الشبهة الثانية: شبهة التناقض بين صلح الحسن عليه السلام وقتال الإمام الحسين عليه السلام
الشبهة:
إنَّ الحسن عليه السلام صالَح معاوية وسلَّمه الحكم في وقتٍ كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكِّنه من مقاتلته، وخرج الإمام الحسين عليه السلام في قِلَّةٍ من أصحابه على يزيد بن معاوية في وقتٍ كان يمكنه فيه المصالحة والموادعة!!!
ولا يخلو أن يكون أحدهما على الحق، فيكون الآخر على خلافه؛ لأنَّ القول بأنَّ كليهما كانا على الحق يكون جمعاً بين النقيضين، واجتماع النقيضين محال.
وعليه، فإذا كان أحدهما على خلاف الحقِّ فسوف تبطل عصمته، وبالتالي تبطل إمامته؛ لأنَّ العصمة مِن أهمِّ خصائص الإمام عند الشيعة، فلا يكون غير المعصوم إماماً عندهم، وإذا بطلت إمامة أحدٍ ممّن يُدّعى إمامتهم عند الشيعة سوف يبطل أصل الإمامة عندهم؛ لأنَّ الأئمّة عند الشيعة معيَّنون منصوصٌ عليهم. وإذا بطل هذا الأصل بطل التشيُّع بكامله.
ردُّ الشبهة:
وللجواب عن هذه الشبهة, نقول:
أوّلاً: إنَّ هذا الإشكال ليس تامّاً، بل الثابت أنَّ الإمام الحسن عليه السلام قد انهار جيشه بسبب الخيانات التي حصلت من بعض القادة، ودونك هذا النص التاريخي: (... فلمّا كان من غدٍ وجّه معاوية بخيله إليه, فخرج إليهم عبيد الله بن العبّاس فيمن معه، فضربهم حتّى ردّهم إلى معسكرهم، فلمّا كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العبّاس: أنّ الحسن قد راسلني في الصلح وهو مسلّمٌ الأمرَ إليّ فإنْ دخلتَ في طاعتي الآن كنت متبوعاً وإلّا دخلت وأنت تابع، ولك إن جئتَني الآن أنْ أعطيك ألف ألف درهم، يعجَّل لك في هذا الوقت النصف وإذا دخلتَ الكوفة النصف الآخر، فانسلَّ عبيد الله ليلاً فدخل عسكر معاوية فوفّى له بما وعده...)(1).
ووصل الأمر إلى التآمر على تسليم الإمام الحسن عليه السلام نفسه إلى معاوية، وأدرك عليه السلام هذه المؤامرة وكان أمامه خياران: إمّا الاستسلام المُذِل أو الصلح الكريم، فاختار الثاني على الأوّل... وأمّا الإمام الحسين عليه السلام فهو قد خرج ثائراً برجالٍ قلوبهم كزُبر الحديد وقد حقَّق بثورته وأنصاره ما أذهل الدنيا من صنوف البطولة والشجاعة والإباء... فشتّان بين موقف الإمام
الحسن عليه السلام وموقف الإمام الحسين عليه السلام.
ثانياً: إنَّ هذا المورد ليس من اجتماع النقيضين؛ لأنَّ صلح الإمام الحسن عليه السلام كان أمراً مشروعاً بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (إنَّ ابني هذا سيّد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)..
وعليه, فالإمام الحسن عليه السلام كان على الحقِّ في صُلحه، كما صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في الحديبية لمصالح معيَّنة، ولا يمكن لأحدٍ أنْ يقول إنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام غير مشروع، بل الصلح يجوز مع المسلم والكافر على السواء وفق شروطٍ معيَّنة، وثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت مشروعةً أيضاً بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنَّة).. ولما ورد عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم: (حسينٌ منّي وأنا من حسين).. قال المناوي في (فيض القدير): (حسينٌ منّي وأنا منه)، قال القاضي: كأنّه بنور الوحي علِم ما سيحدث بين الحسين وبين القوم فخصّه بالذِّكر وبيّن أنّهما كشيء واحدٍ في وجوب المحبَّة وحرمة التعرُّض والمحارَبة وأكّد ذلك بقوله (أحبَّ اللهُ مَن أحبَّ حسيناً) فإنّ محبَّته محبَّةُ الرسول ومحبَّة الرسول محبَّة الله)(2).. بل جاء الدليل بلزوم نُصرته لمن يدركه، فقد ذكر الشوكاني في (دَرّ السحابة في مناقب القرابة والصحابة): (أخرجَ البَغَوي وابن السكن والبارودي وابن مندة وابن عساكر والطبراني في (الكبير) بإسنادٍ رجالُه ثقات عن أمّ سلمة: (إنَّ ابني هذا - يعني الحسين عليه السلام - يُقتل بأرضٍ من أرض العراق، يُقال لها كربلاء، فمَن شَهِد ذلك منكم فلينصره)(3).. فأين التناقض بين الموقفين وكلاهما حقٌّ مشروع؟! اللّهمّ إلّا أن يقول الخصم إنَّ الحقَّ هو في القتال دائماً دون الصلح مع الطرف الآخر... وهذا لا دليل عليه وإلّا كان فعلُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في الحديبية باطلاً ولا يقول به أَحد... فالحرب والسلم لهما ظروفهما وعواملهما والحقُّ والباطلُ لا يدوران مدار الحرب والسلم -مطلقاً- بمعزلٍ عن العوامل المحيطة بهما.
مركز الإمام الحسن عليه السلام للدراسات التخصصية
الوحدة العلمية / السيد مهدي الجابري
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقاتل الطالبيّين: ٤٢.
(2) فيض القدير: ٣ - ٥١٣.
(3) دَرّ السحابة في مناقب القرابة والصحابة: ٢٩٤.
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا