الحسين و صلح الحسن عليهما السلام
هناك
سؤال تردد ويتردد على الألسن وعلى امتداد الزمن ، وهو سبب سكوت الحسين
عليه السلام عن معاوية بن أبي سفيان ، مع كونه وابنه يزيد وجهين
لعملة واحدة.
وكمحاولة للإجابة على ذلك لابدَّ من إلقاء نظرة تاريخية مجملة ، لكي تنضبط عدسة الرؤية لدينا على منظور سليم ، وسوف نجد أنه « لما مضى الإمام الحسن بن علي عليهالسلام شهيدا نتيجة غدر خصمه معاوية ، قضى الإمام الحسين عليهالسلام فترة طويلة في عهد معاوية لم يحرّك ساكنا ولم يدع إلى الثورة ، التزاما منه بشروط صلح الحسن عليهالسلام وتقيّده به حتى بعد وفاة أخيه وطيلة حياة معاوية بعد رحيل الحسن عليهالسلام رغم إلحاح الشيعة عليه بالثورة على معاوية لأنه نقض من جانبه كل شروط الصلح ولم يف بشرط واحد منها.
لقد عانى المسلم الشيعي منذ عهد معاوية بن أبي سفيان ألوانا شتَّى من الاضطهاد والملاحقة والترويع ؛ كان مطاردا من قبل السلطة ، فقلما شعر بالأمن ، وكانت هذه السلطة تحاربه في مصادر عيشه إذا لم تقض عليه ولم تصادر حرّيته ، وكان في أحسن الحالات مواطنا من الدرجة الثانية ، كل هذا بسبب بعض مواقفه العقيدية ، وبسبب اتجاهه الفقهي ، حيث إنه تبع أئمة أهل البيت ، فكانوا مرجعه في فقه الشريعة الإسلامية » (١).
مع كل ذلك كان الحسين عليهالسلام يرفض طلبهم بشدة ويذكر : « أنّ بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوزُ له نقضه حتى تمضي المدّةُ ، فإن مات معاوية نظر في ذلك » (٢).
حرصا منه على وحدة المسلمين ، مع أنه كان قادرا على أن يُثير جمهورا كبيرا من المسلمين ضد حكم معاوية البغيض ، لا سيما وأنه تفنّن في التنكيل بشيعته.
على أن الحسين عليهالسلام لم يكن ملجوم اللّسان ، مختوم الشفتين ، فالشواهد التاريخية تدلّ على أنه لم يكفّ عن نقد سياسات معاوية وتجاوزاته.
وقد بلغت أنباء تردد الشيعة على الحسين عليهالسلام واستنهاضهم له وإلحاحهم عليه للقيام بالثورة على معاوية إلى دمشق ، فأقلقت معاوية وأفزعته ، وخشي من أن يستجيب الحسين عليهالسلام لطلبهم ويلبي نداءهم ، فكتب إليه كتابا يحذره غدر أهل العراق ، ويذكره بالعهد والميثاق الذي سبق منه ، وكتب فيه : « أمّا بعد ، فقد انتهت إليَّ منك أمور ، لم أكن أظنّك بها ، رغبة عنها ، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء لمن أعطى بيعة من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك اللّه بها ، فلا تنازع إلى قطيعتك ، واتّق اللّه ، ولا تردنّ هذه الأمّة في فتنة ، وانظر لنفسك ودينك وأمّة محمد ، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون » (3).
وجاء في تاريخ دمشق أنّ الحسين عليهالسلام كتب إليه : « أتاني كتابك ، وأنا بغير الذي بلغك عنّي جدير ، والحسنات لا يهدي لها إلاّ اللّه ، وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا ، وما أظنّ لي عنداللّه عذرا في ترك جهادك ، ولا أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمّة » (4).
وفي رواية الطبرسي أنّه أجابه : « أما بعد : فقد بلغني كتابك ... وقلت فيما تقول انظر لنفسك ولدينك ولأمّة محمد صلىاللهعليهوآله ، واتّق شقّ عصا هذه الأمّة ، وإن تردهم في فتنة ، فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها ، ولا أعلم نظرا لنفسي وولدي وأمّة جدي أفضل من جهادك ، فإن فعلته فهو قربة إلى اللّه عزّ وجل ، وإن تركته فأستغفر اللّه لذنبي ، وأسأله توفيقي لإرشاد أموري ، وقلت فيما تقول إن أنكرك تنكرني وإن أكدك تكدني ، وهل رأيك إلاّ كيد الصالحين ، منذ خلقت؟! فكدني ما بدا لك إن شئت ، فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، على أنّك تكيد فتوقظ عدوّك ، وتوبق نفسك ، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثّلت بهم بعد الصلح والأيمان والعهد والميثاق فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلاّ لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا » (5).
هذه بعض الفقرات من كتاب الحسين عليهالسلام إلى معاوية ، وهو بمثابة وثيقة تاريخية خالدة تكشف عن حقيقة معاوية وطبيعة حكمه الفاسد الجائر. كما تُثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أن الحسين عليهالسلام كسر قاعدة الصمت التي فرضها معاوية على المسلمين ، بعد أن انتقلت الأمور إلى مستوى خطير لم يعد ممكنا السكوت عليه.
وفيما يلي نص حديثه فيما رواه سليم بن قيس ، قال : « ولما كان قبل موت معاوية بسنتين حج الحسين بن علي عليهماالسلام ، وعبد اللّه بن عباس ، وعبد اللّه بن جعفر ، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم ، ومن حج من الأنصار ممن يعرفهم الحسين وأهل بيته ، ثم أرسل رسلاً ، وقال لهم : لا تدعوا أحدا حج العام من أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله المعروفين بالصلاح والنسك الا اجمعوهم لي ، فاجتمع إليه بمنى أكثر من ألف رجل وهم في سرادق ، عامتهم من التابعين ، فقام فيهم خطيبا فحمد اللّه واثنى عليه .
ثم قال : أما بعد : فان هذا الطاغية ـ يعني معاوية ـ قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتهم ورأيتم وشهدتم وبلغكم ، وإني أُريد أن أسألكم عن أشياء فان صدقت فصدقوني ، وإن كذبت فكذبوني ، اسمعوا مقالتي ، واكتموا قولي ، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم ، من أمنتموه ووثقتم به من الناس ، فادعوهم الى ماتعلمون ، فإني أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب ، واللّه متم نوره ولو كره الكافرون » (6).
وكان هذا المؤتمر أول مؤتمر اسلامي عرفه المسلمون في ذلك الوقت ، وقد شجب فيه الإمام سياسة معاوية ، ودعا المسلمين لاشاعة فضائل أهل البيت عليهمالسلام وإذاعة مآثرهم التي حاولت السلطة حجبها عن المسلمين.
١ ـ تحريف مبادئ الاسلام ، وايجاد البدع بغية القضاء على الاسلام.
٢ ـ اشاعة ثقافة الجبر والخنوع والاستسلام.
٣ ـ نهب بيت المال وانفاقه في الأهواء والمصالح الذاتية.
٤ ـ افساد الاخلاق واشاعة الشراب والمجون والقمار.
٥ ـ إحياء العصبية القبلية والقومية ، والقيم الجاهلية.
٦ ـ تعيين العناصر الفاسدة وغير المؤهلة لمجرّد انتمائهم للأمويين.
٧ ـ التزييف والاعلام الكاذب.
٨ ـ اعتقال وسجن وقتل الشخصيات الاسلامية البارزة والثورية التي تناصر أهل البيت.
٩ ـ أخذ البيعة بالإكراه ليزيد من الناس ومن رؤساء القبائل.
ونتيجة لكل ذلك نجد أنّ الحسين عليهالسلام كان يشعر بضرورة الخروج والثورة على سلطان معاوية والحكم الأموي المنحرف عن خط الإسلام ونواميس الحق والعدل ، لولا التزامه وتقيّده بتنفيذ صلح أخيه الحسن عليهالسلام ، ورعايته للعهد الذي أعطاه أخوه الحسن عليهالسلام لمعاوية ضمن شروط منها أن لا يخرج عليه لا هو ولا أحد من أهل بيته مادام حيا ، وفي نفس الوقت كان ينتظر تفاقم النقمة العامة على معاوية وعلى الأمويين بصورة عامة لتكون الثورة أكثر شمولاً وأقرب إلى فرص النجاح ، وهكذا كان.
فان نبأ هلاك معاوية كان أعظم بشارة تلقاها العالم الإسلامي بالفرح والسرور ، وشعروا بأن كابوسا خانقا قد زال عن صدورهم حتى قال يزيد ابن مسعود مبشرا بموته « إن معاوية مات فأهون به واللّه هالكا ومفقودا ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الجور ... » (7).
وقال الحسن البصري : « أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت مُوبقة : انتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاء حتى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصّحابة وذو الفضيلة ، واستخلافه ابنه بعده سكّيرا خمّيرا ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادّعاؤه زيادا ، وقد قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : الولد للفراش ، وللعاهر الحجَرُ ، وقتلهُ حُجْرا ، ويْلاً له من حُجْر! مرّتين » (8).
يتّضح مما تقدم أن الحسين عليهالسلام قد تريث بالثورة إلى أن هلك معاوية بن أبي سفيان التزاما منه بعهده ، واحتراما لموقف أخيه الحسن عليهالسلام ، ولأسباب ومصالح أخرى أيضا. ولكنه في خلال ذلك كان يصارح الرأي العام بسخطه وامتعاضه واستيائه من الوضع القائم ، إتماما للحجة على الناس ، وإظهارا للحق ، وإيضاحا للواقع ، لكي يحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة ، ولذلك فبمجرّد أن هلك معاوية في أول رجب سنة ستين للهجرة أعلن الحسين عليهالسلام ثورته على خلفه يزيد .
ودعا العالم الإسلامي لنصرته ومؤازرته على استئصال جرثومة الشر والفساد من جسم الأمة الإسلامية ، معلنا للرأي العام الإسلامي دوافع نهضته ، قال لهم : « إنّي لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنّما خرجت أطلب الصلاح في أُمة جدي محمد ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، أسير بسيرة جدي وسيرة أبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق فاللّه أولى بالحق ، وهو أحكم الحاكمين » (9).
وينبغي الإشارة هنا إلى أنه لما ثار في النهاية على الحكم الأموي متمثلاً في يزيد بن معاوية ونظامه ، لم تكن نهضته رعاية لمصلحته وعاطفته ، فتاريخه الشخصي وتاريخ أبيه وأخيه يشهد بأن مواقفهم تقوم دائما على رعاية مصالح الإسلام العليا ، ومصالح المسلمين من جميع الجهات.
كان عليهالسلام يرى ـ مع غيره من قادة الرأي في المسلمين ـ أن تسنُّم يزيد ابن معاوية ذروة السلطة ، إذا نال الشرعية ولو بالسكوت عنه ، فإنه يشكل خطرا على الإسلام كدعوة ودين ، وكان واضحا منذ البداية أن نظام يزيد لايكتفي من الحسين عليهالسلام وغيره من قادة الرأي بمجرّد السكوت عنه ، لقد كان يريد اعترافا رسميا واضحا بشرعيته ، كان يريد منهم البيعة ليزيد.
والحسين عليهالسلام كما كان يعرف معاوية وأساليبه « كان يعرف أن خليفته الجديد محدود في تفكيره ينساق مع عواطفه وشهواته وتلبية رغباته الى أبعد الحدود بارتكاب المحارم والآثام والتحلل من التقاليد الاسلامية ، ويندفع مع نزقه فيما يعترضه من الصعاب من غير تقدير لما وراءها من المخاطر ، ومن أجل ذلك وقف من بيعته موقف الرافض ، واعتبر البيعة ليزيد من أخطر الاحداث على مصير الامة ومقدراتها ، ولم يجد بدّا من مقاومتها ، وهو يعلم بأن وراء مقاومته الشهادة
وان شهادته ستؤدي دورها الكامل وتصنع الانتفاضة تلو الأخرى حتى النصر ، ولم يكن باستطاعة يزيد مواجهتها بالاساليب التي اعتاد أبوه تغطية جرائمه بها ، لأنه كما وصفه بعض المؤرّخين من أبعد الناس عن الحذر والحيطة والتروي ، صغير العقل متهور ، سطحي التفكير ، لا يهمّ بشيء إلاّ ركبه. ومن كان بهذه الصفات لابدَّ وأن يواجه الأحداث بالأسلوب الذي يتّفق مع شخصيته ، وهو ما حدث في النهاية بالنسبة إليها وإلى غيرها من المشاكل التي واجهته خلال السنين الخمس التي حكم فيها بعد أبيه » (10).
اشكاليات واهنة
وقد يزعم البعض أن الحسين عليهالسلام لو استعمل التقية وصافح يزيد لاتقى ببيعته شر أُمية ، ونجا من مكرها ، وصان حرمته ، وحفظ مهجته. لكن ذلك وهم ، فان يزيد المتجاهر بالفسوق لا يقاس بمعاوية الداهية المتحفظ ، فبيعة مثل الحسين عليهالسلام لمثل يزيد غير جائزة بظاهر الشريعة ، ولذلك تخلّف عن بيعته سعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد اللّه بن عمر ، وعبداللّه بن الزبير وغيرهم ، فأنكروا على معاوية استخلاف يزيد ، وامتنعوا عن بيعته حتى فارقوا الحياة ، وكان إمامنا الحسين عليهالسلام أولى بهذا الامتناع والإنكار.
كما أثار البعض اشكالية اُخرى مفادها أن خروجه يمثل شقا لعصا الطاعة ، ويُعرّض الوحدة الإسلامية إلى الخطر. وقد بدا واضحا لذوي البصائر أن المحافظة على الوحدة السياسية للمسلمين كانت تعني التفريط بالمحتوى العقيدي والتشريعي للمؤسسة السياسية الإسلامية ، لذا قد يغدو التضحية بالوحدة السياسية للمسلمين واجبا في سبيل حفظ الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجا بعد أن غدا الحكم الأموي يشكل خطرا ، لا على المسلمين كوحدة سياسية فحسب ، بل على الاسلام نفسه (11).
ويرى إمام الأزهر السابق محمد عبده أنّه : « إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع ، وحكومة جائرة تعطّله ، وجب على كل مسلم نصر الأولى .. ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسول صلىاللهعليهوآله على إمام الجور والبغي الذي وليَ أمر المسلمين بالقوَّة والمكر يزيد بن معاوية خذله اللّه وخذل من انتصر له من الكرامية والنواصب » (12).
على هذا الصعيد فان البعض أشار على الحسين عليهالسلام بضرورة الانحناء أمام عاصفة التحول السياسي ، فدعا إلى مهادنة وموادعة يزيد ، ولكنه آثر الوقوف في خط المواجهة الساخن ، لكونه يتبع منهجا في التفكير والسلوك لا يجامل فيه على حساب الحق والقيم. ثم أن يزيد يريد منه الاستسلام الكامل والخضوع الأعمى ، وعليه فالفجوة القائمة بينهما واسعة لا يمكن رتقها ، لقد « قدر بأن بيعته ليزيد تتناقض تماما مع الشرع ومع الحقيقة ومع معتقداته وخط الكمال الإسلامي الذي يمثله ، وأن بيعته ليزيد ستكون بمثابة اعتراف بشرعية خلافة غير شرعية ، وفتوى ضمنية بأهلية يزيد للخلافة ، وهو الرجل الذي يجاهر بفسقه ومجونه وحتى بكفره » (13).
ونتيجة لكل ذلك اتخذ الإمام قراره النهائي بالامتناع عن بيعة يزيد ، وأعلن هذا القرار بكل وسائل الإعلان المعروفة في زمانه ، وهذا القرار لم يكن اعتباطيا ، وإنما بني على قناعات دينية يقينية ، وحقائق تاريخية وعقلية وفطرية معلومة بالضرورة .. رأى أن مبايعته ليزيد بن معاوية جريمة كبرى وبكل المعايير الدينية والتاريخية والمنطقية ، لذلك امتنع عن البيعة ، وأعلن هذا الامتناع بكل وسائل الإعلان. الامتناع عن البيعة في عرف الخلفاء وأركان دولتهم ، يعتبر خروجا على طاعة الخليفة الغالب ، وعدم القبول بخلافته.
ويدلنا على مدى احتقار الحسين عليهالسلام ليزيد وسقوط الأخير عن أدنى مستويات الانسانية ، قوله عليهالسلام لمروان بن الحكم لما أشار عليه بالبيعة ليزيد ، فقال : « إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بُليت الأمّة براعٍ مثل يزيد » (14).
المصادر :
1- ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : ٤٤.
2- الإرشاد ٢ : ٣٢.
3- الإمامة والسياسة / ابن قتيبة ١ : ١٧٩ ، منشورات الشريف الرضي ، قم ، ١٣٨٨ ه.
4- تاريخ ابن عساكر ١٤ : ٢٠٦ ، طبعة دار الفكر ـ ١٤١٥ هـ.
5- الاحتجاج ٢ : ٢٠ ـ ٢١.
6- الاحتجاج ٢ : ١٨ ـ ١٩ ، دار النعمان.
7- مثير الأحزان : ١٧ ، لواعج الأشجان : ٤٠ ، اللهوف : ٢٦.
8- تاريخ الطبري ٦ : ١٤٠ ، حوادث سنة احدى وخمسين.
9- مناقب آل أبي طالب ٤ : ٨٩.
10- من وحي الثورة الحسينية / هاشم معروف الحسني : ٢١ ، دار القلم ، بيروت.
11- ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : ٣٨.
12- حياة الإمام الحسين / القرشي ٢ : ٢٧١.
13- كربلاء ـ الثورة والمأساة / المحامي أحمد حسين يعقوب : ٦٧ ، مركز الغدير ، بيروت ، ط ١ ـ ١٤١٨ه.
14- اللهوف : ١٨.
وكمحاولة للإجابة على ذلك لابدَّ من إلقاء نظرة تاريخية مجملة ، لكي تنضبط عدسة الرؤية لدينا على منظور سليم ، وسوف نجد أنه « لما مضى الإمام الحسن بن علي عليهالسلام شهيدا نتيجة غدر خصمه معاوية ، قضى الإمام الحسين عليهالسلام فترة طويلة في عهد معاوية لم يحرّك ساكنا ولم يدع إلى الثورة ، التزاما منه بشروط صلح الحسن عليهالسلام وتقيّده به حتى بعد وفاة أخيه وطيلة حياة معاوية بعد رحيل الحسن عليهالسلام رغم إلحاح الشيعة عليه بالثورة على معاوية لأنه نقض من جانبه كل شروط الصلح ولم يف بشرط واحد منها.
لقد عانى المسلم الشيعي منذ عهد معاوية بن أبي سفيان ألوانا شتَّى من الاضطهاد والملاحقة والترويع ؛ كان مطاردا من قبل السلطة ، فقلما شعر بالأمن ، وكانت هذه السلطة تحاربه في مصادر عيشه إذا لم تقض عليه ولم تصادر حرّيته ، وكان في أحسن الحالات مواطنا من الدرجة الثانية ، كل هذا بسبب بعض مواقفه العقيدية ، وبسبب اتجاهه الفقهي ، حيث إنه تبع أئمة أهل البيت ، فكانوا مرجعه في فقه الشريعة الإسلامية » (١).
مع كل ذلك كان الحسين عليهالسلام يرفض طلبهم بشدة ويذكر : « أنّ بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوزُ له نقضه حتى تمضي المدّةُ ، فإن مات معاوية نظر في ذلك » (٢).
حرصا منه على وحدة المسلمين ، مع أنه كان قادرا على أن يُثير جمهورا كبيرا من المسلمين ضد حكم معاوية البغيض ، لا سيما وأنه تفنّن في التنكيل بشيعته.
على أن الحسين عليهالسلام لم يكن ملجوم اللّسان ، مختوم الشفتين ، فالشواهد التاريخية تدلّ على أنه لم يكفّ عن نقد سياسات معاوية وتجاوزاته.
وقد بلغت أنباء تردد الشيعة على الحسين عليهالسلام واستنهاضهم له وإلحاحهم عليه للقيام بالثورة على معاوية إلى دمشق ، فأقلقت معاوية وأفزعته ، وخشي من أن يستجيب الحسين عليهالسلام لطلبهم ويلبي نداءهم ، فكتب إليه كتابا يحذره غدر أهل العراق ، ويذكره بالعهد والميثاق الذي سبق منه ، وكتب فيه : « أمّا بعد ، فقد انتهت إليَّ منك أمور ، لم أكن أظنّك بها ، رغبة عنها ، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء لمن أعطى بيعة من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك اللّه بها ، فلا تنازع إلى قطيعتك ، واتّق اللّه ، ولا تردنّ هذه الأمّة في فتنة ، وانظر لنفسك ودينك وأمّة محمد ، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون » (3).
وجاء في تاريخ دمشق أنّ الحسين عليهالسلام كتب إليه : « أتاني كتابك ، وأنا بغير الذي بلغك عنّي جدير ، والحسنات لا يهدي لها إلاّ اللّه ، وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا ، وما أظنّ لي عنداللّه عذرا في ترك جهادك ، ولا أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمّة » (4).
وفي رواية الطبرسي أنّه أجابه : « أما بعد : فقد بلغني كتابك ... وقلت فيما تقول انظر لنفسك ولدينك ولأمّة محمد صلىاللهعليهوآله ، واتّق شقّ عصا هذه الأمّة ، وإن تردهم في فتنة ، فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها ، ولا أعلم نظرا لنفسي وولدي وأمّة جدي أفضل من جهادك ، فإن فعلته فهو قربة إلى اللّه عزّ وجل ، وإن تركته فأستغفر اللّه لذنبي ، وأسأله توفيقي لإرشاد أموري ، وقلت فيما تقول إن أنكرك تنكرني وإن أكدك تكدني ، وهل رأيك إلاّ كيد الصالحين ، منذ خلقت؟! فكدني ما بدا لك إن شئت ، فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، على أنّك تكيد فتوقظ عدوّك ، وتوبق نفسك ، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثّلت بهم بعد الصلح والأيمان والعهد والميثاق فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلاّ لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا » (5).
هذه بعض الفقرات من كتاب الحسين عليهالسلام إلى معاوية ، وهو بمثابة وثيقة تاريخية خالدة تكشف عن حقيقة معاوية وطبيعة حكمه الفاسد الجائر. كما تُثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أن الحسين عليهالسلام كسر قاعدة الصمت التي فرضها معاوية على المسلمين ، بعد أن انتقلت الأمور إلى مستوى خطير لم يعد ممكنا السكوت عليه.
مؤتمر سياسي عام
ومن مصاديق عدم سكوت الإمام على انحرافات معاوية ، أنه عليهالسلام عقد في مكة مؤتمرا سياسيا عاما دعا فيه جمهورا غفيرا ممن شهد موسم الحج من المهاجرين والانصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين ، فانبرى عليهالسلام خطيبا فيهم ، وتحدث ببليغ بيانه بما ألمّ بعترة النبي صلىاللهعليهوآله وشيعتهم من المحن والخطوب التي صبها عليهم معاوية ، وما اتخذه من الاجراءات المشددة من إخفاء فضائلهم ، وستر ما أُثر عن الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله في حقهم ، وألزم حضار مؤتمره بإذاعة ذلك على المسلمين.وفيما يلي نص حديثه فيما رواه سليم بن قيس ، قال : « ولما كان قبل موت معاوية بسنتين حج الحسين بن علي عليهماالسلام ، وعبد اللّه بن عباس ، وعبد اللّه بن جعفر ، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم ، ومن حج من الأنصار ممن يعرفهم الحسين وأهل بيته ، ثم أرسل رسلاً ، وقال لهم : لا تدعوا أحدا حج العام من أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله المعروفين بالصلاح والنسك الا اجمعوهم لي ، فاجتمع إليه بمنى أكثر من ألف رجل وهم في سرادق ، عامتهم من التابعين ، فقام فيهم خطيبا فحمد اللّه واثنى عليه .
ثم قال : أما بعد : فان هذا الطاغية ـ يعني معاوية ـ قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتهم ورأيتم وشهدتم وبلغكم ، وإني أُريد أن أسألكم عن أشياء فان صدقت فصدقوني ، وإن كذبت فكذبوني ، اسمعوا مقالتي ، واكتموا قولي ، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم ، من أمنتموه ووثقتم به من الناس ، فادعوهم الى ماتعلمون ، فإني أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب ، واللّه متم نوره ولو كره الكافرون » (6).
وكان هذا المؤتمر أول مؤتمر اسلامي عرفه المسلمون في ذلك الوقت ، وقد شجب فيه الإمام سياسة معاوية ، ودعا المسلمين لاشاعة فضائل أهل البيت عليهمالسلام وإذاعة مآثرهم التي حاولت السلطة حجبها عن المسلمين.
ضرورة النهضة
إن انحراف سلطة معاوية عن مسار الإسلام الصحيح ، يستدعي النهضة لتصحيح المسار ، ولعلّ أبرز مظاهر الانحراف في عهد معاوية يتمثّل بالنقاط التالية :١ ـ تحريف مبادئ الاسلام ، وايجاد البدع بغية القضاء على الاسلام.
٢ ـ اشاعة ثقافة الجبر والخنوع والاستسلام.
٣ ـ نهب بيت المال وانفاقه في الأهواء والمصالح الذاتية.
٤ ـ افساد الاخلاق واشاعة الشراب والمجون والقمار.
٥ ـ إحياء العصبية القبلية والقومية ، والقيم الجاهلية.
٦ ـ تعيين العناصر الفاسدة وغير المؤهلة لمجرّد انتمائهم للأمويين.
٧ ـ التزييف والاعلام الكاذب.
٨ ـ اعتقال وسجن وقتل الشخصيات الاسلامية البارزة والثورية التي تناصر أهل البيت.
٩ ـ أخذ البيعة بالإكراه ليزيد من الناس ومن رؤساء القبائل.
ونتيجة لكل ذلك نجد أنّ الحسين عليهالسلام كان يشعر بضرورة الخروج والثورة على سلطان معاوية والحكم الأموي المنحرف عن خط الإسلام ونواميس الحق والعدل ، لولا التزامه وتقيّده بتنفيذ صلح أخيه الحسن عليهالسلام ، ورعايته للعهد الذي أعطاه أخوه الحسن عليهالسلام لمعاوية ضمن شروط منها أن لا يخرج عليه لا هو ولا أحد من أهل بيته مادام حيا ، وفي نفس الوقت كان ينتظر تفاقم النقمة العامة على معاوية وعلى الأمويين بصورة عامة لتكون الثورة أكثر شمولاً وأقرب إلى فرص النجاح ، وهكذا كان.
فان نبأ هلاك معاوية كان أعظم بشارة تلقاها العالم الإسلامي بالفرح والسرور ، وشعروا بأن كابوسا خانقا قد زال عن صدورهم حتى قال يزيد ابن مسعود مبشرا بموته « إن معاوية مات فأهون به واللّه هالكا ومفقودا ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الجور ... » (7).
وقال الحسن البصري : « أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت مُوبقة : انتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاء حتى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصّحابة وذو الفضيلة ، واستخلافه ابنه بعده سكّيرا خمّيرا ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادّعاؤه زيادا ، وقد قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : الولد للفراش ، وللعاهر الحجَرُ ، وقتلهُ حُجْرا ، ويْلاً له من حُجْر! مرّتين » (8).
يتّضح مما تقدم أن الحسين عليهالسلام قد تريث بالثورة إلى أن هلك معاوية بن أبي سفيان التزاما منه بعهده ، واحتراما لموقف أخيه الحسن عليهالسلام ، ولأسباب ومصالح أخرى أيضا. ولكنه في خلال ذلك كان يصارح الرأي العام بسخطه وامتعاضه واستيائه من الوضع القائم ، إتماما للحجة على الناس ، وإظهارا للحق ، وإيضاحا للواقع ، لكي يحيا من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة ، ولذلك فبمجرّد أن هلك معاوية في أول رجب سنة ستين للهجرة أعلن الحسين عليهالسلام ثورته على خلفه يزيد .
ودعا العالم الإسلامي لنصرته ومؤازرته على استئصال جرثومة الشر والفساد من جسم الأمة الإسلامية ، معلنا للرأي العام الإسلامي دوافع نهضته ، قال لهم : « إنّي لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنّما خرجت أطلب الصلاح في أُمة جدي محمد ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، أسير بسيرة جدي وسيرة أبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق فاللّه أولى بالحق ، وهو أحكم الحاكمين » (9).
وينبغي الإشارة هنا إلى أنه لما ثار في النهاية على الحكم الأموي متمثلاً في يزيد بن معاوية ونظامه ، لم تكن نهضته رعاية لمصلحته وعاطفته ، فتاريخه الشخصي وتاريخ أبيه وأخيه يشهد بأن مواقفهم تقوم دائما على رعاية مصالح الإسلام العليا ، ومصالح المسلمين من جميع الجهات.
كان عليهالسلام يرى ـ مع غيره من قادة الرأي في المسلمين ـ أن تسنُّم يزيد ابن معاوية ذروة السلطة ، إذا نال الشرعية ولو بالسكوت عنه ، فإنه يشكل خطرا على الإسلام كدعوة ودين ، وكان واضحا منذ البداية أن نظام يزيد لايكتفي من الحسين عليهالسلام وغيره من قادة الرأي بمجرّد السكوت عنه ، لقد كان يريد اعترافا رسميا واضحا بشرعيته ، كان يريد منهم البيعة ليزيد.
والحسين عليهالسلام كما كان يعرف معاوية وأساليبه « كان يعرف أن خليفته الجديد محدود في تفكيره ينساق مع عواطفه وشهواته وتلبية رغباته الى أبعد الحدود بارتكاب المحارم والآثام والتحلل من التقاليد الاسلامية ، ويندفع مع نزقه فيما يعترضه من الصعاب من غير تقدير لما وراءها من المخاطر ، ومن أجل ذلك وقف من بيعته موقف الرافض ، واعتبر البيعة ليزيد من أخطر الاحداث على مصير الامة ومقدراتها ، ولم يجد بدّا من مقاومتها ، وهو يعلم بأن وراء مقاومته الشهادة
وان شهادته ستؤدي دورها الكامل وتصنع الانتفاضة تلو الأخرى حتى النصر ، ولم يكن باستطاعة يزيد مواجهتها بالاساليب التي اعتاد أبوه تغطية جرائمه بها ، لأنه كما وصفه بعض المؤرّخين من أبعد الناس عن الحذر والحيطة والتروي ، صغير العقل متهور ، سطحي التفكير ، لا يهمّ بشيء إلاّ ركبه. ومن كان بهذه الصفات لابدَّ وأن يواجه الأحداث بالأسلوب الذي يتّفق مع شخصيته ، وهو ما حدث في النهاية بالنسبة إليها وإلى غيرها من المشاكل التي واجهته خلال السنين الخمس التي حكم فيها بعد أبيه » (10).
اشكاليات واهنة
وقد يزعم البعض أن الحسين عليهالسلام لو استعمل التقية وصافح يزيد لاتقى ببيعته شر أُمية ، ونجا من مكرها ، وصان حرمته ، وحفظ مهجته. لكن ذلك وهم ، فان يزيد المتجاهر بالفسوق لا يقاس بمعاوية الداهية المتحفظ ، فبيعة مثل الحسين عليهالسلام لمثل يزيد غير جائزة بظاهر الشريعة ، ولذلك تخلّف عن بيعته سعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد اللّه بن عمر ، وعبداللّه بن الزبير وغيرهم ، فأنكروا على معاوية استخلاف يزيد ، وامتنعوا عن بيعته حتى فارقوا الحياة ، وكان إمامنا الحسين عليهالسلام أولى بهذا الامتناع والإنكار.
كما أثار البعض اشكالية اُخرى مفادها أن خروجه يمثل شقا لعصا الطاعة ، ويُعرّض الوحدة الإسلامية إلى الخطر. وقد بدا واضحا لذوي البصائر أن المحافظة على الوحدة السياسية للمسلمين كانت تعني التفريط بالمحتوى العقيدي والتشريعي للمؤسسة السياسية الإسلامية ، لذا قد يغدو التضحية بالوحدة السياسية للمسلمين واجبا في سبيل حفظ الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجا بعد أن غدا الحكم الأموي يشكل خطرا ، لا على المسلمين كوحدة سياسية فحسب ، بل على الاسلام نفسه (11).
ويرى إمام الأزهر السابق محمد عبده أنّه : « إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع ، وحكومة جائرة تعطّله ، وجب على كل مسلم نصر الأولى .. ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسول صلىاللهعليهوآله على إمام الجور والبغي الذي وليَ أمر المسلمين بالقوَّة والمكر يزيد بن معاوية خذله اللّه وخذل من انتصر له من الكرامية والنواصب » (12).
على هذا الصعيد فان البعض أشار على الحسين عليهالسلام بضرورة الانحناء أمام عاصفة التحول السياسي ، فدعا إلى مهادنة وموادعة يزيد ، ولكنه آثر الوقوف في خط المواجهة الساخن ، لكونه يتبع منهجا في التفكير والسلوك لا يجامل فيه على حساب الحق والقيم. ثم أن يزيد يريد منه الاستسلام الكامل والخضوع الأعمى ، وعليه فالفجوة القائمة بينهما واسعة لا يمكن رتقها ، لقد « قدر بأن بيعته ليزيد تتناقض تماما مع الشرع ومع الحقيقة ومع معتقداته وخط الكمال الإسلامي الذي يمثله ، وأن بيعته ليزيد ستكون بمثابة اعتراف بشرعية خلافة غير شرعية ، وفتوى ضمنية بأهلية يزيد للخلافة ، وهو الرجل الذي يجاهر بفسقه ومجونه وحتى بكفره » (13).
ونتيجة لكل ذلك اتخذ الإمام قراره النهائي بالامتناع عن بيعة يزيد ، وأعلن هذا القرار بكل وسائل الإعلان المعروفة في زمانه ، وهذا القرار لم يكن اعتباطيا ، وإنما بني على قناعات دينية يقينية ، وحقائق تاريخية وعقلية وفطرية معلومة بالضرورة .. رأى أن مبايعته ليزيد بن معاوية جريمة كبرى وبكل المعايير الدينية والتاريخية والمنطقية ، لذلك امتنع عن البيعة ، وأعلن هذا الامتناع بكل وسائل الإعلان. الامتناع عن البيعة في عرف الخلفاء وأركان دولتهم ، يعتبر خروجا على طاعة الخليفة الغالب ، وعدم القبول بخلافته.
ويدلنا على مدى احتقار الحسين عليهالسلام ليزيد وسقوط الأخير عن أدنى مستويات الانسانية ، قوله عليهالسلام لمروان بن الحكم لما أشار عليه بالبيعة ليزيد ، فقال : « إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بُليت الأمّة براعٍ مثل يزيد » (14).
المصادر :
1- ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : ٤٤.
2- الإرشاد ٢ : ٣٢.
3- الإمامة والسياسة / ابن قتيبة ١ : ١٧٩ ، منشورات الشريف الرضي ، قم ، ١٣٨٨ ه.
4- تاريخ ابن عساكر ١٤ : ٢٠٦ ، طبعة دار الفكر ـ ١٤١٥ هـ.
5- الاحتجاج ٢ : ٢٠ ـ ٢١.
6- الاحتجاج ٢ : ١٨ ـ ١٩ ، دار النعمان.
7- مثير الأحزان : ١٧ ، لواعج الأشجان : ٤٠ ، اللهوف : ٢٦.
8- تاريخ الطبري ٦ : ١٤٠ ، حوادث سنة احدى وخمسين.
9- مناقب آل أبي طالب ٤ : ٨٩.
10- من وحي الثورة الحسينية / هاشم معروف الحسني : ٢١ ، دار القلم ، بيروت.
11- ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : ٣٨.
12- حياة الإمام الحسين / القرشي ٢ : ٢٧١.
13- كربلاء ـ الثورة والمأساة / المحامي أحمد حسين يعقوب : ٦٧ ، مركز الغدير ، بيروت ، ط ١ ـ ١٤١٨ه.
14- اللهوف : ١٨.
احدث المقالات
الشبهة الرابعة عشر: شبهة عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام في بيتها عند قبر جده صلى ا