وقفة بين يدي صلح الحسن عليه السلام...
الكاتب: أبو فاطمة العذاري
علينا ان نعرف صلح الحسن (ع) الصلح العظيم ونتائجه الكبيرة التي تحققت للإسلام والمسلمين وجذوره ومعطياته وما قدمه من مقدمة مهمة لانجاز الثورة الحسينية.
تسلّم الإمام الحسن(ع) الخلافة حيث كانت البلاد التي تعج بالفوضى والاضطرابات، لا سيما من معاوية بن أبي سفيان، الذي استأثر ببلاد الشام فجمع الثروة والقوة وجهّز الجيوش لمقارعة الإمام الحسن(ع).
أدرك الإمام الحسن(ع) منذ الأيام الأولى لخلافته أن معاوية يحاول الإيقاع به وكتب إلى معاوية "أما بعد، فإنك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال، وأرصدت العيون كأنك تحب اللقاء، وما أوشك ذلك، فتوقعه إن شاء الله وبلغني أنك شمت بما لا يشمت به ذو الحجى".
لعب المنافقون في الكوفة الدور الكبير في إصدار إشاعات تطيح العقيدة المرتبطة بعلي وأولاده (ع) وخيانة بعض زعماء العشائر للإمام الحسن (ع) مما دعا لنشوء عشرات الإشاعات التي صدرت ضد الحسن (ع).
كان الحسن قد عزم على محاربة معاوية فجهز جيشه من ناحية العدد والعدة ولكن هل سيبقى الجيش على ما هو عليه؟ وهل سيمتد معاوية في داخل الكوفة ويسمم عقول بعض اهلها؟
قام الحسن(ع) بحملة واسعة من فارس وخراسان واليمن والحجاز والكوفة والعراق، فبعث بعدد من رسله إلى حكام هذه المناطق يطلب منهم الاستعداد للقتال، وأرسل إلى معاوية كتاباً آخر ينصحه فيه ويبصره عواقب الأمور، ويدعوه فيه إلى الابتعاد عن الحرب والقتال لحفظ الأمة وصيانتها وقد جاء في كتابه:
"من الحسن بن علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإن الله جلّ جلاله بعث محمداً رحمة للعالمين ومنّة للمؤمنين..
ثم قال: فاليوم فليتعجب المتعجب من توبتك – توثبك - يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول الله(ص) ولكتابه...
ثم كان قوله(ع): "فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين".
ثم قال: "وإن أبيت إلا التمادي في غيّك، سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين".
استنفر الإمام الحسن(ع) الناس للقتال، وأعلن الجهاد حيث قال: "أما بعد، فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً"، ثم قال لهم: "اصبروا، إن الله مع الصابرين. إنه بلغني أن معاوية بلغه أنّا كنا أزمعنا المسير إليه فتحرك، لذلك اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في النخيلة حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون".
كان معاوية قد قام بالدس إلى القادة والأمراء في جيش الحسن(ع)، يمنّيهم بالأموال والعطايا والجاه والمناصب إذا ما ابتعدوا عنه فقبل هذا العرض كثيرون والتحقوا بمعسكر معاوية.
يؤكد التاريخ أن جماعة من رؤساء القبائل كتبوا إلى معاوية بالسمع والطاعة له في السر، واستحثوه على المسير نحوهم، ووعدوا بتسليم الحسن(ع) إليه عند دنوهم من عسكره.
بدأ الحسن(ع) يجمع جيشه في الوقت الذي كان فيه معظم ذلك الجيش ينطوي على اناس ركيكي العقيدة وركيكي الايمان وقد شهد انسحابات كثيرة وانقلابات عديدة.
فمثلا انسحب عبيد الله عباس لمعاوية ومعه عدد كبير من داخل جيش الامام الحسن (ع) وكان قد بعثه الحسن(ع) على قيادة جيش من اثني عشر ألفاً نحو معاوية، بينما توجه هو بجيش إلى المدائن وأقام معسكره هناك، فأرسل معاوية موفداً إلى عبيد الله خفية يعرض عليه ألف ألف درهم (مليون درهم) إن قبل أن ينفض يديه من هذه الحرب، على أن يدفع له نصف المبلغ في معسكره، إذا أتى إليه، والنصف الآخر في الكوفة، فالتحق بمعسكر معاوية كما يذكر التاريخ.
تسمم فكر الجيش (الحسني) مما جعله يتناثر تناثرا لا حدود له اذ لم يبق للحسن سوى اعداد ليست كافيه ابدا لأن يحارب بهم الامام الحسن.
اذن ماذا كان المفروض ان يصنع الحسن (ع) هل يبيد جيشه (المقصود بجيشه فقط المخلصين وهم اللبنة الاولى للتشيع) بحرب محسومة من اول وهلة وينتهي وجود الشيعة في ذلك؟
من هنا نعلم انه قد دفع الحسن الى الصلح اندفاعا وكان قراره صائبا جدا.
صلح الحسن كان القرار الوحيد امام الامام الحسن (ع) فلا بد له من اتخاذه للتحقيق المصلحة الالهية ورعاية المصلحة العامة وكان الصلح وثيقه عقد بينهما على شروط قيد بها الحسن معاوية تقيدا فعليا.
اهم الشروط كما ينقل التاريخ هي:
وكان من بنوده:
ـ تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وبسنة نبيه (ص) وبسيرة الخلفاء الصالحين.
ـ أن يكون الأمر من بعده للإمام الحسن(ع) فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين(ع)، وليس لمعاوية أن يعهد بعده لأحد.
ـ أن يترك سب أمير المؤمنين(ع) والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكره إلاّ بخير.
ـ أن يكون الناس آمنين حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وشيعته آمنين على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه.
ـ أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من بيت رسول الله(ص) غائلة سواء سراً وجهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.
وما إلى ذلك من أمور وردت في مصادر أخرى كالاتي:
جرى الصلح في (مسكن) 26 ربيع الثاني 41 هجرية وجاء في بنوده من كتب التاريخ:
1- تسليم الامر الى معاوية على ان يعمل بكتاب الله وسنة نبيه ص وسيرة الخلفاء الصالحين (بحار الانوار)
2- ليس لمعاوية ان يعهد بالامر الى احد من بعده والامر بعده للحسن (الاصابة – تهذيب التهذيب)، فان حدث به حدث فالأمر للحسين. وقد انفرد جمال الحسيني في عمدة الطالب بهذا الراي.
3- الامن العام لعموم الناس الاسود والاحمر منهم على السواء فيه، وان يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وان لا يتبع احدا بما مضى، وان لا ياخذ اهل العراق بأحنة (مقاتل الطالبيين – الاخبار الطوال للدينوري)
4- ان لا يسميه امير المؤمنين (ابن الجوزي في تذكرة الخواص)
5- ان لا يقيم عنده للشهادة (اعيان الشيعة للأمين)
6- ان يترك سب امير المؤمنين (اعيان الشيعة للأمين) وان لا يذكره الا بخير (مقاتل الطالبيين)
7- ان يوصل الى كل ذي حق حقه (الفصول المهمة لابن الصباغ)
8- الامن لشيعة امير المؤمنين وعدم التعرض لهم بمكروه (تاريخ الطبري – اعيان الشيعة)
9- يفرق في اولاد من قتل مع ابيه في يوم الجمل وصفين الف الف درهم ويجعل ذلك من خراج دار ابجرد (تاريخ دول الاسلام - البحار)
10- ان يعطيه ما في بيت مال الكوفة (تاريخ دول الاسلام) ويقضي عنه ديونه ويدفع اليه في كل عام مائة الف (جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام)
11- ان لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لاهل بيت رسول الله ص غائلة سرا ولا جهرا ولا يخيف احد منهم في افق من الافاق (النصائح الكافية– بحار الانوار)
ولننظر في مجمل الشروط لنرى:
1- ان لا يسب علي (ع) على المنابر:
شرط الامام الحسن (ع) على معاوية ان لا يشرع بسب الامام علي (ع) على المنبر ابدا وبذلك يبقى اسم علي (ع) في حفظ عن السباب وعلي طبعا يجسد الحق (علي مع الحق والحق مع علي).
2- ان لا يقتل أي رجل شيعي من شيعة أهل البيت في كل مكان وبهذا عمد الامام الحسن (ع) لحفظ شيعه علي(ع) الذين يعتبرون هم الكتلة الصالحة الداعية الى الصراط المستقيم وهو علي (ع)
لقد جسد الحسن في هذا الشرط موقف ثابت حيث علم ان معاوية سيوغل بدماء شيعه ابيه لكنه اراد ان يضع الرأي العام امام امرين مهمين هما:
(ا) - كون الخليفة الممثل للرسول رجل دموي كما سنرى
(ب) - كون الخليفة رجل لا يلتزم شرطا في حقن الدماء التي اعتبرها الحسن دماء حرام لانها دماء مسلمه زكيه وهذا ينقل العقل الجمعي فورا الى عظمه تلك الدماء.
اما باقي الشروط..
3-اذا مات معاوية تتحول الخلافة للامام الحسن(ع) او الحسين (ع) بعد الحسن وهذا يعني ان الحسن وضع معاوية في زاويه ضيقة جدا يعبر بها عن ضعف معاوية وشده حرصه على الجاه والشهرة حتى يعرف الرأي الحر ان ما يقصده معاوية فقط الحكم.
كذلك عبر الحسن على ان حاله الصلح حاله استثنائية مستقطعة اما بعد هلاك معاوية الطماع بالجاه والشهرة فأن الامور تعود لمجراها فخلافه محمد (ص) تعود لمجراها الطبيعي.
معاوية وعدم التزامه بالعهد والميثاق
معاوية إنسان لا يعرف الإسلام ولم يحمل أي شيء من أخلاق الإسلام حتى ذهب بعض المؤرخين الى انه ملحد على ما رواه المغيرة ابن شعبه (مفتيه الرخيص) من انه غضب لما سمع اسم محمد على الاذان لانه يبغض بقاء ذكر محمد(ص) في فم التأريخ لان محمد عدوه.
ارغمهم الامام الحسن (حسب الوضع) الى شروط رائعة في الصلح كان ينضر اليها (معاوية الدنيوي) انها صفقه رابحه يحصل بها على الكرسي او العرش ويحكم لكن ينضر (الحسن الاخروي) هي خطوة وقفزة بالامة نحو التطلع الى المواجهة الحرة الفكرية ضد الانحراف في الدين ومن هنا يعتبر الحسن (ع) قد مد يده للقناع للاوجه الاموية ليري الرأي العام لأمه النبي (ص) الحقيقة الصريحة لمعاوية واشباهه على مر العصور.
لم يلتزم معاوية بشروط الصلح حيث افصح قائلا في الكوفة وبمشهد من اهلها:
(يا أهل الكوفة، أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت انكم تصلون وتزكون وتحجون ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وألي رقابكم وقد اتاني الله ذلك وانتم كارهون..... الن قال:
وكل شرط شرطته فتحت قد متي هاتين).
وقد عبر عن نواياه حينما عقد الصلح فقال لما تم له الصلح (رضينا بها ملكا).
اعرب معاوية عما في داخله من بواعث نفسيه حيث انه لم يضع في خاطره انه يقاتل لصلاه او صوم او حج لانه لم يقس مقايسة في جنب الله بل كان همه هو الجلوس على كرسي الحكم والتحكم بالأمر والتسلط على رقاب المسلمين.
من جانب أخر فمعاوية اعلن انه لا يحترم عهد ولا يحترم شرط ابدأ لذلك اعلن معاوية ان كل شرط تحت قدميه ثم اردف ((رضينا بها ملكا)) نعم فياليها من صيغه وقحه معبره عن الصراحة الملعونة نعم معاوية يعلن انه ملك
لقد عرف الحسن ان معاوية رجل غادر لا يرعى لله حرمه فأعطاه ان يطلق لسانه بما ينم عما ينبع به ذاته فأدلى للرأي العام ان معاوية مجرد ملك وعلى لسان معاوية نفسه (والاعتراف سيد الأدلة).
لنرى ما فعل معاوية ازاء الشروط وكيف نقض كل شروط العهد (الصلح):
1- سب علي(ع):
اعلن معاوية سب علي (ع) على المنبر حتى احصي (70) الف منبر وعشره تسب الامام لكن شاء اصبع السماء ان يتدخل فيرفع علي (ع) كلما سبه ساب وكلما شتمه شاتم.
وابدع الامام الحسن بدوره في ان يضع هذا الشرط ليسحب الأنظار حول قضية هامة هي اسم علي وبذلك عرف الناس علي (ع) وبدأ الناس يتعرفون شيئاً فشيئاً على علي (ع) حتى بعد مرور الايام كان الناس يجلسون تحت منبر الساب وهم يعرفون انه كاذب وهو يعرف (الساب) انه يكذب وبذلك يكشف الحسن غطائين:
(ا) - غطاء بني اميه ويبين ان هؤلاء اناس مضلين للحقيقة غير صحيحي المبدأ محرفي الكلام
(ب)- الغطاء عن علي (ع) حيث ابرز اسمه وكان دور الأئمة (السجاد والصادق والباقر) كبيرا بمدارسهم في تبين ما هو علي وبتجسيد شخصيه علي (ع) حتى الى ان وصل الامر لينقلب الحال انقلابا جبارا فيقوم خليفة اموي بمنع سب علي (ع) من على المنبر الا وهو (عمر بن عبد العزيز).
2- قتل الشيعة:
شن معاوية حمله لا مثيل لها في التأريخ على شيعه علي ومعاوية رجل له دهاء حيث كان لا ينفذ العمليات بنفسه بل نفذها عماله في الامصار خاصة (زياد بن سميه) الذي ضرب ارقام قاسيه في التأريخ في قتل الشيعة المخلصين لعلي(ع) وكذلك سمره بن جندب في البصرة الذي قال كما نقله ابن الأثير في الكامل 1/165 (لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا).
ويصور لنا ذلك الوضع بأكمله الامام الباقر (ع) حيث قال (وقتلت شيعتنا في كل بلده وقطعت الايدي والارجل على الظنة وكل من يذكر بحبنا والانقطاع الينا سجن او نهب ماله او هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد الى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين(ع)).
أدى لتعريف الرأي العام شده الاستهتار الأموي في سفك الدماء البريئة وشده استهانة معاوية في سفك الدماء حيث استهدف معاوية العلماء البارزين الذين في قتلهم اجراما واضحا
هذه المجازر تعتبر ثورات متلاحقة لان معاوية لو لم يحس ان اولئك المقتولين لهم ثقل وتأثير في العامة.
الشرط الأخر...
3- اذا مات معاوية يعود الامر لمجراه للحسن والحسين:
وضع الإمام معاوية في زاوية محصورة من حيث يدري وما يدري حين اثبت ان حكم معاوية انما هو دنيوي وطارئ مما يجعل ألامه تنتظر موت معاوية بعد ان رأت ألامه ما رأت من معاوية جعلتها تحقد عليه.
معاوية لا يفي بشرط ابدا وعين ابنه يزيد خليفة
ومن يزيد؟
فاجر مجاهر للفسق شارب الخمور ومستهتر.
أراد الحسن ان يوصل ألامه ان معاوية يحكم على الكرسي ببطشه وظلمه اما الحسن فيحكم فكر الآمة وقلوب الناس والمجتمع الإسلامي.
كشف الحسن عن القناع الأموي وأعلن بشكل لا يحمل الشك ان معاوية حاكم جائر لا يعرف سوى كرسي الحكم في الشام هذا ساهم في تنميه الاتجاه ضد معاوية وانقلاب نحو اهل البيت (ع).
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا