قال الصادق (ع) أن الحسن بن على حج خمسة وعشرين مرّة ماشياً وقال: أنى لاستحى من ربى أن ألقاه ولم أمش إلى بيته «1».
ودخل الإمام الباقر على والده السجاد (عليهما السلام) فإذا هو قد
بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد فرآه وقد أصفر لونه من السهر ورمضت
عيناه (احترقتا واحمرتا) من البكاء ووبرت جبهته وانخرم أنفه من
السجود وقد ورمت ساقاه وقدماه من القيام فى الصلاة يقول: الإمام
الباقر (ع) فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة له،
فإذا هو يفكر فالتفت إلىّ بعد هنيئة من دخولى فقال: يا بنى أعطنى
بعض تلك الصحف التى فيها عبادة على بن أبى طالب فا عطيته فقرأ فيها
شيئاً يسيراً ثم تركها من يد تضجراً وقال: من يقوى على عبادة على بن
أبى طالب؟! «2».
وكان أبو الحسن موسى بن جعفر (ع) أعبد أهل زمانه وأفقههم وأنماهم
كفاً وأكرمهم نفساً وروى أنه كان يصلّى نوافل الليل ويصلها بصلاة
الصبح، ثم يعقب حتى تطلع الشمس، ويخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من
السجود والتحميد حتى يقرب زوال الشمس، وكان يدعو كثيراً فيقول:
اللهم أنى أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب ويكرر ذلك،
وكان من دعائه (ع): عظم الذنب من عبدك
__________________________________________________
(1) المناقب: 4/ 14، بحار الأنوار: 43/ 339، باب 16، حديث
13.
(2) المناقب: 4/ 149، كشف الغمة: 2/ 85، وسائل الشيعة: 1/ 91،
باب 20، حديث 215، بحار الأنوار: 46/ 74 باب 5 حديث 65.
فليحسن العفو من عندك، وكان يبكى من خشية الله حتى تخضّل لحيته
بالدموع، وكان أوصل الناس لأهله ورحمه، وكان يفتقد فقراء المدينة فى
الليل فيحمل إليهم الزبيل فيه العين والورق (مساعدات عينية ونقدية)
والأدقة (الدقيق) والتمور فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أى جهة هو
«1».
وقد أمضى (ع) سنوات طويلة فى السجون العباسيين ينقلونه من سجن إلى
أن اغتالوه فى سجن ألسندى بن شاهك ببغداد وستشهد أثر ذلك.
وكان عليه الصلاة والسلام يكثر من السجود فى صلاته أثناء سجنه، فكان
له كل يوم سجدة بعد أبيضاض الشمس إلى وقت الزوال قال الراوى: فكان
هارون (الرشيد) ربما صعد يشرف منه على الحبس الذى حبس فيه أبا الحسن
(ع) فكان يرى أبا الحسن ساجداً، فقال للربيع (وزيره) ما ذاك الثوب
الذى أراه كل يوم فى ذلك الموضع؟! قال: يا أمير المؤمنين ما ذاك
بثوب، وإنما هو موسى بن جعفر، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى
وقت الزوال، قال الربيع: فقال لى هارون: أما أن هذا من رهبان بنى
هاشم، فقلت: فمالك قد ضيقت عليه فى الحبس؟! قال (هارون): هيهات لابد
من ذلك «2».
وقد زجّ العباسيون فى سامراء الإمام الحسن العسكرى فى السجن وأوصوا
صالح بن وصيف (ضابط تركى مسؤول فى السجن) أن يضيق عليه فى السجن
فوكل به رجلين من أشرّ الناس فوصلت تقاير إلى العباسيين بأن الأمام
يعامل معاملة حسنة فأرسلوا وراءه واستجوبوه عن ذلك فقال: ما أصنع
به؟ وقد وكلت به رجلين شرّ من
__________________________________________________
(1) الإرشاد للمفيد: 2/ 231، كشف الغمة: 2/ 228، بحار
الأنوار: 48/ 101 باب 5 حديث 5.
(2) عيون أخبار الرضا: 1/ 95، باب 7، حديث 14، بحار الأنوار:
48/ 220، باب 9، حديث 24.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض، ص: 85
قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم.
ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما فى أمر هذا
الرجل، فقالا له: ما نقول فى رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كلّه، لا
يتكلم ولا ينشغل بغير العبادة، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا
خاسئين «1».
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا