الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مفكراً وقائداً ومصلحاً
الكاتب: د. طالب الصراف
في ذكرى ولادته عليه السلام
في هذه المقالة عن ذكرى ولادة الامام الحسن (ع) في 15 رمضان المبارك لا يراد ان تسرد المسيرة التأريخية لحياة الامام المعصوم الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم افضل الصلاة والسلام لان ذلك يحتاج الى اكثر من مجلد, ولكن سوف يسلط الضوء على جوانب قد تكون غامضة عند البعض من الذين اختفت عن بصيرتهم الصورة الحقيقية عن شخصية هذا الامام العظيم. وستكون النقاط التي تعتمدها الورقة كالتالي:
رعاية النبي محمد (ص) للإمام الحسن (ع):
بدأت رعاية النبي محمد (ص) للامام الحسن منذ اليوم الاول لولادته حين سماه (الحسن) كما سمي ابن النبي هارون بن عمران (شبرا) وهذا الاسم يعني (الحسن والجمال) وان المسلمين يعلمون منزلة الامام علي والد الوليد المبارك من النبي محمد (ص), اذ هي بمنزلة هارون من النبي موسى كما قال النبي لعلي صلى الله عليهم جميعا وسلم: "اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى". فما بالك من منزلة لهذا الوليد الذي هو بابن بنت النبي وابن باب مدينة علم النبي (ص). ان النبي محمد (ص) جعل للامام الحسن (ع) منزلة خاصة في قلبه وهو يعرف جيدا ماذا سيواجه هذا الوليد من صعوبات ومشاكل وفتن في مستقبل حياته, وقد اسهب رواة الحديث عن علاقة النبي محمد بالامام الحسن صلى الله عليهما وسلم من شبه في الخلق والاخلاق, والحديث عن هذه العلاقة لا يسع في هذه الورقة ولكن يمكن الحديث عنها باجمال؛ اذ ينقل الرواة بان وجه الامام الحسن (ع) يشبه وجه جده النبي محمد (ص) وقد اكثر المؤرخون ورواة الحديث عنه في هذا المجال من الوصف كما جاء في البخاري وعن عبد الله بن عباس وسفيان الثوري, وان والدته السيدة فاطمة الزهراء (ع) كانت تردد هذا الكلام في مداعبة ابنها: "بابي شبه النبي". وهنالك احاديث بان الامام يشبه جده رسول الله ما بين الصدر والرأس والكثير من هذه الاحاديث ايضا عن التشابه في الشكل والجسد, وهنا لا ننسى تعلق النبي (ص) بالحسن والحسين وبما ذكره علماء المسلمين بكل طوائفهم حيث قال النبي (ص) للحسن والحسين: "انكم لمن روح الله وانكم لتبجلون وتحببون". ثم يقول (ص) عن الحسن والحسين: "من احبهما فقد احببني ومن ابغضهما فقد ابغضني". ويقول النبي (ص) في حبه للحسن: "اللهما ان احبه فأحب من يحبه". ان هذه الامثلة القليلة وغيرها تدلل بان رعاية النبي محمد للحسن والحسين وتعلقه بهما وتربيته الخاصة لهما قد بنت لكل منهما شخصية خاصة تتصف بالعصمة والمشابهة بشخصية جدهما ليست بالشكل وحسب بل بالعلم والمعرفة والاخلاق والتقى والايمان, فكانا اهلا للامانة في الدفاع عن دين جدهما ونشر رسالته السماوية والفداء والجود لها بالنفس. واذا فهمنا بان النبي محمد (ص) هو جدٌ للحسن والحسين وقد رعاهما بعنايته واحبهما الى درجة من احبهما احب الله, والدليل على حب الله لهما هو ما جاء في محكم كتابه: "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من علم فقل تَعالَوْا ندعُ ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل ونجعل لعنة الله على الكاذبين (61) سورة ال عمران, وقد روت كتب الصحاح هذا الحديث كما جاء في صحيح مسلم والترمذي والحاكم, وغيرهم في كتب المفسرين ورواة الحديث والمؤرخين لحياة النبي محمد والأئمة الاطهار صلوات الله عليهم اجمعين.
هذه منزلة الامام الحسن عند الله ونبيه فهل هنالك من يشك في قدرة الامام المجتبى (ع) في صناعة القرار الذي تحتاج اليه الامة الاسلامية بل كانت بأمسّ الحاجة الى مثل هذا الصلح حيث كان الاسلام في حالة بزوغ ان لم يكن في حالة ظهور, وان عمره في النصف الاول من القرن الهجري فلابد من الحفاظ على هذا الوليد الذي هو دين جد الامام الحسن والذي شيد بسيف ابيه ذو الفقار والذي ضحى بنفسه ليكون شهيدا في محراب صلاته, فكيف يمكن ان يتصور ان الامام يضحي بدين جده وابيه الذي قدمت عائلة رسول الله الجود بالنفس في سبيله, واليوم نشاهد بأعيننا عداء بني امية والخوارج الجدد كيف يغذون الفتنة بين ابناء الشعوب الاسلامية, والحقيقة لايزال هذا العداء الى يومنا هذا حيث الصراع مستمرا منذ عصر بني امية الى عصر الوهابية في الجزيرة العربية, الا انه سيندحر ويزول كما زالت دولة بني امية والى غير رجعة بينما استمر ال بيت النبي في التضحية والمعاناة في حمل ونشر رسالة الاسلام السلمية الانسانية في كل العصور التي تلت العصر الاموي حتى يومنا هذا ولو كره بني امية الجدد ووهابية ال سعود وقد جاء في محكم كتابه: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون". نعم ان الله مظهر لدينه وناصر لنبيه وال بيته ومن اتبعهم على منهج وطريق النبي محمد في صلحه ومعاهداته, او طريق ومنهج الخليفة والامام علي بن ابي طالب او الامام الحسن او الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليهم او الامام الخميني تغمده الله برحمته او الامام السيستاني حفظه الله فكل يخضع قراراته واحكامه لظروف يرى فيها الامام خدمة للاسلام ومصلحة المسلمين.
ومن هنا لا يجدر بمن يكتب التأريخ بحيادية علمية وموضوعية ووعي اسلامي ان يشير الى ان للامام الحسن (ع) كان موقفا ضعيفا او مترددا ابدا, ولكن الظروف التي كان يعيشها بعد استشهاد والده الامام علي (ع) وما تبعها هي التي فرضت على الامام ذلك الموقف الذي سنحلل الملابسات التي احاطته, ولا يمكن القول بان الامام الحسن المجتبى (ع) كان مهيّئاً للصلح مع معاوية ابن الطلقاء ولا يتوقع من الامام ان يتحالف مع النظام الاموي, وكان الامام المجتبى لن يرغب بذلك لولا الخلل والاضطرابات التي هزت جيشه وبنية المجتمع الاسلامي وخاصة في العراق.
ان النبي كان يعطي للامام الحسن رعاية خاصة لاسباب عديدة منها انه السبط الاول للنبي (ص) وانه ابن ابنته فاطمة الزهراء (ع) التي تلقب "بام ابيها" وهو ابن علي بن ابي طالب الذي هو ابن عم النبي ووصيه, فان جد الامام المجتبى من ابيه هو ابو طالب الذي دافع عن الاسلام ونبيه بالغالي والنفيس, هذا هو الامام الحسن بن علي فكيف لايقوم النبي محمد (ص) برعايته والاشادة به وقد حاولت في هذه المقالة ان القي الضوء على الملابسات التي بدأت بها فترة خلافة الامام المجتبى وما صاحبتها من تخاذلات في صفوف المجتمع الكوفي وبعض قادة جيشه الذين كسبهم معاوية بالمال والاغراءات, وهنا لابد من الاشارة وتوضيح الظروف التي احاطت بالامام الحسن (ع) بعد استشهاد والده:
هنالك معاوية الخارج عن طاعة الخليفة الشرعي الامام علي بن ابي طالب (ع) وهنالك الخوارج والمعتزلة وهناك الداعون الى الحرب على معاوية وكذلك الناهون عنها تحت شعار الحفاظ على بيضة الاسلام والقضاء على فتن ودسائس معاوية وبطانته. نعم لقد كان معاوية بن ابي سفيان من الخارجين والعاصين على طاعة خليفة المسلمين وامامهم الخليفة والامام علي بن ابي طالب (ع), لذلك قام الامام علي بقيادة الجيش بنفسه لمحاربة المنشق عن الصف الاسلامي معاوية بن ابي سفيان الذي لم يستجب لامر وقرار الخليفة والامام بعزله من ولاية الشام, وقد ادى قرار العزل هذا الى حرب صفين التي كشفت عن نوعية جيش الامام علي(ع) الذي كان يضم بعض المتخاذلين والحاقدين والحاسدين للامام, ومن هؤلاء الخوارج وابي موسى الاشعري وامثالهم من الخونة الذين لايزال الكثير منهم الى اليوم يسببون الانقسامات والخلافات بين صفوف المسلمين, والحقيقة ان صورة معركة صفين الحديثة يمكن ان نشاهدها في عصرنا هذا فالوهابية هي الانعكاس الكامل لصورة الخوارج وخيانة ابي موسى الاشعري التي كان سببها اموال معاوية لشراء الذمم, فهي اليوم تتجلى بالمال السعودي والقطري لشراء الحكام وقياداتهم الدينية والسياسية والاجتماعية. فلا يزال التأريخ يعيد ويكرر نفسه بطرق وطبعات حديثة, ولكن النفوس والاخلاق هي نفسها التي كانت تعيش في الجاهلية وما بعد الاسلام وعصر الدولة الاموية. فما بالك من مجتمع الامام الحسن (ع) الذي هو نفس المجتمع الذي عاشه والده الامام علي (ع) وما لاقى منه من ويلات وخيانات. فالامام الحسن (ع) لن ولم يكن اقل ارادة وشجاعة من ابيه, وما فرضت عليه الظروف من تقبل الصلح مع معاوية هي نفسها التي ادت الى قبول الامام علي التحكيم في صفين, فالخوارج لا يزالون لهم نفوذ وتأثير على المجتمع الذي اصبح خليفته الامام الحسن بعد ابيه (ع), والخونة الذين على رأسهم ابو موسى الاشعري لا يزالون بين صفوف المجتمع الكوفي وجيش الامام الحسن وما عبيد الله بن عباس وامثاله الا مثالا على ذلك.
- المنهج الذي اختاره الامام لتلك الفترة: لقد كان منهج الامام - رغم عصمته - يعتمد على استشارة اصحاب ابيه ومن يجاهدون في سبيل دين جده ولا غرابة حين يقول: "ما تشاور قوم الا هدوا الى رشدهم" وبهذه المقولة فانه يشارك والده الامام علي عليهما السلام حين يقول: من شاور الرجال شاركها في عقولها" والحديث النبوي الشريف؛ "ما خاب من استخار ولا خسر من استشار" وكما قال الله سبحانه: "والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم". لقد حاول الامام الحسن (ع) ان يشارك اصحابه بادارة الدولة رغم حلمه وورعه وعصمته حيث قيل عنه: "حليم اهل البيت". وان حلمه يزن الجبال الا انه لم يكن منفردا في اراءه فكان مستشاره الاول هو الامام المعصوم ابو الشهداء الحسين (ع) وكذلك من بين مستشاريه عبد الله بن عباس حبر الامة وقيس بن سعد, وقد احتفظ الامام بعمال ابيه على بعض المدن امثال سعد بن مسعود الثقفي الذي كان عامل الامام علي(ع) على المدائن. ومن خلال هذه المعطيات اختار الامام المجتبى المنهج الذي يلائم تلك الحقبة من الزمن التي انتشرت فيها الفوضى منذ حرب صفين, ولا يستطيع أي من كان ان يقدم حلا يحافظ على بيضة الاسلام من مؤامرات معاوية بن ابي سفيان - الذي ناصب الاسلام والتآمر عليه مع ابيه منذ بزوغه - اكثر مما حافظ الامام الحسن (ع) على بيضة الاسلام في تلك الفترة. لقد كان الامام الحسن (ع) معتمدا في منهج حياته القرآن وسنة جده النبي محمد (ص) ووصايا ابيه صاحب نهج البلاغة الذي اشاد بروعة لغته وبلاغته وحكمه ووصاياه الشيخ محمد عبده قائلا: "وليس في اهل هذه اللغة الا قائل بان كلام الامام علي بن ابي طالب هو اشرف الكلام وابلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه (ص) واغزره مادة وارفعه اسلوبا واجمعه لجلائل المعاني". ومن خزانة العلوم هذه وبليغ الامة بعد نبيها وامام المتقين وباب مدينة علم النبي ومن هذه الشخصية الربانية تصدر الحِكًم والوصايا للعلماء والامراء والولاة ومن بينها وصايا لابنيه الحسن والحسين عليهم السلام, ومن هذه الوصايا وصيته لابنه الحسن المجتبى اذ يقول فيها: "ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا لو اصابك اصابني, وكأن الموت لو اتاك اتاني, فعناني من امرك ما يعنيني من امر نفسي فكتبت اليك مستظهرا به ان انا بقيت لك او فنيت......". هذه وصية من اب لابنه لا تصيغها العقول الا عقل ابي الحسنين ابلغ البلغاء وافصح الفصحاء باستثناء ابن عمه محمد رسول الله (ص) ومن هنا كان الامام الحسن يسير على منهج ونهج ابيه وكان ما يعني الامام الحسن هو نفسه الذي كان يعنيه ابوه فكان ملتزما بشرائع الاسلام واحكامه وحلاله وحرامه مبتعدا عن الشبهات والخصومات كما اراد ابيه.
اسباب الصلح بين الامام الحسن (ع) ومعاوية: بعد ان كشف الامام الحسن المجتبى (ع) سياسة الترهيب والترغيب الاموية حاول ان يستمر على سياسة ابيه في محاولة مواجهة ومحاربة سياسة الظلم والعصيان التي يؤمن بها معاوية بن ابي سفيان نظريا وعمليا وتطبيقا, فالامام المجتبى هو القائد والخليفة الشرعي بعد ابيه وهو المفكر الذي اراده الله للقضاء على الفتن التي تحدث في زمانه, وخاصة بعد استشهاد الامام علي المدافع والمشيد للاسلام بسيفه وحكمته اثناء حياة النبي محمد (ص) وبعد وفاته. لذلك لم تكن الحالة الاجتماعية والسياسية في زمن الامام الحسن افضل مما كانت عليه في الزمن المتأخر من خلافة ابيه عليهما السلام, وان الامور تتداعى نحو الأسوأ بسبب الاموال التي يبذلها معاوية لشراء الذمم, وكذلك فتنة الخوارج التي لاتزال مستعرة والتي ادت الى اغتيال الخليفة الامام علي بن ابي طالب (ع). ولو اردنا ان نعطي صورة عن الحالة في زمن الامام الحسن علينا ان نرجع قليلا لما خلفته مجريات الاحداث عليه, فقد رفضت قريش بعد وفاة النبي محمد (ص) جمع النبوة والخلافة في بيت النبوة, واستمر ابو سفيان في رفع هذا الشعار حتى وفاته اثناء خلافة عثمان بن عفان بل اضاف الى ذلك قولته المشهورة: "تلاقفوها يا بني امية فو والذي يحلف به ابو سفيان لا جنة ولا نار", فما بالك بولده ومعتقداته التي ورثها من هذا الاب وتلك الام (هند) اكلة الاكباد؟ وقد استمر هذا الحقد الدفين على بيت ال نبي محمد (ص) طيلة العصر الاموي خوفا من اعادة الحق الى اصحابه في بيت ال النبي (ص) بل الأسوأ من ذلك لم يتوقف سب الامام علي (ع) على المنابر. وقد استطاع معاوية القضاء على اعدائه وكل معارضيه الذين يريدون تطبيق مبادئ الاسلام الحقيقية لا المحرفة عن القرآن والحديث النبوي, وقد ساعد معاوية على ذلك امارته على الشام منذ خلافة عمر بن الخطاب ثم بعده عثمان بن عفان, وخلال هذه الفترة وما بعدها بذل معاوية قصارى جهده ودهاءه باقناع الناس عن طريق حاشيته بانه ينتمي الى عائلة النبي محمد وانه اولى من غيره فقام بابعاد ومحاربة اصحاب رسول الله السابقين الاولين امثال ابي ذر الغفاري وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس والمقداد وحجر بن عدي وغيرهم من الصحابة, وقام بتبني سياسة القتل والبطش و شراء الضمائر, وقد بنيت ستراتيجية معاوية التي اعتمدها على الترغيب والترهيب لاقامة ملك بني امية العضوض. هذه السياسة التي لاتزال تمارس الى يومنا هذا والتي نراها متمثلة بسياسة عائلة ال سعود القمعية في الجزيرة العربية وحكام البحرين والمقبور صدام, فما نراه اليوم من الاستئثار بالسلطة لدى الحكام العرب وكأنها ملك عضوض فهو من اثار الدولة الاموية التي تحولت الى خلافة وراثية منذ معاوية ووالده ابي سفيان الذي يعتبر المؤسس الاول لشق الصف الاسلامي والمتآمر وقائد الحقد والضغينة على بيت النبوة منذ فجر الاسلام. هكذا تركزت اركان الدولة الاموية بغدق الاموال على الذين لهم تأثير على ابناء المجتمع الاسلامي اينما كانوا, وكذلك اغراء النخب منهم باشغالهم بالوظائف الهامة, وكذلك استخدام رجال الدين ووعاظ السلاطين بالقول بأحقية ال امية في الحكم كما هو اليوم في المنظومة الوهابية التي وظيفتها استخدام الدين لتأييد حكم العائلة السعودية, واضفاء صبغة المشروعية عليها ومن هنا يمكن القول ان ال سعود هم امتداد لبني امية, وكما ان بني امية حاربوا الاسلام منذ ظهور دولة الاسلام وحاربوا نبيها محمد (ص) ثم بعد ذلك الخليفة الامام علي وكذلك الامام الحسن واستشهاد الحسين (ع), فلا غرابة ولا استغراب بأن يقال ان عائلة ال سعود التي تقابل العائلة الاموية في عصرنا هذا تضمر كل الحقد والكراهية للحكومات والشعوب التي تختار منهج النبي وال بيته في ادارة الحكم, وان ال سعود اليوم يقومون بمحاربة الدولة الاسلامية في ايران لانها امتداد لدولة النبي محمد وال بيته الاطهار, وكذلك نفس الاسباب في محاربتهم للدولة العراقية وابناء البحرين العزل وجنوب لبنان بل كل حكومة تحاول السير على نهج وهدى النبي محمد (ص). وليس بالغريب في هذه المقارنة ما بين الماضي الاموي والحاضر السعودي فكلتا العائلتين بثت وتبث الفساد والافساد داخل المجتمع الاسلامي, فعائلة ال سعود تحاول بعودة المجتمع الاسلامي الى الكفر الجاهلي والزندقة والتكفير الوهابي (الخوارج الجدد) وتكريس الحكم في العائلة السعودية, وذلك بدعم من المؤسسة الوهابية كما كان عليه اباؤهم من عبادة للصنمية وايغال في الشرك وتقديس للاصنام ال سعود. وكما ان معاوية لم يحاسب من قبل الخليفتين الثاني والثالث على استغلاله لثروات المسلمين وانفراده بالحكم دون محاسبة فكذلك العائلة السعودية لم تحاسب من قبل الذي اعطاها الولاية وسلمها زمام الحكم سواء من قبل الانكليز او بعدهم الامريكان. وان المستجدات في الشرق الاوسط الجديد تجعل العالم اليوم يتطلع الى سقوط الحكم السعودي الدكتاتوري الارهابي كما سقط الحكم الاموي, وخاصة ان موجة التغيير لاتزال مستمرة والفتنة مشتعلة ولابد من ان تحرق من سببها واشعلها سواء كانت العائلة السعودية او من يقف معها.
وتحت الظروف المعقدة والتي اصبح موقف مؤيدي الامام الحسن وال بيت النبي ومواليهم ضعيفا اتجاه بني امية وحزبهم بعد استشهاد الامام علي بن ابي طالب (ع), فليس من المعقول ان يقرر ويصر الامام الحسن المجتبى على الاستمرار بالحرب وخاصة ان هنالك من قام بخيانته من اقرب الناس اليه في الحملة الاولى على جيش معاوية بعد وفاة الامام علي, وقد يؤدي الاصرار على الحرب بالقضاء التام على بيت النبي واصحابه قبل ان تقع واقعة الطف التي اخبر عنها النبي محمد (ص) عندما اخبره جبرائيل بذلك, ولذلك لا يسمح الله في هذه الحقبة من الزمن ان تقع فاجعة قبل فاجعة الطف التي وعد بها كما اشارت الاحاديث النبوية المتواترة عن النبي محمد التي ذكر فيها استشهاد سبطه الثاني الامام الحسين في كربلاء كما اخبره جبرائيل. ان الكثير من علماء المسلمين ذكروا بان معركة الطف واسبابها بانه امر رباني وليس باختيار الامام الحسين (ع) وقد اعلن الامام هذا بنفسه: "اني لم اذهب اشرا ولا بطرا...". وقد تحدث جده النبي محمد (ص): "اخبرني جبريل ان ابني الحسين يقتل بعدي بارض الطف وجاءني بهذه التربة واخبرني ان فيها مضجعه". لذلك اصبح من المستحيل ان يضحي الامام الحسن بكل افراد عائلته التي تنتظر الشهادة للدفاع عن الاسلام دين جده (ص) الذي تحدث عن شهادة سبطه الامام الحسين وافراد عائلته حتى بتحديد المكان. ومن هنا خرج الامام الحسن المجتبى من هذه الفتنة صابرا محتسبا واخذ درسا من جده رسول الله في صلح الحديبية مع المشركين, لذلك كان له في جده اسوة حسنة للحفاظ على الاسلام الى حين ثورة الامام الحسين على الطغاة الفاسدين المفسدين بعد وفاة معاوية وتولي يزيد للسلطة. وكان الامام الحسن (ع) يعيش مرارة اهل العراق التي خيبت امال ابيه حتى وصل فيه الامر الى كشفها امام معاوية حين قال الامام علي: "لوددت ان معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم اخذ مني عشرة منكم واعطاني رجلا منهم". فكان الامام المعصوم الحسن المجتبى واعيا ومدركا لما يحدث بين صفوف اهل الكوفة من جواسيس لمعاوية ودفع للاموال لشراء الضمائر وبث الفرقة بين المسلمين ونشر روح الخذلان بينهم.
الاحكام الخاطئة على سياسة الامام الحسن المجتبى: روايات معظمها مشوبة بالتحريف والتصحيف حتى اننا نرى بعض الكتاب المعاصرين امثال دكتور طه حسين الذي وقع في هذه الاشكالات لاعتماده النقل الحرفي من كتب التأريخ التي كرست الدس والكذب, تلك الروايات المزيفة التي تخدم الحكام وحاشياتهم والا كيف نصدق الرواية التي ينقلها طه حسين التالية: "فقد روي الرواة ان عليا مرٌ بابنه الحسن وهو يتوضأ فقال له: "اسبغ الوضوء. فاجابه الحسن بهذه الكلمة المرة: "لقد قتلتم بالامس رجلا يسبغ الوضوء". أي عثمان بن عفان فهل تعقل مثل هذه الروايات التي حرفت حتى الاحاديث النبوية واسباب نزول الكثير من الآيات القرآنية, ولكن الواقع والمنطق يمكن الاعتماد على رواية الطبري في وقوف الامام علي اكثر من مرة بوجه المحتجين والتوسط بينهم وبين عثمان بن عفان, وقد قال له في توسطه بينه وبينهم في المرة الثانية مخاطبا عثمان كما يذكر الطبري في الجزء الثالث سنة 25: "فقال له عليُ الناس الى عدلك احوج منه الى قتلك...."فكيف يعقل ما ذكر طه حسين. نعم لقد اتعب اهل الكوفة الامام الحسن كما اتعبوا والده الامام علي عليهما السلام من قبله فحين يناشدهم في الحرب على الماكر معاوية بعد انتهاء معركة النهروان يقابلونه بالقول: "يا امير المؤمنين نفذت نبالنا وكلت اذرعنا وتقطعت سيوفنا ونصلت اسنة رماحنا فارجع بنا نحسن عدتنا". هذا الحالة قبل ستة اشهر من استشهاد والده امير المؤمنين وامام المتقين اذ ساد وانتشر فيها الخذلان والانحطاط في معنويات جيش الامام علي. لذا من غير العدل والانصاف يتهم الامام المعصوم الحسن المجتبى بتفضيله لحياة السلم والدعة والعيش الرغيد تحت حكم الطاغية معاوية الخارج عن طاعة الخليفة الشرعي في زمن الامام علي ومن بعده ابنه الخليفة الحسن عليهما السلام. ومن العجب اننا منذ نعومة اظفارنا ونسمع ان الامام الحسن المجتبى المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه قد فضل العيش الرغيد بهذه الطريقة مع معاوية, هذه المعيشة التي لم تتفق مع منحى والده ولا اخيه ابي الشهداء الحسين بن علي سواء في عهد معاوية او يزيد. والحقيقة اننا نرى ان الامام الحسين (ع) نفسه لم يثور على معاوية بن ابي سفيان الذي توفي بعد وفاة الامام الحسن بعشرة سنوات, وهنا نقول مرة اخرى ان الاسباب ربانية والهية, فمنها قد يكون واضحا للمؤرخين ومنها غير ذلك, وقد كان معاوية متأثرا باقوال ابيه ابي سفيان الذي لا يؤمن بالاسلام فلا نبي لديه ولا وحي نزل, وقد كان معاوية يعرف جيدا شيوخ الاسلام والمعادين منهم للبيت الاموي, فاذا حدثت الحرب وفشل جيش الامام الحسن اصبح باستطاعة معاوية القضاء على البقية الباقية من الهاشميين والموالين لهم وبقية المهاجرين والانصار الذين وقفوا مع الامام علي (ع) سابقا واليوم مع ابنه الحسن فيصبح لديه المبرر في ذلك, ولربما تتحقق احلام واهداف البيت الاموي في تشجيع وقيادة الردة عن الاسلام. اما يزيد فليس الا بشاب طائش ولم يعش مع جده ابي سفيان اكثر من 6 سنوات, فكانت هموم يزيد لا تتجاوز اللعب واللهو والقمار ولا يفكر في ستراتيجية لها اديولوجية لنشر الاسلام وانما تصرفاته هي بحد ذاتها مغايرة للاسلام وتعاليمه, فلم يكن ملتزما بالمبادئ الاسلامية ولا حتى الاعراف الاجتماعية, ولذلك كانت ثورة الامام الحسين (ع) في زمن يزيد لها ردود كبيرة على المجتمع الاسلامي واعتبرت ثورة تصحيح على الانحرافات الاموية والاستئثار بالسلطة ولو كانت في عهد الطاغية معاوية لاستطاع استيعابها بدهائه ولم يكن لها تأثير في نفوس المسلمين الى يومنا هذا.
وهنا لابد لنا من مقارنة اخرى بين ما حدث في زمان الامام الحسن المجتبى (ع) وما حدث قبله وبعده حتى يومنا هذا, لكي نطلع على طبيعة المجتمع البدوي والاعراب الذين كانوا هم السبب في عدم وحدة المجتمع الاسلامي حتى عصرنا هذا عصر الحداثة والتطور التكنولوجي. لقد استوعب الامام الحسن الكثير من تجارب ابيه امام المتقين وخاصة في تحليل المجتمع العربي البدوي انذاك ومناورات معاوية السياسية التي تهدف الى استلام وسيطرت البيت الاموي على الخلافة الاسلامية لتكون ملكا عضوضا بيد ال امية. وفعلا حدث ذلك الا ان ثورة الامام الحسين (ع) التي انتهت الى فاجعة الطف اصبحت تحز في نفوس المسلمين الى يومنا هذا, ولكنها اصبحت رمزا لتضحية الاحرار في سبيل علو الإسلام ورفعته فكان تأثيرها في نفوس المسلمين اكثر مما لو حدثت في زمان معاوية داهية الكذب والامعان في التآمر على الاسلام, وذلك لان معاوية لديه من المؤرخين الذين بامكانهم قلب الحقائق رأسا على عقب, ولديه ايضا ما يكفي من وعاظ السلاطين الذين سيرهم في طريقة عمياء اذ لا يهمهم ارتقاء المنابر من اجل سب الامام علي (ع), وما نشاهده اليوم هو صورة حديثة تعكس ما كان في عصر الدولة الاموية من محاربة لأهل بيت النبوة, فهؤلاء حكام السعودية هم صورة لحكام بني امية, فاذا رأينا بان دولة ال سعود والوهابية الارهابية هي اخر حلقة من حلقات دولة خلافة بني امية فان الجمهورية الاسلامية في ايران تعكس نظام الحكم الذي اراده الخليفة الامام علي بن ابي طالب استمرارا للحكم الذي كان في زمن ابن عمه نبي الاسلام محمد (ص), فان ايران اليوم تسير على نهج الاسلام ومبادئه روحا وتطبيقا دون شك او اشكال, فنموذج الحكم في ايران هو النموذج الذي اراده امام التشيع بان يسود فيه العدل والحريات والاستقلال ومساعدات المظلومين والفقراء لكي تصبح ايران دولة قوية يعز بها الاسلام واهله وتذل بها الدكتاتورية والغطرسة والاستبداد واهله, انها ايران اليوم: الدولة القوية العزيزة على المستعمر والذليلة لله ور سوله وال بيته, ومثل هذا المنهج الاسلامي المتحضر كان يطمح الامام الحسن(ع) الى تطبيقه على المجتمع الاسلامي لولا سيطرة معاوية وعصابته على مقدرات الدولة الاسلامية اعلاميا وماديا.
ان نظرية استخدام المال والترهيب والترغيب من اجل حصر السلطة بيد العائلة الاموية اصبح منهجا لتولي السلطة الدكتاتورية من اجل استمرارها عن طريق التوريث والاوتوقراطية، فأصبحت هي المنهج العملي في الهيمنة على الحكم في الوطن العربي واغلب الدول الاسلامية منذ معاوية حتى العائلة السعودية الوهابية التي جمعت بين عقيدة الخوارج وثيوقراطية الوهابية الارهابية ونظرية الحكم الاموي الدكتاتوري. ان الدولة السعودية اليوم مصدر الارهاب والفساد المالي في شراء النفوس الرخيصة كما كانت عليه دولة بني امية اذ كانت سياسة معاوية قائمة على مثل هذه الستراتيجية, حيث استطاعت ميكافيلية معاوية من تفكيك جيش الامام الحسن وبث الفرقة والفتنة بين صفوفه بل حتى ان البعض من الجيش او المدنيين بدأوا يبتعدون عن طاعة الامام المجتبى(ع), لذا كان صلح الامام قد ملي عليه واقعيا وموضوعيا ودينيا لانه يتناسب والظروف التي تحيط بالامة الاسلامية, وان صحة القرار الذي اخذه الامام المجتبى لا اشرا ولا بطرا كاخيه ابي الشهداء حين اتخذ قرار واقعة الطف. وما يبرهن على خيانة الاعراب لبيت النبوة في كل العصور الاسلامية سواء كانت اموية او عباسية او عثمانية حتى يومنا هذا ما يحدث اليوم في الامة الاسلامية من انشقاقات وكراهية وتكفير وكراهية لمحبي بيت ال النبي صلوات الله عليهم.
أن ما يؤيد صحة قرار الامام الحسن في الموافقة على الصلح هي الوقائع التأريخية سواء في عهد النبي محمد (ص) كما ذكرنا في صلح الحديبية مع الكفار او في عصر خلافة ابيه او في عصرنا الحاضر في صلح الجمهورية الاسلامية مع صدام الذي لا يختلف عن معاوية وعاهل السعودية الوهابية الكافرة بالله ونبيه وال بيته, وقد صدر بذلك قرار مجلس الامن 598 باتفاق الطرفين بإيقاف الحرب في آب 1988 رغم المرارة التي اشار اليها الامام الخميني الراحل قدس الله سره.
وبهذه الامثلة وغيرها نتصور ما حدث للامام الحسن المجتبى من مجريات واحداث, والحقيقة لا يدركها ويفهمها الا الذين عاصروها او من فتح الله عقولهم واسبغ عليهم التقى والعرفان. ومن هنا نرى ان الجمهورية الاسلامية قد اخذت من التأريخ الاسلامي تجربة عميقة, ومن تعاليم القرآن والاحاديث النبوية والفقه وتشريعات ال بيت النبي منهجا وقوانينا, فكانت القوة والمقاومة تستخدم احيانا والتفاوض والمعاهدات والصلح احيانا اخرى ولا ريب في ذلك فلكل ظرف عوامل واسباب. وقد تكون ظروف الامام الحسن المجتبى التي فرضت الصلح اشد مرارة من ظروف جده (ص) في صلح الحديبية, وقد كانت ايضا للنبي محمد (ص) وللمسلمين اتفاقات ومعاهدات سلام مع اليهود والنصارى فلا غرابة بصلح الامام الحسن مع معاوية التزاما بالآية الشريفة: "وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم". الانفال 61. وخاصة تحت ظروف عسكرية واجتماعية لا يحسد عليها الامام الحسن المجتبى (ع) كما تعرضنا في سياقات هذا الصلح وكذلك الملابسات التي ادت اليه دون رغبة من الامام الحسن, ودليل ذلك ان الامام يرى ان معاوية واصحابه (كفار بالتأويل) وان جده نبي الاسلام محمد (ص) أقام الصلح مع (الكفار بالتنزيل) كما كان صلحه مع اليهود وغيرهم. وقد اثبتت حكمة الامام الحسن في قبوله للصلح بتعرية معاوية والبيت الاموي من بعده, وذلك بان ليست لمعاوية وال امية من عهود صادقة ولا وفاء للمواثيق, وقد جعل الحكم وراثيا عضوضا دكتاتوريا استخدمه لمطاردة ال بيت النبي محمد (ص) واصحابه بل تجاوز ذلك الى نشر الرعب والخوف بين المسلمين وانتشار الفساد في المجتمع الاسلامي واستخدام شراء الضمائر والنفوس الضعيفة بالمال الذي وظفه لتمزيق الصف الاسلامي, وجعل ذلك نظاما للخلف الذي تبعه من سلالته والمتمثل اليوم بالعائلة السعودية الوهابية المتزندقة والفاسدة المفسدة التي تحاول تسليم امور العرب المسلمين للصهيونية والمخابرات الاجنبية. وقد احدثت سياسة معاوية التي كشفها الصلح مع الامام الحسن (ع) شرخا في الصف الاسلامي وعداوات طائفية حتى يومنا هذا.
واذا كان هنالك من سؤال يطرح لماذا وافق الامام الحسن المجتبى (ع) الصلح مع معاوية بينما رفض الامام الحسين (ع) حتى المراسلات مع يزيد؟ فالجواب لدينا واضح, اذ ان تقييم الامام علي بن ابي طالب لمعاوية انه مسلم ولكنه غير عادل بينما يزيد في نظر الامام الحسين قد خرج عن الاسلام والمعايير الاسلامية وان ابتعاد يزيد عن العدل كما كان عليه ابيه لا يشكل خرقا كبيرا في المثل الاسلامية العليا قياسا بقدر كفره وزندقته والاستهانة بكل المقدرات الاسلامية, فكان خطره على الاسلام اكثر واكبر مما كان عليه ابيه الذي خرج عن طاعة الخليفة بينما يزيد خرج عن طاعة الله ورسوله, وكذلك خرج عن طاعة الخليفة الشرعي وهو الامام الحسين حسب صلح معاوية بتسليم الخلافة له بعد معاوية والحسن لا الى يزيد. وبهذه النقاط التي جعلت يزيد خارجا عن الدين الاسلامي ومهددا لبقائه وكيانه ثار الامام الحسين ليضحي بدمه ودم ابناء عائلته ومواليه من الذين نذروا دمائهم في سبيل الله ونبيه وال بيته, وكان الامام الحسين يعرف جيدا عواقب هذه الثورة والانتفاضة التي سوف تصحح بل تنقذ الاسلام والمسلمين مما افسده ويفسده يزيد وبطانته, ولذلك قرر الامام الحسين اختيار الفداء والتضحية بقولته المشهورة: "اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا انما خرجت في سبيل الاصلاح في دين جدي...".
وهنا لابد من القول بان الزمن والحيثيات التي فرضت على نبي الاسلام وال بيته من أئمتنا الاطهار تختلف من حيث الزمان والمكان لكل واحد منهم, فمنهم من مات مغدورا ومنهم من مات قتيلا ومنهم من مات مسموما ومنهم من مات سجينا ومنهم من مات صابرا محتسبا, فكل له ظروفه التي تملي عليه الموقف الشرعي لحماية الاسلام والمسلمين ومواجهة الاخطار التي تهدد دين محمد وال بيته. ومن الجدير هنا ان نذكر مواقف مراجعنا العظام وهم بقية الله من بعد الأئمة المعصومين لهم نرجع في العبادات والمعاملات وكل الاشكالات حتى السياسية منها كما كان النبي وال بيته في مجتمعاتهم, هذه هي مهمة المرجعية التي يرجع اليها الموالون لال بيت النبوة, وان ما عشناه معها خلال هذا العمر القصير من حياتنا لم نجدها الا صمام امان للدين ومذهب ال بيت النبي محمد (ص), وكان آخر حلقات هذه السلسلة الطاهرة المستمرة هو زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد علي السيستاني وبقية مراجع الحوزة العلمية المتكافلة معه في تسير امور الامة حفظهم الله ورعاهم. لقد افاض الله من بركاته على الامام السيستاني تقوى وعلما وورعا وحلما وصبرا على ما تحمله في فترة تصديه لتحمل مسئولية المرجعية اثناء حكم الطاغوت صدام, وكذلك ما واجه من مسئولية شرعية ووطنية في مواجهة الاحتلال وانقاذ ابناء الشعب العراق من المصادمات بين قوات المحتل وخاصة ما حدث في مدينة النجف الاشرف, وكذلك صبره على اصحاب الفتن وموقدي نار الفتنة الطائفية, هذه الفتن التي ادت الى الغزو الوهابي للعراق تحت اسم الداعشية مما جعل المرجعية تحس بهذا الخطر المداهم لتشويه الدين الاسلامي وسفك دماء ابناء الشعب العراقي, فكانت فتوى المرجعية التي كانت القارعة وما ادراك ما القارعة لحرق الوهابية وصعق مصادرها حيث اصابهم واسيادهم الذعر والهول عند مباركتها من الشعب العراقي. لقد صدرت فتوى مقاومة الارهاب بالتضامن مع المراجع العظام في الحوزة العلمية الذين يعملون كفريق واحد بتوزيع المسئوليات والادوار الشرعية للوقوف بوجه الغزو الوهابي والمنظمات التكفيرية المدعومة من ال سعود وحكام قطر واردوكان عميل الصهاينة ومنفذ مشاريعها في المنطقة, فكانت فتوى المرجع الاعلى السيد السيستاني حفظه الله التي كانت استجابة لتعاليم الله سبحانه ورسوله وال بيته (ص) في محاربة الشرك والظلم, وكذلك ادى واجبه الشرعي والانساني في ايقاف غزو ابناء العراق في عقر دارهم.
ولابد الى الاشارة هنا الى لقاء مطول لكاتب المقال مع السيد الامام السيستاني حفظه الله ورعاه بعد الانتخابات البرلمانية في سنة 2010 مباشرة حيث تحدثت معه وكنت خائفا على مستقبل العراق نتيجة لنتائج هذه الانتخابات المزيفة التي صرفت عليها الوهابية السعودية ملايين الدولارات, لتأتي بنواب عملاء لتفتيت وحدة العراق وطمس وتدمير معالمه الدينية من قبل الوهابية التي لها تأريخ اسود مع ال بيت النبي (ص), وخاصة في تدمير الاضرحة الشريفة في النجف وكربلاء سنة 1801م وكذلك ما فعلوه في البقيع وما يريدون ان يفعلونه في العراق مرة اخرى, الا ان السيد الامام حفظه الله قال لي ولأول مرة اقولها في الاعلام وذلك بسبب الفتوى التي استنهضت ابناء العراق من غفلتهم لما يهدد دينهم وبلدهم: "يا دكتور حين نرى ان هنالك تهديد للدين والمذهب سوف نقول قولتنا". وودعته وكان جالسا على الارض فلم يدعني اغادر الا ان يقف مودعا. بهذه البساطة والروح الابوية والعطف الرباني علينا يودع الامام زائريه ويدفع بهم الهمة ويزيدهم ثقة بأنفسهم فيشعرون بان ورائهم احفاد صاحب باب مدينة العلم وسيف ذي الفقار الذي قطع رؤوس المشركين والكفار, وان فتواه اليوم سترد التكفيريين والوهابيين على اعقابهم ان لم تقضي عليهم دون رجعة الى حيث كانوا وان غدا لناظره قريب.
والخلاصة لابد من القول ان الامام الحسن المجتبى (ع) الذي اتصف بعمق التفكير وصوابه قد حرص على وحدة المسلمين, وخاصة حين وضع موازين القوى الشريرة والخيرة بين يديه وكشف جلابيب الكثير ممن لا يوثق بقربهم منه, وقام بحسابات عن مدى ثبات الصحابة والانصار الذين يحيطون به وقدرتهم على مقاومة ال ابي سفيان الذين اتعبوا والده الخليفة الامام, وخاصة ان اموال بني امية افسدت الكثير من عناصر الجيش, فآثر السلام على الحرب لانه عرف النتائج التي تؤثر على الكيان الاسلامي الوليد ومستقبله من اناس ضمروا الحقد والكراهية لنبي الاسلام جده محمد (ص) منذ بزوغه. لهذه الاسباب, فلم يكن الامام الحسن المجتبى بالبادئ والرائد الاول لمثل هذه المصالحة او المعاهدة ولا بخاتمها وانما حدث مثل هذا الصلح في زمن جده رسول الله ثم التحكيم بزمن والده وبزمنه, وحدث في العصر الحاضر في زمن الامام الخميني طاب ثراه مع صدام المجرم, وسيحدث ويتكرر في المستقبل مثل هذا الصلح ما دامت هنالك قوى خير تحارب الشر وتخمد اوار الفتن التي يشعلها اعداء الاسلام وعملاؤهم في الداخل. وكما كان عليه ابو سفيان وشجرته اللعينة التي اضرمت نار الحقد والعداء لرسالة الاسلام ونور نبيها وال بيته الذين جاهدوا بأنفسهم من اجل عزة ورفع راية الاسلام فاننا اليوم نرى خلف ابي سفيان متمثلا بالعائلة السعودية الوهابية يشعلون الامة الاسلامية نارا ويغرقون شوارعها دماء. لقد كان (الخليفة الامام) علي بن ابي طالب اول ضحايا هذا التآمر الاموي ثم اعقب ذلك شهادة الامامين سبطي النبي الحسن والحسين صلوات الله عليهم جميعا, ولكل شهادة طريقها الذي خطه الله سبحانه لها في ظروف زمانية ومكانية اختارها الله لها من اجل حفظ الدين الاسلامي وعزته واذا كان الموت مصير كل انسان, واذا كان الموت الطبيعي هو السائد بين ابناء البشرية فان امام المتقين وولديه وذريتهم اختار الله سبحانه لهم طريق الشهادة فكان ظلم وغدر بني امية السبب الحتمي لاستشهاد ابناء بيت النبي واولياء الله على ارضه من بعدهم لتستمر رسالة الاسلام بين شعوب العالم, ولتبقى هذه الارواح الطاهرة هدى ومنارة ورحمة للعالمين كما ارادها الله سبحانه. "وسيعلم الذين ظلموا أيَ منقَلَبٍ ينقلبون".
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا