وتتعمق أو تنضج بواسطته الأفکار الحائرة، إذن من حيث الدلالة، الحديث يشير إلی القرآن الکريم والإفادة منه لکل من هو يسير في الطريق إلی المعرفة ولکنه ضال لا يعرف معالم الطريق، أو لکل من هو حائر لا يدري کيف يرکن إلی يقين معرفي.
والآن إذا أدرکنا الدلالة العامة للحديث، فإن التوضيح أو التعميق لهذه الدلالة لا يتوفران إلا من خلال ملاحظة الجانب الفني أو البلاغي لمقولة الإمام الحسن (عليه السلام).
بلاغة الحديث
الحديث يرتکز إلی ثلاث صور فنية، اثنتان منها تتفرعان من الصورة الرئيسية وهي مفردة (نور)، وهي رمز لعشرات أو مئات بل الآف المصاديق الخيّرة، وأمّا ما يتفرع من «النُّورِ» فهو: الهدی وصلته بالضال ّ، والرشد وصلته بالحائر. هنا نعتقد بأن هذه الصور تحفل بما هو مثير ومدهش وجميل. فالصورة الأولی (النُّورِ) قلنا بأنها ترمز إلی مطلق الخير، والصورتان المتفرعتان تجسّدان رمزين يشيران إلی ما ينتفع به کل ممّن هو ضالّ أو حائر.
إذن لنتجه إلی تحليل الصور البلاغية المتقدمة، فنقول: بالنسبة إلی کلمة (النُّورِ) فهي تقابل (الظُّلُمَاتِ)، حيث إن (النُّور) - کما أشرنا - يرمز إلی ما هو خير في شتی مصاديقه ولکن هذا الرمز (النُّور) - من جانب آخر - قد ربطه الحديث بالضالّ وبالحائر، وهذا ما يستاقنا إلی الحديث عن الصورتين المتقدمتين، فماذا نستلهم منهما؟
من الزاوية الفنية نلاحظ بأن ثمة نمطين من الأشخاص هما: الضال والحائر، ونجد نمطين من الإشباع لحاجتهما في حالة إفادتهما من القرآن الکريم، هما: الهداية والرشد.
والسؤال هو: ما هي الفوارق بين هذه المصطلحات الأربعة؟
الجواب: لقد انتخب الحديث مصطلح (الهداية) للضاّل، لأن الضال ّ هو من لا يعرف الطريق، فيحتاج إلی من يهديه وهو: «النُّور»، وأما مصطلح (الحائر) فقد انتخب له الحديث مصطلح (الرشد)، لأن الحائر هو من لا يعرف اليقين الذي يرکن إليه وينقذه من حيرته، وهذا ما يتجانس مع مصطلح (الرشد) بصفة أن الرشد هو: الاستقامة أو النضج الفکري، حيث إن الحائر يشبه الطفل في مرحلته التي لا يقوی علی تشخيص الأمور، بعکس المرحلة الراشدة حيث يتاح للشخصية أن تتبين الأمور وتقضي علی الحيرة الفکرية.
إذن تبيّن لنا مدی الثراء الدلالي في هذه الصورة المرکبة التي نسجها الإمام الحسن (عليه السلام) في تعريفه بأهمية القرآن والکنز المعرفي الذي يتضمنه.
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا