من كتاب: المجتبى عليه السلام بين وميض الحرف و وهج القافية
(إثارات حول صلح الإمام الحسن عليه السلام)
السيد محمّد العَمْدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أشبع أساتذتنا الباحثون صلح الإمام الحسن عليه السلام بحثاً ونقاشاً ودراسات، وبقي أن نصول صولة خطابية مع هذا الصلح لنستجلي بعض صوره، لا كصورة دراسة وإنّما بصورة (إثارة) بصورة (طرح مسائل) هي بأشد الحاجة إلى أن تُدرس أكثر.
في مثل هذه المواليد وفي مثل هذه الاحتفالات عندما نحاول أن ندرس موقف الأئمة عليهم السلام، قد نغفل أحياناً عن متطلبات يتطلبها البحث وقد نحيط ببعض الجوانب ونترك جوانب اُخرى.
لكن نحن عندما نحاول أن ندخل إلى عالم الأئمة عليهم السلام أرى أنّه من المناسب لنا في هذا الدخول البطيء أن نحاول أن نأخذ أشياء نمضي بها، نحاول أن نأخذ أشياء نعيش معها، أن تكون واقعنا، أن تكون خبزنا، أن تكون ماءنا، يا ترى في عالم الإمام الحسن عليه السلام أيَّ صورة نستجلي؟ أيُّ بحثٍ يمكن أن نخوضه دون أن نخرج بآلاف الدراسات، ودون أن نخرج بآلاف الدروس التي تمدّنا في خضمّ هذه الحياة المستمرة وهجاً بعد وهج وحياةً بعد حياة؟
دعونا نمرّ مع الإمام الحسن عليه السلام في صلحه بخطوات ولتكن أولى تلك الخطوات هي شجاعة الإمام الحسن عليه السلام، لماذا صلح الإمام الحسن عليه السلام بالذات؟
لماذا شجاعة الإمام الحسن عليه السلام عند الحديث عن صلح الإمام الحسن عليه السلام؟ الكثير أثاروا نقطة أنّ الإمام الحسن عليه السلام كان مسالماً! وكان مداهناً! وكان مداهناً! ووجهوا ولله الحمد بعدّة مواجهات وكانت كافية وقوية في حدّ ذاتها.
الإمام الحسن بن علي عليه السلام عندما تدرس شجاعته تمتلك في ذلك النصوص العديدة.
خذوا معي ذلك النص الذي يرويه (الدنيوري) في (الأخبار الطوال): عندما أرسل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ابنه الحسن إلى الكوفة في حرب الجمل ليدعو الناس إلى هذا الجهاد، استطاع الإمام الحسن عليه السلام أن يجمع تسعمائة مقاتل.
في إرساله إلى الكوفة؟ وأن يجمع تسعمائة مقاتل؟ ووالي الكوفة أبو موسى الأشعري الذي تدين له الكوفة بولاءات عديدة؟ هذا من الصعب، لكنه عند الإمام الحسن المقاتل والشجاع وذي الحنكة السياسية المتميزة سهل جداً.
في حرب صفين يقول الإمام علي عليه السلام أنّه يخاف ان ينقطع بقتل هذين نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لماذا؟ لأنّ هذين الأثنين(الحسن والحسين) كانا قد أظهرا شجاعة متميزة في قتالهم لأولئك الكفار، ولذلك كان الإمام يطالب بأن يوقفا هذه الصولة.
ثم نحاول أن ندرس الصلح من نواح اُخرى، الصلح كان نصراً، قاله الشعراء والباحثون.
بعض الباحثين قال إنّه يجب أن يُشبّه هذا الصلح بصلح الحديبية من عدّة نواح: من الناحية التشريعية ومن الناحية الانتصارية؛ فمن الناحية التشريعية: الصلح شرع في الإسلام وأكبر دليل على ذلك صلح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما هو في اعتقادنا أنّ الإمامة ليست إلاّ امتداداً للنبوة والرسالة.
لكن هل بُلي الإمام الحسن عليه السلام بما يلي به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عدم التسليم بالصلح؟
نعم، كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واجه شرذمة كانت ترفض الصلح إلاّ أنّ حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استطاعت أن تتعمّق في ذلك المجتمع حتى جعلت الصلح يأخذ مساره ويأخذ انتصاراته.
لكن القضية تختلف عند الإمام الحسن عليه السلام، فالإمام الحسن عليه السلام كان يعيش عصراً لم يؤمن ذلك الإيمان المتطلّب بامتداد الإمامة كامتداد أساسي وجذري للرسالة، ولذلك كان هنالك عدّة إشكالات وعدّة دوائر -عندهم- على هذا الصلح.
النصر الذي أحرزه المسلمون في صلح الحديبية يذكر عنه جميع المؤرخين أشياء مذهلة، كان عدد المسلمين أيام الصلح ألف وأربعمائة مسلم ولكنّه في رواية ابن هشام عن الزهري امتد إلى عشرة آلاف بعد صلح الحديبية. وأمّا صلح الحسن وانتصاره لو لم يكن من انتصار صلح الحسن عليه السلام إلاّ انتصار عاشوراء لكفاه انتصاراً مدى التاريخ، أضف إلى ذلك إنّنا عندما نرى صلح الإمام الحسن عليه السلام نجد أمامنا عدّة انتصارات: حقن الدماء، حفظ الهاشميين، الحفاظ على العترة، الحفاظ على هذا الكتاب المقدّس. كل هذه انتصارات لا يمكن أن تخفى أمام الدارس والباحث.
عندما تحاول ان تسافر إلى النصوص خذ رحلة إلى بحار الأنوار وحاول ان تتطلّع إلى ذلك الحديث مع أبي سعيد الذي يشرح فيه الإمام الحسن فوائد ذلك الصلح ووجهة نظره.
أمّا عن الصلح في ذاته فقد قال الباحثون: إنّ الصلح كان مفروضاً على الإمام الحسن عليه السلام، وإنّ الأوضاع السياسية التي كانت في ذلك العصر فرضت على الإمام الحسن عليه السلام أن يصالح. هذا تعبير قد يكون فيه نوع من التجاوز مع الإمام عليه السلام. إنّه موقف معصوم.
وهذه قضية مسلمة لكن دعنا نكون أولي فلسفة في حياة الأئمة لنقول:
إنّ سلطة الروم في ذلك الوقت كانت تتحيّن الفرص للانقضاض على دولة الإسلام.
كثير من اللصوص كما يروي اليعقوبي في تاريخه، وكما يروي ابن الأثير وغيره كانوا يتوقّعون أن يتقاتل الجيشان لينقضوا على الإسلام ويبيدوه.
أيمكن في موقف كهذا الموقف المريب وفي هذا الموقف الخطر جدّاً أن يقاتل الإمام الحسن؟! أم أنّ المتوقّع من إمام كهذا الإمام أن يصالح؟ في سبيل الحفاظ على بيضة الإسلام كما عمل أبوه أمير المؤمنين عليه السلام.
انتقل معي إلى إثارة اُخرى -ونحن قلنا: إنّ البحث معنا ليس دراسة وإنّما إثارات- انطلق معنا إلى ضعف المعسكر الذي كان يقوده الإمام الحسن عليه السلام لترى عجبا!
تلك الخطبة التي يخطبها الإمام الحسن عليه السلام ويرويها صاحب بحار الأنوار فيقول: (خطب الإمام الحسن بن علي عليه السلام بعد وفاة أبيه. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أمّا والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة ولا قلّة، ولكنّا كنّا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم وكنّا لكم وكنتم لنا وقد صرتم اليوم علينا، ثم أصبحتم تصدّون قتيلين: قتيلاً بصفّين تبكون عليهم، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم فأمّا الباكي فخاذل وأمّا الطالب فثائر، وإنّ معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الحياة قبلناه منه وغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله، فنادى القوم بأجمعهم، بل البقية والحياة).
أيمكن لإمام معصوم عليه السلام في هذا الجيش الخائر أن يخاطر بصفقة تجارية خاسرة مسبقاً.
إنّها تجارة مع الله ولكن عند الأئمة عليهم السلام التجارة مع الله ذات أبواب عدّة ليس بابها واحداً فقط.
كان ذلك الجيش لا يؤمن بالإمام الحسن عليه السلام فمنهم مَن جاء لأجل أن يثور، ومنهم مَن جاء وهم أتباعه أبيه وهم قلّة، ومنهم مَن جاء يحبّ المال والثروة، ومنهم مَن جاء -وهم الخوارج- وهدفهم الوحيد أن يقاتلوا معاوية، سواء كان الحسن قائدهم أم كان الحسين، ليست القيادة عندهم اُسّاً أساسياً في قتال معاوية.
مثل هذا الجيش أيقدر على المواجهة؟! بغض النظر عن مسألة: هل يقدر الإمام الحسن على أن يقاوم به.
خذ مثلاً وأنت تعبر هذا الطريق الشائك عن القائد الخائن عبيد الله بن العباس الذي سلّم الأمر لمعاوية، وإرسال معاوية الجواسيس الذي أشاعوا في صفوف الإمام الحسن عليه السلام أنّه قد سلّم.
جيشٌ ملأته شائعة أنّ الحسن قد سلّم وصالح - وهو لم يصالح بعد - ولم يلتق بمعاوية.
وهذا الجيش تعوّدنا منه كثيراً أن يقبل الشائعات في كثير من مواقف التواريخ مع الإمام علي في(صفّين) وفي(الجمل) وفي(النهروان)، هنا تعترضنا نقطة هامّة وهي أن ندرس الصلح وبنود الصلح.
إنّي أحب أن أثير نقطة(أنّ الصلح اختلفت بنوده) ولا تجد نصاً تاريخياً واحداً يجمع لنا الخمسة بنود التي طرحها الشيخ راضي آل ياسين في كتابه(صلح الإمام الحسن) وإنّما جمعت.
مسألة تجميع هذه الأساليب ليست فقط في سيرة الإمام الحسن عليه السلام وإنّما في سِيَر جميع الأئمة عليهم السلام.
عندما نحاول أن ندرس بنود صلحهم ومصالحاتهم، أو عندما نريد أن ندرس ثوراتهم نجد أنّ أشياء تجمع من هنا وهناك.
يا ترى لماذا كان التاريخ لا يذكر الأسباب دفعة واحدة؟ لماذا كانت هذه المسائل تجمع؟ دعها إثارة واعمل بها ما شئت.
إنّ الاستقراء التاريخي للصلح -والذي أودّ أن يكون ختام هذا الحديث الخطابي المرتجل- أن الصلح سياسة، وسياستنا -أيّها الأحبة- سياسة الشيعة بالذات هي خبزهم وماؤهم الذي يسير معهم.
إنّنا بالسياسة عشنا، وبالإمام الحسن عليه السلام وسياسته، وبالإمام الحسين عليه السلام وسياسته، وبالسجاد عليه السلام وسياسته، وبسياسات جميع الأئمة عشنا لنصنع السياسة لا لتصنعنا، فكنّا قادة الموقف، لأنّ أئمتنا هم مَن صاغوا هذه السياسة الإسلامية.
أو ليس أولى بنا عندما ندرس صلح الإمام الحسن عليه السلام أو غير صلح الإمام الحسن، أو ثورة السجّاد أو ثورة الباقر والصادق أن نجعل هذه الأحداث السياسية امتدادات معاصرة لنا؟
يا ترى ما هو الدرس الذي نستفيده من صلح الإمام الحسن عليه السلام سياسياً في حياتنا السياسية المعاصرة؟
إنّنا بحاجة إلى(إثارة).. إنّنا بحاجة إلى سياسة تعيش معنا، هكذا علمنا أئمتنا وأشركونا في حدثهم.
هل أوفينا أم لم نوف أم يجب علينا الإيفاء؟ هذا حديثكم أنتم!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا