أهل البيت عليهم السلام على لسان الحسن بن علي عليهما السلام (3)
الكاتب: ناصر الباقري
عن محمد بن علي الصدوق عن علي بن احمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بن اسحاق بن اسماعيل النيسابوري أن العالم كتب إليه يعني الحسن بن علي ـ عليه السلام ـ:
(إنّ الله تعالى بمنِّه ورحمته، لما فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمة منه إليكم، لا إله إلاّ هو، ليميز الخبيث من الطيِّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحِّص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته، ففرض عليكم الحجَّ والعمرة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصَّوم، والولاية، وجعل لكم باباً لتفتحوا به ابواب الفرائضِ، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم والاوصياء من ولده، كنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل تدخل قرية إلاّ من بابها؟ فلمّا منَّ الله عليكم بإقامة الاولياء بعد نبيكم صلّى الله عليه وآله وسلّم قال الله عزّ وجلّ: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممْت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً، فأمركم بأدائها إليهم، ليحلَّ لكم ما وراء ظهوركم، من أزواجكم وأموالكم، ومأكلكم ومشربكم، ويعرفَّكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، وقال الله تبارك وتعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى) فاعلموا أنَّ من يبخل، فإنما يبخل على نفسه، إنّ الله هو الغنيّ وانتمُ الفقراء إليه، لا إله إلاّ هو، فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردُّونَ إلى عالمِ الغيبِ والشهادةِ فينبِّئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتقين، والحمد لله ربِّ العالمين)(1).
مرض الامام علي يوماً فأمر الحسن أن يصلي بالناس صلاة الجمعة، فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: (إنّ الله اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه، وانزل علينا وحيه، وإنّ الله لم يبعث نبيّاً، إلاّ اختار له نفساً ورهطاً وبيتاً [ونحن نفس محمد ورهطه واهل بيته]، فو الذي بعث محمّداً بالحقِّ، لا ينتقص من حقِّنا اهل البيت احد، إلاّ نقصه الله من حقِّه مثله من عاجل دنياه وآخرته، ولا يكون علينا دولة، إلاّ وتكون لنا العاقبة (ولتعلمنّ نبأه بعد حين)(2).
قال ـ عليه السلام ـ: (والله لا يحبّنا عبد أبداً، ولو كان أسيراً في الديلم، إلاّ نفعه حبّنا، وإنّ حبّنا ليساقط الذنوب من بني آدم، كما يساقط الريح الورق من الشجر)(3).
قال ـ عليه السلام ـ: (كلُّ ما في كتاب الله عزّ وجلّ: (إن الابرار) فو الله ما ارادَ به إلاّ علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ وفاطمة وأنا والحسين، لأنّا نحن ابرارٌ بآبائنا وامهاتنا، وقلوبُنا علتْ بالطاعات والبِر، وتبرّأتْ من الدنيا وحبِّها، واطعنا الله في جميع فرائضه، وآمنّا بوحدانيته، وصدّقنا برسوله)(4).
روي أن الحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ، وابن عباس وعبد الله بن جعفر حضروا مجلس معاوية، فحدثت بينهم وبينه مشادة حول الائمة بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، فتكلم كل من عبد الله بن جعفر وابن عباس، ثم قال معاوية: ما تقول يا حسن؟، فقال ـ عليه السلام ـ من جملة كلامه: (نحن نقول اهل البيت، إن الائمة منّا، وإن الخلافة لا تصلح إلاّ فينا، وإن الله جعلنا اهلها في كتابه وسنة نبيّه صلى الله عليه وآله، وإنّ العلم فينا ونحن اهله، وهو عندنا مجموع كلّه بحذافيره، وإنه لا يحدث شيء إلى يوم القيامة حتى ارش الخدش إلاّ وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وخط علي عليه السلام بيده)(5).
لما توفي امير المؤمنين وقتل ابن ملجم، خرج ابن عباس إلى الناس فقال: ان امير المؤمنين توفي، وقد ترك فيكم خلفاً، فان احببتم خرج إليكم، وإن كرهتم فلا احد على احد، فبكى الناس وقالوا: بل يخرج إلينا، فخرج الامام الحسن ـ عليه السلام ـ واعتلى المنبر فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: (لقد قُبضَ في هذه الليلةِ رجلٌ لم يسبقهُ الأولون بعمل، ولم يدركه الآخرون بعمل. لقد كان يجاهدُ مع رسول الله فيقيهِ بنفسهِ، وكان رسول الله يوجِّهُهُ برايته، فيكفيه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، ولا يرجعُ حتى يفتح الله على يديه، ولقد توفي في الليلةِ التي نزل فيها القرآن، وعُرجَ فيها بعيسى بن مريم، والتي قبض فيها يوشع بن نون وصيُّ موسى، وما خلَّفَ صفراءَ ولا بيضاءَ إلاّ سبعمئة درهم فضلَتْ في عطيَّتِهِ اراد أن يبتاعَ بها خادماً لأهلهِ).
ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس، فلما هدأوا استطرد قائلاً: (أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصيّ، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير... وأنا من اهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من اهل البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من اهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيِّه: (قل لا اسألكم عليه اجراً إلاّ المودة في القربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها)، فاقتراف الحسنة مودتنا اهل البيت)(6).
لما تمت له ـ عليه السلام ـ البيعة، صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: (نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاقربون، واهل بيته الطيبون، واحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في امّته، والتالي كتاب الله فيه تفصيل كل شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعوّل علينا في تفسيره، لا نتظنّى تأويله، بل نتيقّن حقائقه، فأطيعونا فإطاعتنا مفروضة؛ إذ كانت بطاعة الله والرسول واولي الأمر مقرونة: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله)، (ولو ردّوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، واحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان، إنه لكم عدوٌ مبين، فتكونون كأوليائه الذين قال لهم: (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون)، فتلقون إلى الرماح أزراً، وللسيوف جزراً، وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً، ثم لا ينفعُ نفساً ايمانها ما لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيراً)(7).
خطب ـ عليه السلام ـ خطبةً قال فيها: (ايّها الناس، اعقلوا عن ربّكم. إن الله عزّ وجلّ اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم، فنحن الذرية من آدم، والأسرة من نوح، والصفوة من ابراهيم، والسلالة من اسماعيل، وآل محمد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. نحن فيكم كالسماء المرفوعة، والأرض المدحوَّة، والشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة، لا شرقية ولا غربية، التي بورك زيتها. النبيّ أصلها، وعليّ فرعها، ونحن والله ثمرة تلك الشجرة، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن تخلّف عنها فإلى النار هوى)(8).
عن الحسن ـ عليه السلام ـ قال: (خطب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوماً فقال بعدما حمد الله وأثنى عليه: معاشر الناس، كأني ادعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا، فتعلّموا منهم ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم، لا تخلو الارض منهم، ولو خلت لساخت بأهلها).
ثم قال ـ عليه السلام ـ: (اللهم إنّي أعلم أنّ العلم لا يبيد ولا ينقطع، وأنك لا تخلي ارضك من حجة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور؛ لكيلا تبطل حجتك، ولا تضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلّون عدداً الأعظمون قدراً عند الله.
فلمّا نزل عن منبره قلت: يا رسول الله، أما أنت الحجة على الخلق كلّهم؟ قال: يا حسن، إن الله يقول (إنّما أنت منذر ولكل قوم هاد)(9)، فأنا المنذر وعليّ الهادي. قلت: يا رسول الله، فقولك إنّ الارض لا تخلو من حجة؟ قال: نعم، عليّ هو الامام والحجة بعدي، وأنت الحجة والامام بعده، والحسين الامام والحجة من بعدك، ولقد نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين غلام يقال له عليّ سمىّ جده عليّ، فإذا مضى الحسين أقام بالأمر بعده علي ابنه وهو الحجة والامام، ويخرج الله من صلبه ولداً سميّي وأشبه الناس بي، علمه علمي وحكمه حكمي، هو الامام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلبه مولوداً يقال له جعفر، أصدق الناس قولاً وعملاً وهو الامام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب جعفر مولوداً [يقال له موسى]، سمي موسى بن عمران ـ عليه السلام ـ، اشد الناس تعبداً فهو الامام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب موسى ولداً يقال له علي، معدن علم الله وموضع حكمه، فهو الامام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله من صلب علي مولوداً يقال له محمد، فهو الامام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب محمد مولوداً يقال له علي، فهو الامام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب علي مولوداً يقال له الحسن، فهو الامام والحجة بعد أبيه، ويخرج الله تعالى من صلب الحسن الحجة القائم امام شيعته ومنقذ أوليائه، يغيب حتى لا يرى فيرجع عن أمره ويثبت عليه آخرون (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين)(10)، ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك حتى يخرج قائمنا، فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا تخلو الارض، أعطاكم الله علمي وفهمي، ولقد دعوت الله تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي...)(11).
عن الاصبغ بن نباتة قال: (سمعت الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ يقول: الأئمة بعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ اثنا عشر، تسعة من ولد أخي الحسين، ومنهم مهدي هذه الأمة)(12).
عن الحسين عن أخيه الحسن ـ عليهما السلام ـ، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الأئمة بعدي عدد نقباء بني اسرائيل وحواري عيسى، من أحبّهم فهو مؤمن، ومن ابغضهم فهو منافق. هم حجج الله على خلقه واعلامه في بريّته)(13).
عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: (فينا ـ والله ـ نزلت قوله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحقّ ونودوا أن تلكم الجنّة أُورثتموها بما كنتم تعملون)(14).
عن الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ أنه قال: (لو قام المهدي ـ عليه السلام ـ لأنكره الناس لأنه يرجع إليهم شابّاً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً)(15).
عن الحسين عن أخيه الحسن ـ عليهما السلام ـ قال: (حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله: لا تقوم الساعة حتى يقوم القائم بالحق منّا، وذلك حين يأذن الله عزّ وجلّ له، ومن تبعه نجا ومن تخلّف عنه هلك. الله الله عباد الله فأتوه ولو على الثلج، فإنه خليفة الله عزّ وجلّ وخليفتي)(16).
عن الحسين عن أخيه الحسن ـ عليهما السلام ـ: قال (حدّثني أبي علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله: لا تذهب الدّنيا حتّى يقوم بأمر امّتي رجل من ولد الحسين يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(17).
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البحار ٥:٣١٥. علل الشرائع: ٢٤٩. ينابيع المودة ٣:١٥١، مع اختلاف يسير.
(2) مروج الذهب ٢:٣٠٦.
(3) البحار ٤٤:٢٤.
(4) المناقب لابن شهرآشوب ٤: ٢.
(5) البحار ٤٤: ١٠٠.
(6) مستدرك الصحيحين٣: ١٧٢. تاريخ اليعقوبي٢: ١٩٠. ذخائر العقبى: ١٣٨. صواعق ابن حجر: ١٣٦.
(7) البحار ٤٤:٣٥٩، ح٢.
(8) جلاء العيون ١:٣٢٨.
(9) الرعد: ٧.
(10) يونس: ٤٨.
(11) كفاية الأثر: ١٦٢، ورواه في غاية المرام مع اختلاف يسير في العبارة.
(12) منتخب الاثر: ٧٦، اثباة الهداة ١:٥٩٩.
(13) كفاية الأثر: ١٦٦.
(14) شواهد التنزيل للحسكاني ١:٢٠٠ ـ ٢٠١. والآية ٤٣ من سورة الاعراف.
(15) منتخب الأثر: ٢٨٥.
(16) البحار ٥٢:٦٥، ح٢.
(17) البحار ٥١:٦٦، ح ٥.
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا