عبد اللّه بن هاشم المرقال :
( كان كبير قريش في البصرة، ورأس الشيعة فيها.وكان أبوه هاشم -
المرقال - بن عتبة بن أبي وقاص، القائد الجريء المقدام الذي لقي منه
معاوية في صفين الرعب المميت، وهو يومئذ على ميسرة علي عليه
السلام.)
كتب معاوية الى عامله زياد: «اما بعد، فانظر عبد اللّه بن هاشم بن
عتبة، فشدَّ يده على عنقه، ثم ابعث به اليّ».فطرقه زياد في منزله
ليلاً، وحمله مقيداً مغلولاً الى دمشق. فأدخل على معاوية، وعنده
عمرو بن العاص، فقال معاوية لعمرو: «هل تعرف هذا ؟» قال: «هذا الذي
يقول أبوه يوم صفين...» وقرأ رجزه وكان يحفظه ثم قال متمثلاً:
«وقد ينبت المرعى على دمن الثرى***وتبقى حزازات النفوس كما هيا»
واستمر قائلاً: «دونك يا أمير المؤمنين الضب المضب، فاشخب أوداجه
على أثباجه، ولا ترده الى العراق، فانه لا يصبر على النفاق، وهم أهل
غدر وشقاق وحزب ابليس ليوم هيجانه، وانه له هوى سيوديه، ورأياً
سيطغيه، وبطانة ستقويه، وجزاء سيئة مثلها».
وكان مثل هذا المحضر ومثل هذا التحامل على العراق وأهله هو شنشنة
عمرو بن العاص المعروفة عنه، ولا نعرف أحداً وصف أهل العراق هذا
الوصف العدو قبله.
أمّا ابن المرقال فلم يكن الرعديد الذي يغلق التهويل عليه قريحته،
وهو الشبل الذي تنميه الاسود الضراغم - فقال، وتوجه بكلامه الى ابن
العاص: «يا عمرو ! ان اقتل، فرجل أسلمه قومه، وادركه يومه. أفلا كان
هذا منك اذ تحيد عن القتال، ونحن ندعوك الى النزال، وانت تلوذ بشمال
النطاف(أي بأشام الجانبين من الماء القليل.)، وعقائق الرصاف)
العقائق: سهام الاعتذار. كانوا يرمون بها نحو السماء - والرصاف:
الحجارة المرصوف بعضها على بعض في مسيل الماء، فكأنه يقول له: انك
تلوذ في أرض صلبة عند ماء قليل ترمي بسهام الاعتذار(. كالأمة
السوداء، والنعجة القوداء، لا تدفع يد لامس ؟».
فقال عمرو: «أما واللّه لقد وقعت في لهاذم شدقم(أي واسع الشدقين.)
للأقران ذي لبد، ولا أحسبك منفلتاً من مخالب أمير المؤمنين».
فقال عبد اللّه: «أما واللّه يا ابن العاص انك لبطر في الرخاء، جبان
عند اللقاء، غشوم اذا وليت، هياب اذا لقيت، تهدر كما يهدر العود
المنكوس المقيد بين مجرى الشوك، لا يستعجل في المدة، ولا يرتجى في
الشدة. أفلا كان هذا منك، اذ غمرك أقوام لم يعنفوا صغاراً، ولم
يمرقوا كباراً، لهم أيد شداد، والسنة حداد، يدعمون العوج، ويذهبون
الحرج، يكثرون القليل، ويشفون الغليل، ويعزون الذليل» ؟.
فقال عمرو: «أما واللّه لقد رأيت أباك يومئذ تخقق(تشقق) أحشاؤه،
وتبق أمعاؤه، وتضطرب اصلاؤه(اوساط الظهر) كما انطبق عليه ضمد».
فقال عبد اللّه: «يا عمرو ! انا قد بلوناك ومقالتك فوجدنا لسانك
كذوباً غادراً، خلوت بأقوام لا يعرفونك، وجند لا يساومونك، ولو رمت
المنطق في غير أهل الشام لجحظ (جحظ اليه عمله نظر في عمله فرأى سوى
ما صنع، وجحط اليه عقله أي نظر الى رأيه فرأى سوء ما ارتأى) عليك
عقلك، ولتلجلج لسانك، ولاضطرب فخذاك اضطراب القعود الذي اثقله
حمله».
فقال معاوية: «ايها عنكما». وأمر باطلاق عبد اللّه لنسيبه. فلم يزل
عمرو بن العاص يلومه على اطلاقه ويقول:
«أمرتك أمراً عازماً فعصيتني *** وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
أليس أبوه يا معاوية الذي *** أعان علياً يوم حز الغلاصم ؟
فلم ينثن حتى جرت من دمائنا *** بصفين أمثال البحور الخضارم
وهذا ابنه والمرء يشبه شيخه *** ويوشك ان تقرع به سن نادم»
عدي بن حاتم الطائي
صحابي كريم، كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يكرمه اذا دخل
عليه، وزعيم عظيم، وخطيب مدره، وشجاع مرهوب. أسلم سنة تسع وحسن
اسلامه. قال: «فلما قدمت المدينة استشرفني الناس فقالوا: عدي بن
حاتم ! وقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: يا عدي أسلم تسلم،
قلت: ان لي ديناً، قال: أنا أعلم بدينك منك.. قد أظن أنه انما يمنعك
غضاضة تراها ممن حولي، وأنك ترى الناس علينا الباً واحداً. قال: هل
اتيت الحيرة ؟ قلت: لم آتها وقد علمت مكانها. قال: يوشك ان تخرج
الظعينة منها بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى
بن هرمز. فقلت: كسرى بن هرمز ؟ قال: نعم وليفيضن المال حتى يهم
الرجل من يقبل صدقته». قال عدي: «فرأيت اثنتين: الظعينة، وكنت في
أول خيل غارت على كنوز كسرى، وأحلف باللّه لتجيئن الثالثة». وقال:
«أتيت عمر في أناس من قومي فجعل يفرض للرجل ويعرض عني، فاستقبلته
فقلت: أتعرفني ؟. قال: نعم آمنت اذ كفروا، وعرفت اذ نكروا، ووفيت اذ
غدروا، وأقبلت اذ أدبروا. ان أول صدقة بيضت وجوه أصحاب رسول اللّه
صلى اللّه عليه وآله وسلم صدقة طيئ». وقال: «ما اقيمت الصلاة منذ
أسلمت الا وأنا على وضوء»(1)
ونازعه الراية يوم صفين عائذ بن قيس الحزمري الطائي، وكانت بنو حزمر
أكثر من «عدي»( هو الاب الخامس لعدي. فعدي الصحابي هو ابن حاتم بن
عبد اللّه بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي) رهط حاتم، فوثب
عليهم «عبد اللّه بن خليفة الطائي» البولاني عند علي عليه السلام
فقال: «يا بني حزمر أعلى عدي تتوثبون ؟ وهل فيكم مثل عدي ؟. أو في
آبائكم مثل أبي عدي ؟ أليس بحامي القربة ؟. ومانع الماء يوم (رويّة)
؟ أليس بابن ذي المرباع وابن جواد العرب ؟. أليس بابن المنهب ماله
ومانع جاره ؟ أليس من لم يغدر، ولم يفجر، ولم يجهل، ولم يبخل، ولم
يمنن ولم يجبن ؟. هاتوا في آبائكم مثل أبيه !، أو هاتوا فيكم مثله
!. أَوَليس أفضلكم في الاسلام ؟. أَوَليس وافدكم الى رسول اللّه صلى
اللّه عليه وآله وسلم ؟. أليس برأسكم - يوم النخيلة - ويوم القادسية
- ويوم المدائن - ويوم جلولاء الوقيعة - ويوم نهاوند - ويوم تستر ؟.
فما لكم وله !. واللّه ما من قومكم أحد يطلب مثل الذي تطلبون».
فقال له علي عليه السلام: «حسبك يا ابن خليفة. هلم أيها القوم اليّ،
وعلي بجماعة طي». فأتوه جميعاً. فقال علي عليه السلام: «من كان
رأسكم في هذه المواطن ؟»، قالت له طيئ: «عدي». فقال له ابن خليفة:
«فسلهم يا أمير المؤمنين: أليسوا راضين مسلمين لعدي الرياسة»، ففعل.
فقالوا: «نعم». فقال لهم: «عديّ أحقكم بالراية. فسلموها له»(2)
وبعث اليه زياد سنة احدی وخمسون وكان في مسجده الذي يعرف (بمسجد
عدي) في الكوفة فأخرجه منه، وحبسه. فلم يبق رجل من أهل المصر من
اليمن وربيعة ومضر الا فزع لعدي بن حاتم. فأتوا زياداً وكلموه فيه،
وقالوا: «تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه
وآله وسلم ؟».
وطلب زياد من عدي أن يجيئه بعبد اللّه بن خليفة الطائي، وكان من
أصحاب حجر بن عدي أشدائهم على شرطة زياد «الحمراء»، فأبى ثم رضي
زياد من عدي أن يغيب ابن خليفة عن الكوفة(3)
ودخل عدي بن حاتم على معاوية، وان معاوية ليهابه ويعرف سداده الحصيف
في مزالق الفتن، وتمرسه البصير في الشدائد، وبصيرته النافذة وتجاربه
الكثيرة الماضية، فجرى في حديثه معه عند «موهبته الخاصة» التي كان
يفزع اليها في منازلة العظماء من أعدائه، فقال: «يا عدي أين الطرفات
؟ - يعني بنيه طريفاً وطارفاً وطرفة -» قال: «قتلوا يوم صفين بين
يدي علي بن أبي طالب». فقال: «ما أنصفك ابن أبي طالب، اذ قدم بنيك
واخر بنيه». قال، «بل ما أنصفت أنا علياً، اذ قتل وبقيت بعده». فقال
معاوية: «أما انه قد بقي قطرة من دم عثمان ما يمحوها الا دم شريف من
أشراف اليمن !». فقال عدي: «واللّه ان قلوبنا التي ابغضناك بها لفي
صدورنا، وان أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن أدنيت لنا
من الغدر فترا لندنين اليك من الشر شبراً ! وان حز الحلقوم، وحشرجة
الحيزوم، لاهون علينا من أن نسمع المساءة في علي فسلم السيف يا
معاوية لباعث السيف».
فقال معاوية: «هذه كلمات حكم فاكتبوها» - هزيمة منكرة من معاوية -
وأقبل على عدي يحادثه كأنه ما خاطبه بشيء(4)
«ولا خير في حلم اذا لم يكن له *** بوادر تحمي صفوه ان يكدرا»
ثم قال له: «صف لي علياً». فقال: «ان رأيت ان تعفيني». قال: «لا
أعفيك». قال:
«كان واللّه بعيد المدى، شديد القوى، يقول عدلاً، ويحكم فصلاً،
تتفجر الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه. يستوحش من الدنيا
وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. وكان واللّه غزير الدمعة، طويل
الفكرة، يحاسب نفسه اذا خلا، ويقلب كفيه على ما مضى. يعجبه من
اللباس القصير، ومن المعاش الخشن. وكان فينا كأحدنا يجيبنا اذا
سألناه، ويدنينا اذا أتيناه. ونحن مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه
لهيبته، ولا نرفع أعيننا اليه لعظمته. فان تبسم فعن اللؤلؤ المنظوم.
يعظم أهل الدين، ويتحبب الى المساكين. لا يخاف القوي ظلمه، ولا ييأس
الضعيف من عدله. فأقسم لقد رأيته ليلة وقد مثل في محرابه، وأرخى
الليل سرباله، وغارت نجومه، ودموعه تتحادر على لحيته، وهو يتململ
السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو يقول:
«يا دنيا ! اليّ تعرضت أم الي أقبلت ؟، غري غيري، لاحان حينك، قد
طلقتك ثلاثاً، لا رجعة لي فيك، فعيشك حقير، وخطرك يسير. آهٍ من قلة
الزاد وبعد السفر وقلة الانيس».
فوكفت عينا معاوية، وجعل ينشفهما بكمه. ثم قال: «يرحم اللّه أبا
الحسن، كان كذلك. فكيف صبرك عنه ؟» قال: «كصبر من ذبح ولدها في
حجرها، فهي لا ترقأ دمعتها، ولا تسكن عبرتها». قال: «فكيف ذكرك له
؟» قال: «وهل يتركني الدهر أن انساه ؟»(5)
اقول: وتوفي عدي بن حاتم في عهد المختار بن أبي عبيد سنة 68 (6) وهو
ابن مائة وعشرين سنة فماتت معه نفس كريمة لا تخلق الا في ملك، ورأي
حصيف لا يختمر الا في حكيم، وايمان صادق لا يعهد الا في وليّ.
صعصعة بن صوحان
سيد من سادات العرب، وعظيم من اقطاب الفضل والحسب. أسلم على عهد
رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولكنه لم يلقه لصغره، وأشكلت
على عمر أيام خلافته قضية فخطب الناس وسألهم عما يقولون - فقام
صعصعة، وهو غلام شاب، فأماط الحجاب، وأوضح منهاج الصواب -، وعملوا
برأيه -، وكان من أصحاب الخطط في الكوفة، وشهد مع أمير المؤمنين
«الجمل» و«صفين». قال في الاصابة(7) «ان المغيرة نفى صعصعة بأمر
معاوية من الكوفة الى الجزيرة او الى البحرين، وقيل الى جزيرة ابن
كافان فمات بها».
«وحبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد اللّه بن الكواء اليشكري
ورجالاً من أصحاب علي مع رجال من قريش، فدخل عليهم معاوية يوماً
فقال: نشدتكم باللّه الا ما قلتم حقاً وصدقاً، أيّ الخلفاء رأيتموني
؟ فقال ابن الكواء: لولا انك عزمت علينا ما قلنا، لانك جبار عنيد،
لا تراقب اللّه في قتل الاخيار، ولكنا نقول: انك ما علمنا واسع
الدنيا ضيق الآخرة، قريب الثرى بعيد المرعى، تجعل الظلمات نوراً
والنور ظلمات، فقال معاوية: ان اللّه أكرم هذا الامر بأهل الشام
الذابين عن بيضته، التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال اهل العراق
المنتهكين لمحارم اللّه، والمحلين ما حرم اللّه، والمحرمين ما احل
الله. فقال عبد الله ابن الكواء: يا ابن ابي سفيان ان لكل كلام
جواباً، ونحن نخاف جبروتك، فان كنت تطلق السنتنا ذببنا عن أهل
العراق بألسنة حداد لا يأخذها في اللّه لومة لائم، والا فانا صابرون
حتى يحكم اللّه ويضعنا على فرحه. قال: واللّه لا يطلق لك لسان - ثم
تكلم صعصعة فقال: تكلمت يا ابن ابي سفيان فأبلغت ولم تقصر عما أردت،
وليس الامر على ما ذكرت، أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهراً،
ودانهم كبراً، واستولى بأسباب الباطل كذباً ومكراً، أما واللّه مالك
في يوم بدر مضرب ولا مرمى، وما كنت فيه الا كما قال القائل: لا حلى
ولا سيرى، ولقد كنت أنت وابوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول
اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم. وانما أنت طليق ابن طليق،
أطلقكما رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم. فأنى تصلح الخلافة
لطليق ؟. فقال معاوية: لولا أني ارجع الى قول أبي طالب حيث
يقول:
قابلت جهلهمو حلماً ومغفرة *** والعفو عن قدرة ضرب من الكرم
لقتلتكم، وسأله معاوية: من البررة ومن الفسقة ؟ فقال: يا ابن ابي
سفيان ترك الخداع من كشف القناع، علي وأصحابه من الائمة الابرار،
وأنت وأصحابك من اولئك. وسأله عن أهل الشام فقال: اطوع الناس
لمخلوق، وأعصاهم للخالق، عصاة الجبار، وخلفة الاشرار، فعليهم
الدمار، ولهم سوء الدار. فقال معاوية: واللّه يا ابن صوحان انك
لحامل مديتك منذ أزمان، الا أن حلم ابن ابي سفيان يرد عنك. فقال
صعصعة: بل أمر اللّه وقدرته، ان امر اللّه كان قدراً
مقدوراً».(8)
قال المسعودي: «ولصعصعة بن صوحان أخبار حسان وكلام في نهاية البلاغة
والفصاحة والايضاح عن المعاني على ايجاز واختصار».
وكان صعصعة شخصية بارزة في أصحاب امير المؤمنين. ووصفه أمير
المؤمنين بالخطيب الشحشح، ثم وصفه الجاحظ بأنه من أفصح الناس.
وقال له معاوية يوم دخل الكوفة بعد الصلح: «أما واللّه اني كنت
لابغض ان تدخل في أماني». قال: «وأنا واللّه أبغض أن اسميك بهذا
الاسم». ثم سلّم عليه بالخلافة فقال معاوية: «ان كنت صادقاً فاصعد
المنبر والعن علياً». فصعد المنبر وحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:
«أيها الناس أتيتكم من عند رجل قدم شره، وأخر خيره. وانه أمرني ان
العن علياً فالعنوه لعنه اللّه». فضج أهل المسجد بآمين. فلما رجع
اليه فأخبره بما قال. قال: «لا واللّه ما عنيت غيري، ارجع حتى تسميه
باسمه». فرجع وصعد المنبر ثم قال: «ايها الناس ان امير المؤمنين
أمرني أن العن علي بن أبي طالب فالعنوه». فضجوا بآمين. فلما أخبر
معاوية قال: «واللّه ما عني غيري، أخرجوه لا يساكنني في بلد».
فأخرجوه(9).
وقال ابن عبد ربه: «دخل صعصعة بن صوحان على معاوية ومعه عمرو بن
العاص جالس على سريره فقال: وسّع له على ترابية فيه. فقال صعصعة:
اني واللّه لترابي، منه خلقت واليه أعود ومنه ابعث، وانك مارج من
مارج من نار»( يعني على حبه لابي تراب. ويكنون بها عن علي عليه
السلام).
وقدم وفد العراقيين على معاوية، فقدم في وفد الكوفة عدي بن حاتم،
وفي وفد البصرة الاحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان. فقال عمرو بن العاص
لمعاوية: «هؤلاء رجال الدنيا، وهم شيعة علي الذين قاتلوا معه يوم
الجمل ويوم صفين فكن منهم على حذر».
وفي أحاديث سيد عبد القيس صعصعة بن صوحان سعة لا يلم بها ما نقصده
من الايجاز. وانما أردنا ان نعطي بهذا صفحة من تاريخه مع معاوية
وموقف معاوية منه.
عبد اللّه بن خليفة الطائي
مسعار حرب. كان من مواقفه في العذيب، وجلولاء الوقيعة، ونهاوند،
وتستر، وصفين ما شهد له بالبطولة النادرة، وهو الخطيب الذي رد
الطائيين يوم صفين عن مزاحمة (عدي بن حاتم) على الراية - كما مر
عليك في الحديث عن عدي -.
وصحب حجر بن عدي الكندي في موقفه القوي الذي وقفه في الذب عن أمير
المؤمنين عليه السلام.
وطاردته شرطة زياد [وهم أهل الحمراء يومئذ] فامتنع عليهم، وهزمهم
بقومه. خرجت أخته النوار فقالت: «يا معشر طيء أتسلمون سنانكم
ولسانكم عبد اللّه بن خليفة ؟» فشد الطائيون على الشرط فضربوهم،
وأعيت الحيلة به زياداً فقبض على زعيم قبيلته (عدي بن حاتم) فحبسه
أو يأتيه بابن خليفة. وأبى عدي أن يأتيه به ليقتله، فرضي زياد منه
بأن يغيّبه عن الكوفة.
فأشار عدي على عبد اللّه بمغادرة الكوفة ووعده أن لا يألو جهداً في
ارجاعه اليها، فسار الى «الجبلين وهما جبلاً طيء: أجأ وسلمى، بينهما
وبين «فدك» يوم، وبين «خيبر» خمس ليال، وبينهما وبين المدينة ثلاث
مراحل.» وقيل الى «صنعاء». ولم يزل مشرداً هناك مشبوب الاشواق الى
وطنه.
وطال عليه الامد فكتب الى عدي يستنجزه وعده، وكان شاعراً يجيد
الوصف، وله عدة قصائد ومقطوعات يعاتب بها عدياً ويذكره سوابقه
وغربته واسارته، ولكن ظروف عدي لم تساعده على اسعافه، فبقي هناك حتى
مات رحمه اللّه(10) قبل موت (زياد) بقليل.
المصادر:
بتصرف من کتاب صلح الحسن
بقَلم الامام السيد عبد الحسين شرف الدين
1- الاصابة ج 4 ص 228 - 229
2- الطبري ج 6 ص 5
3- ابن الاثير ج 3 ص 189
4- المسعودي هامش ابن الاثير ج 6 ص 65
5- البيهقي في المحاسن والمساوئ ج 1 ص 33
6- تاريخ الكوفة (ص 388) والاصابة ج 4 ص 119
7- الاصابة / ج 3 ص 23
8- المسعودي هامش ابن الاثير ج 6 ص 117
9- السفينة ج 2 ص 31
10- الطبري ج 6 ص 5 وص 157 - 160
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا