سيرة الإمام الحسن عليه السلام
تأليف: الحاج حسين الشاكري
المقدمة
سيد شباب أهل الجنة في سطور
الفصل الأول... ولادته عليه السلام:
الفصل الثاني... ما جاء في حقه في القرآن والسنة
أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ولديه الحسن والحسين عليهما السلام
الفصل الثالث...فضائله، ومناقبه، ومحاسن أخلاقه، ومعجزاته عليه السلام
فصاحته وبلاغته عليه السلام:
بعض ما ورد من حلمه في سيرته عليه السلام:
جوده وكرمه عليه السلام:
قضاؤه عليه السلام:
إخباره المغيبات
ومن حكمه عليه السلام:
تقريض العظماء والعلماء
دور الإمام في الحياة العامة:
الفصل الرابع... الكوفة
المجتمع الكوفي
التباين المذهبي
الفصل الخامس... الإمام الحسن بن علي عليه السلام والخلافة
قيادة جيش الإمام عليه السلام وبداية الفتنة:
تأثير الرشوة:
محنة الإمام عليه السلام:
الفصل السادس... خلاصة الأحداث
خطبة الإمام الحسن عليه السلام:
الشخوص إلى المدينة:
بعد نظر الإمام عليه السلام ونتائج الهدنة والصلح
الفصل السابع... الشيعة الذين نكل بهم معاوية
شهادته عليه السلام:
خاتمة المطاف
بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام أبو محمد الحسن الزكي، سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أول مولود ولد في الإسلام لأهل البيت عليهم السلام، جده رسول الله، وأبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة الزهراء، صلوات الله عليهم أجمعين، وهو أول فرع للدوحة الهاشمية النبوية، والشجرة العلوية. ولد في النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة للهجرة النبوية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه وفي أخيه أحاديث كثيرة منها.
1- الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
2- من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
3- إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا.
4- الحسن والحسين ريحانتاي في الدنيا وفي الآخرة.
إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة، المتواترة التي نقلها حملة الأحاديث من جهابذة العلماء وأكابر الحفاظ في سننهم وصحاحهم ومسانيدهم مسندة ومرسلة إرسال المسلمات. ويكفيهما فخرا أنهما طاهران مطهران بحكم آية التطهير التي نزلت في جدهما رسول الله، وأبيهما أمير المؤمنين، وأمهما فاطمة الزهراء، وفيهما، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. يمتاز الإمام الحسن عليه السلام: بمناقب، وفضائل، وصفات، ومزايا انحصرت فيه، وما اجتمعت في غيره إلا في أخيه الإمام الحسين وأهل بيته، وخص به من المآثر والمكارم التي فاق بها على الأوائل والأواخر، لا يقوم بوصفها البنان، ولا ينهض بذكرها اللسان، لأنه أرفع مكانا ومحلا، وأوفى شرفا ونبلا، وأزكى فرعا، وأعلى أصلا. عرف الإمام الحسن عليه السلام بجوده وكرمه، وسماحته وسخائه، كما اشتهر بحلمه وصبره، وكذلك بفصاحته وبلاغته، ظاهر ذلك في محاوراته مع أعدائه، وكذلك بزهده، وورعه، وعبادته. لكن الإمام الحسن عليه السلام ابتلي بأدهى طغاة زمانه معاوية، الذي تجسد فيه عداء بني أمية السافر وحقدهم الدفين على بني هاشم، الممتد والمتأصل منذ القدم على هاشم وعبد المطلب من عبد شمس، وأمية، وصخر، ولم يترك معاوية وسيلة من وسائله الخبيثة إلا استعملها ضد بني هاشم وضد الإمام الحسن وأبيه من قبل عليهم السلام، وآزر معاوية وسار في ركابه قرناء السوء الذين باعوا دينهم بدنياهم، والأدهى من ذلك بدنيا معاوية وبني أمية، ومهدوا لهم الطريق وعبدوها، مع علمهم ودرايتهم بأحقية أهل البيت وعصمتهم عليهم السلام. لكن الإمام الحسن عليه السلام ما كان غافلا عن خطط بني أمية الجهنمية وأهدافهم الخبيثة التي ترمي إلى قلع جذور الإسلام من أساسه عن طريق محاربة أهل البيت وإزاحتهم، لا سيما أئمة الهدى عليهم السلام ليخلو لهم الجو في العبث بمقدرات شريعة السماء، عن طريق رواة السوء في بث الأحاديث الكاذبة كما أسلفت، حتى وصل الاعتقاد بالمسلمين حينذاك، لا سيما جديدي العهد بالإسلام إلى أن الإسلام متمثل ببني أمية وخلافة معاوية، لأنهم يعتبرونه خال المؤمنين وكاتب الوحي، استنادا إلى أجهزتهم الإعلامية الكاذبة المنحرفة. فقد استهدف الإمام عليه السلام من قبول الهدنة هدفين -حسبما توصلت إليه-.
الهدف الأول: الإبقاء على البقية الباقية من أهل بيته وأصحاب أبيه المخلصين الذين يمثلون بيضة الإسلام.
الهدف الثاني: كشف معاوية وبني أمية على حقيقتهم، وواقعهم المزيف وبعدهم عن الإسلام، وإنما كانوا يتظاهرون به كذبا وزورا لتمرير سياستهم وخططهم في البقاء على دولتهم وكيانهم، وخداع المسلمين. ولما شاهد انهيار معنويات أصحابه، وجنده، وقواد جيشه، ورؤساء قبائلهم، وتخاذلهم أمام إغراءات معاوية ومواعيده المعسولة بالمال، المناصب، والمصاهرة منه، ومن جهة أخرى اتخاذ سياسة الشدة والبطش، والتعذيب من سمل العيون، وقطع الأيدي والأرجل والإبادة لمن لا يستجيب له من شيعة علي عليه السلام، والواعين من المسلمين المخلصين حتى وصل الأمر إلى خيانة قائد جيش الإمام الحسن عليه السلام وابن عمه عبيد الله بن العباس، الذي أمره على رأس جيش جرار، ليكون الطليعة لمواجهة معاوية وجيش أهل الشام، لكن بإغراء معاوية له بالمال ترك قيادة جيش الإمام، وانحاز سرا ليلا إلى معاوية في نفر من أصحابه وخاصته. كما إن بعض قواد الإمام الحسن عليه السلام وبعض رؤساء القبائل كاتبوا معاوية سرا مبدين استعدادهم لتسليم الإمام الحسن عليه السلام له حيا إن شاء أو مقتولا عند اقتراب الجيشين، ومن دهاء معاوية وخبثه أن بعث بجميع تلك الرسائل إلى الإمام الحسن عليه السلام ليطلعه على جلية الأمر وخبث سريرة أصحابه. عند ذلك رجع الإمام عليه السلام إلى نفسه مفكرا بأي جيش يا ترى وبأي قوة يواجه معاوية وجيشه الجرار ويحاربه؟ أبهذا الجيش أم بأولئك الأصحاب؟ لذلك قرر قبول الهدنة التي عرضها عليه معاوية، لتنفيذ خطته التي كان يرمي بها إلى كشف معاوية وبني أمية، وإلى حفظ بيضة الإسلام ومبادئه حتى ولو تجرع الغصص، والعتاب من بعض خلص أصحابه الذين لا يدركون عمق خطته ومدى بعد هدفه. ومأثورة الإمام الحسين عليه السلام وتضحياته الهائلة في التصميم على الوقوف بوجه الظلم والظالمين وتقديم أعز أولاده، وفلذات كبده، وأهل بيته، وأصحابه، وما يملك حتى نفسه الزكية، قرابين على مذبح الشهادة والدين، والحرية، والإباء إلا امتدادا وإتماما لخطة أخيه الإمام الحسن عليهما السلام لكشف ظلم بني أمية وجورهم، وإظهار حقيقة كفرهم. وكسر الطوق واختراق الستار الحديدي الذي ضربه معاوية خلال عشرين عاما من حكمه على عقول المسلمين وغسل أدمغتهم عامة، وأهل الشام خاصة، الذين هم حديثي عهد بالإسلام، ولولا ثورة الحسين عليه السلام لكانت شريعة الإسلام أموية جاهلية. وقد أعقبت ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثورات متتالية أهمها ثورة المدينة، وثورة التوابين، وثورة المختار بن عبيدة الثقفي، وتبعتها ثورات أخرى، الواحدة تلو الأخرى، من هنا وهناك حتى قضت على عرش بني أمية وأدت إلى انهيار دولتهم إلى هاوية سحيقة من البغض والنسيان، وستجد تفصيل ذلك ضمن البحث. وقد ركزت في هذا البحث على ثلاث نقاط مهمة:
النقطة الأولى: دراسة وتحليل المجتمع الكوفي وعناصره.
النقطة الثانية: بيان عدد زوجاته وعدد أولاده، وتكذيب الشائعات والتهم التي روجها الأعداء بكثرة زوجاته، وكثرة مطلقاته بأدلة وأسانيد لا تقبل المناقشة والكلام.
النقطة الثالثة: موقف الإمام السياسي السليم تجاه مؤامرات معاوية، وخذلان أصحابه وتفكك جيشه. سيد شباب أهل الجنة في سطور راجيا منه تعالى أن يتقبل مني هذا القليل ويعفو عني الكثير، فإنه أرحم الراحمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد خلقه محمد وآله الطاهرين.
حسين الشاكري
سيد شباب أهل الجنة في سطور:
اسمه: الحسن سماه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أبوه: علي أمير المؤمنين عليه السلام.
أمه: فاطمة الزهراء عليها السلام.
جده لأمه: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
جده لأبيه: أبو طالب بن عبد المطلب.
جدته لأمه: خديجة بنت خويلد.
جدته لأبيه: فاطمة بنت أسد بن هاشم.
أخوته لأمه وأبيه: الإمام الحسين -ومحسن الذي سقط يوم الدار- عليهم السلام.
أخواته لأمه وأبيه: زينب، أم كلثوم عليهما السلام.
ولادته: ولد بالمدينة يوم الثلاثة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث للهجرة، فجئ به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اللهم إني أعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وسماه حسنا، وعق عنه كبشا.
صفته: كان عليه السلام أبيض، مشربا بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، رقيق المشربة، كث اللحية، ذا وفرة، وكأن عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، مليحا، من أحسن الناس وجها، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر، حسن البدن.
حياته مع أبيه: لازم أباه أمير المؤمنين عليه السلام طيلة حياته، وشهد معه حروبه الثلاث: الجمل، صفين، النهروان.
كنيته: أبو محمد كناه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو القاسم. ألقابه: التقي، والزكي، والسبط، والسيد، والأمين، والحجة، والأثير، والمجتبى، والزاهد، والبر. نقش خاتمه: العزة لله وحده. أشهر زوجاته: خولة بنت منظور الفزارية، أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي، أم بشر بنت أبي مسعود الأنصاري، جعدة بنت الأشعث، هند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
أولادهُ: زيد، الحسن، عمرو، القاسم، عبد الله، عبد الرحمن، الحسين، طلحة. بناته: أم الحسن، أم الحسين، فاطمة، أم عبد الله، أم سلمة، رقية. بيعته: بويع بالخلافة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40 للهجرة. وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد.
خُلّص أصحابه: سفيان بن أبي ليلى الجهداني، حذيفة بن أسيد الغفاري، أبو زرين الأسدي. بوابه: سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كاتبه: عبد الله بن أبي رافع. صلحه: هادن معاوية في النصف من جادي الأولى سنة 41 للهجرة بعد ما تبين الوهن في أصحابه، عاش مظلوما، ومات مسموما، وقبض بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية.
وفاته: توفي عليه السلام في يوم الخميس السابع من شهر صفر سنة 50 للهجرة وله من العمر سبع وأربعون سنة.
قبره: دفنه الحسين عليه السلام في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بوصية منه.
مدة إمامته: كانت مدة إمامته عليه السلام 10 سنين.
هدم قبره: هدم الوهابيون قبره وقبور بقية الأئمة عليهم السلام في الثامن من شوال سنة 1344 ه. ولادته
الفصل الأول .. ولادته عليه السلام:
إقترن الإمام أمير المؤمنين، بفاطمة الزهراء عليهما السلام، في شهر ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة، بعد رجوعه من واقعة بدر منتصرا بالإسلام، وثمرة زواجهم الأول مرج البحرين المولود البكر، أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام، وذلك في منتصف شهر رمضان المبارك من السنة التالية الثالثة للهجرة في المدينة المنورة. قال الإربلي في كشف الغمة ج 2 / 140: ولد الإمام الحسن بن علي عليهما السلام، بالمدينة المنورة ليلة النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة للهجرة، وهو أول غرس للشجرة العلوية الفاطمية، والدوحة الهاشمية.
ولما حضرت السيدة فاطمة الولادة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأم سلمة، وأم أيمن (بركة) وفي رواية لأسماء أحضراها (أي فاطمة) فإذا وقع ولدها واستهل صارخا فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء (وقال: ناولوني ابني) فأخذه فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، فسره(1) ولثاه بريقه، وهو أول طعام يدخل جوفه، وقال: اللهم إني أعيذه بك (وذريته) وولده من الشيطان الرجيم(2).
وبلفظ آخر: وفي رواية:(3) عندما جاء صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام قال: ناولوني إبني، فأخذه وضمه إلى صدره، وألعقه من ريقه فهو أول طعام يدخل جوف الطفل، وبعد أن أذن وأقام، قال لعلي عليه السلام: ما سميته؟ قال: ما كنت لأسبقك بتسميته يا رسول الله، فسكت هنيئة، وفي رواية، قال: ما كنت لأسبق ربي حتى هبط الأمين جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام، ويقول سمه باسم ابن هارون، لأن عليا منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: وما اسمه؟ قال: شبر. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لساني عربي. فقال عليه السلام: إن الله يقول: سمه حسن، إشتققته من إسمي، فأنا المحسن وهذا حسن، فسماه صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن، وكناه بأبي محمد، ولقبه بالسيد، وختنه في اليوم السابع، وعق عنه بكبش، وأمر بحلق رأسه والتصدق بوزن شعره فضة، وأعطى للقابلة فخذا من العقيقة ودينارا، فكان وزن شعر رأسه بعد الحلق ورقا (فضة) درهما وشيئا فتصدق به، فصارت هذه سنة تجري على كل مولود إلى يومنا هذ(4).
نسبه: أما نسبه: ففي ذلك غنى عن التعريف، وهو امتداد لجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولله در القائل:
نسب كأن عليه من شمس الضحى * نورا ومن فلق الصباح عمودا
زوجاته صفاته: وعن المفيد في الإرشاد: كان الحسن، أشبه الناس برسول الله خلقا، وهيأة، وهديا، وسؤددا.
وفي أسد الغابة، بسنده إلى أنس بن مالك: لم يكن أحد أشبه برسول الله من الحسن بن علي. قال المدائني: كان الحسن بن علي عليه السلام أكبر ولد علي، وكان سيدا سخيا حليما، وكان رسول الله يحبه. وعن واصل بن عطاء: كان الحسن بن علي، عليه سيماء الأنبياء، وهيبة الملوك.
زوجاته:
1- تزوج الإمام الحسن عليه السلام جعدة بنت الأشعث في عهد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، والظاهر أنها أول زوجة تزوجها وكانت عنده إلى أن (سمته) وتوفي، ولم يذكر لها ولد، ويحتمل أن يكون هذا هو الباعث -أو أحد البواعث- لتزويج نساء أخر، كما إن هذا المعنى، بأنها لم تلد، وتزوج الإمام بعدها هو الموجب لحدوث البغضاء وانتفاء المحبة منها والوفاء.
2- لا يخفى إن تعدد الزوجات في ذلك الوقت كان متعارفا، يتزوج الرجل ويطلق بأي سبب كان أو بأي وسيلة، وكان مرسوما وشائعا في ذلك الزمان، وما من رجل إلا وله زوجات متعددة، وهذا واضح لمن راجع كتب الرجال والتواريخ، ميلا في سنن البيهقي ج3 ص85 قال: المغيرة بن شعبة: فنظرت إليها ثم تزوجتها، فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها، ولقد تزوجت بسبعين امرأة. وأمثال المغيرة من رجال ذلك العصر كثيرون. وفي المعارف ص230 ولد لطلحة عشرة بنين وأربع بنات لأمهات شتى، وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع عشرة زوجة، وتوفي عن تسع.
3- يظهر من القرائن أن بعضا من رؤساء القبائل أو الأشراف يعرضون بناتهم على الإمام للزواج منهن ليحصلوا على الشرف والفخر والفضل والانتساب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يقبل التزويج إلا نادرا، ويدل على ذلك قلة الأولاد.
4- يظهر من الروايات أن الإمام عليه السلام كان يمسك بالمعروف أو يسرح بالإحسان، وعلى أي حال فأزواجه كن راضيات، وهن كما قال تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) وهذا هو المناط في المزاوجة، بأن يكون كل من الزوجين راضيين وموافقين على ذلك من الزواج أو الفراق. ذكر البيهقي في سننه ج7 ص44 عن ابن سيرين: أن الحسن بن علي (رضي الله عنه) عليه السلام طلق امرأة له، فمتعها بعشرة آلاف درهم، فقالت: متاع قليل لحبيب مفارق. فبلغه ذلك فراجعها. فالمسلم به والمقطوع: إنه عليه السلام تزوج بكرا واحدة، وخمس زوجات ثيبات أو سبعا، في بعض الروايات، وتملكه خمس أمهات أولاد، وما زاد على ذلك فهو من نسج وعاظ السلاطين: فلا سند له في كتب الحديث والتاريخ والأنساب. والله العالم بحقائق الأمور. وأشهر زوجاته: خولة بنت منظور الفزارية، وأم إسحاق بن عبيد الله التميمي، وأم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري، وجعدة بنت الأشعث، وهند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وأما الطلاق.. فلم يحدثنا التاريخ إلا عن اثنتين، طلقهما الإمام عليه السلام لداع اقتضى ذلك: الأولى: حفصة أو هند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، التي كان يهواها المنذر، فوشى بها للإمام بشيء لم يذكره التاريخ والظاهر أنه أمر لا يناسب الإمام معه أن يبقيها في عصمته، بل يكفي في ذلك نفس الوشاية، التي قد تصبح بعد ذلك وسيلة للتشهير. والثانية: امرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة، وكان طلاقه لها بعد أن علم أنها ترى رأي الخوارج، حيث هنأته بالخلافة بعد شهادة أبيه وهي فرحة مسرورة وقد اعتذر الإمام عن طلاقها، بأنه يكره أن يضم إلى نحره جمرة من جمر جهنم، هكذا في بعض الروايات، أنقلها أمانة. ولم يحدثنا التاريخ عن ثالثة طلقها الإمام عليه السلام فيمن طلق، وحتى لو كانت لربما يكون للإمام عذر في ذلك. إذن.. أين يكون موقع الاتهام، بأن الإمام كان مزواجا مطلاقا..؟ وأين هن زوجاته السبعون؟ وأين هن مطلقاته الكثيرات؟ أعوذ بالله من البهت وخطل الرأي.
أولاده عليه السلام: في الإرشاد للشيخ المفيد وفي بحار الأنوار ج44 ص163-168 أولاد الحسن بن علي عليهما السلام خمسة عشر ولدا ذكرا وأنثى: زيد بن الحسن، وأختاه أم الحسن وأم الحسين، أمهم أم بشير بنت أبي مسعود بن عقبة بن عمر بن ثعلبة الخزرجية، والحسن بن الحسن أمه خوله بنت منظور الفزارية وعمرو بن الحسن، وأخواه القاسم وعبد الله ابنا الحسن أمهم أم ولد، وعبد الرحمن بن الحسن أمه أم ولد، والحسين بن الحسن الملقب بالأثرم، وأخوه طلحة بن الحسن وأختهما فاطمة بنت الحسن أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي وأم عبد الله، وفاطمة، وأم سلمة، ورقية بنات الحسن عليه السلام لأمهات شتى(5) وفي إعلام الورى: له من الأولاد ستة عشر، وزاد فيهم أبا بكر وقالت: قتل عبد الله مع الحسين عليه السلام. عمدة الطالب (ص47) وأولد أبو محمد الحسن في رواية شيخ الشرف العبيدلي: ستة عشر ولدا منهم خمس بنات وأحد عشر ذكرا، هم زيد، والحسن المثنى، والحسن، وطلحة، وإسماعيل، وعبد الله، وحمزة، ويعقوب، وعبد الرحمن، وأبو بكر، وعمر، وقال الموضح النسابة: عبد الله هو أبو بكر، وزاد القاسم، وهي زيادة صحيحة. وأما البنات فهن أم الحسين رملة، وأم الحسن، وفاطمة، وأم سلمة، وأم عبد الله، وزاد الموضح: رقية. فهن في روايته ست بنات، وجملة أولاده في روايته سبعة عشر. وقال أبو نصر البخاري: أولد الحسن بن علي ثلاثة عشر ذكرا وست بنات. أعقب من ولد الحسن أربعة: زيد والحسن والحسين الأثرم وعمر، إلا أن الحسين الأثرم وعمر انقرضا سريعا، وبقي عقب الحسن من رجلين لا غير: زيد والحسن المثنى. فالمشهور إذن أن أولاده عليه السلام: زيد، والحسن المثنى، وعمرو، والقاسم، وعبد الله، وعبد الرحمن، والحسين، طلحة. وأما بناته فهن: أم الحسن، وأم الحسين، وفاطمة، وأم عبد الله، وأم سلمة، ورقية. فالمجموع الكلي خمسة عشر، ثمانية ذكور، وستة إناث كما ذكرنا أعلاه. وقد اشترك الحسن بن الحسن المثنى، مع عمه الحسين عليه السلام في معركة الطف، وقاتل قتال الأبطال، وظل يقاتل حتى سقط إلى الأرض لكثرة ما أصابه من الجراح، وظنه الناس مع القتلى، وحينما أرادوا قطع رأسه تبين لهم أنه لا يزال حيا، فتشفع به أسماء بن خارجة الفزاري، ويعتبر من أخواله لأن أمه كانت فزارية وعالجه من ستة أشهر حتى برئ من جراحه، وتزوج من فاطمة بنت الحسين عليه السلام، وأكثر الحسنيين الذين ثاروا على الظلم والطغيان في العصر العباسي وغيره من نسله وأحفاده. وإليه، وإلى أخيه زيد بن الحسن ينتسب السادة الحسنيون الذين لا يزالون حتى عصرنا هذا يفخرون ويتباهون بنسبهم كغيرهم ممن يدعون الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الفصل الثاني .. ما جاء في حقه في القرآن والسنة
النص القرآني:
ما أكثر الآيات الواردة في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، لا سيما الخمسة أصحاب الكساء، وكيف لا يكونون كذلك وقد قرنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن، وجعلهم عدلا له؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي أبدا. وهذه أربع آيات مما وردت فيه وفي أخيه عليهما السلام:
1 - قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين)(6).
2- قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(7).
قال واثلة بن الأسقع لقد رأيتني ذات يوم وقد جئت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيت أم سلمة فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى وقبله، ثم جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبله، ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه، ثم دعا بعلي ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(8).
3- قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)(9).
قال ابن عباس: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من هؤلاء الذين يجب علينا حبهم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: علي وفاطمة وابناهما -ثلاث مرات-(10).
4- قوله تعالى: (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)(11).
قال الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) الحسن والحسين عليهما السلام(12).
أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ولديه الحسن والحسين عليهما السلام
إن كتب الصحاح، ومسانيد الحديث، مستفيضة بالأحاديث النبوية الواردة في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وقد جمع كثير من العلماء بعض هذه الأحاديث في مصنفات خاصة، كما أفرد لها غيرهم فصولا مستقلة في كتبهم، ومن بين هذه الأحاديث ما هو خاص في الإمام الحسن عليه السلام رابع أهل الكساء، وسيد شباب أهل الجنة، نذكر منها ومن غيرها: في البخاري: عن أبي بكر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر والحسن بن علي معه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه مرة ويقول: إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين(13).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حسن سبط من الأسباط(14).
روى الحمويني بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسن والحسين رضي الله عنهما: قال من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة(15).
أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص467 قال: روى إبراهيم بن علي الرافعي، عن جدته زينب بنت أبي رافع، قالت: رأيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتت بابنيهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شكواه الذي توفي فيه فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورثهما. فقال: أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي. وروي عن الترمذي مرفوعا إلى ابن عباس (رضي الله عنه) أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حامل الحسن بن علي عليهما السلام فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ونعم الراكب هو. وروي عن الحافظ أبي نعيم فيما أورده في حليته عن أبي بكر قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بنا فيجئ الحسن عليه السلام وهو ساجد وهو إذ ذاك صغير فيجلس على ظهره ومرة على رقبته فيرفعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفعا رفيقا، فلما فرغ من الصلاة قالوا: يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن هذا ريحانتي، وإن ابني هذا سيد، وعسى أن يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين. روي عن الأصمعي قال: بعث الحجاج إلى يحيى بن يعمر، فقال له: أنت الذي تقول: إن الحسن بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ والله لتأتيني بالمخرج أو لأضربن عنقك، فقال له: إن أتيتك بالمخرج فأنا آمن؟ قال: نعم. قال له: أقرء: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه.. إلى قوله... ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى)(16) فمن أقرب، عيسى إلى إبراهيم، وإنما هو ابن ابنته أو الحسن إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال الحجاج: فوالله لكأني ما قرأت هذه الآية قط.(17) ومما جاء في كرم أخلاق الحسن والحسين عليهما السلام أنهما مرا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء فأظهرا تنازعا يقول كل منهما للآخر: أنت لا تحسن الوضوء، وقالا: أيها الشيخ كن حكما بيننا فتوضئا وقالا: أينا يحسن الوضوء؟ فقال الشيخ: يا سيدي كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن الوضوء وقد تعلم الآن منكما وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدكما.(18)
عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الجنة تشتاق إلى أربعة من أهلي وقد أحبهم الله وأمرني بحبهم: علي بن أبي طالب، والحسن والحسين، والمهدي صلى الله عليهم، الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم عليه السلام.
ذكر العلامة القندوزي الحنفي، في ينابيع المودة(19) في فضائل الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام انقل محل الحاجة منها، ولعلها مكررة بطرق وأسانيد ومصادر مختلفة. في سنن الترمذي، حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا علي بن جعفر بن محمد، قال: أخبرني أخي (الإمام) موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بيد الحسن والحسين عليهما السلام وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة، وفي رواية أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم. من تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ومناقبه (تحقيق الشيخ المحمودي، الطبعة الأولى في مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر بيروت، لبنان سنة (1400 ه =1980م) خلال أحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بشأن سبطه الإمام الحسن عليه السلام انقل لك مخلصا هذه الأحاديث: من أحبهما فقد أحبني نقل هذا الحديث ابن عساكر بعدة طرق، منها:
أ- ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد الحسن والحسين عليهما السلام فقال: من أحبني وهذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. أقول: اللهم ارزقني حبهم.
ب- وفي رواية أم المؤمنين عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذ الحسن فيضمه إليه فيقول: اللهم إن هذا ابني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.
أقول: فلماذا منعت عائشة دفنه عند جده وقالت: لا تدخلوا بيتي من لا أحب؟! نعم الجمل جملكما..
أ- عن جابر بن عبد الله قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حامل الحسن والحسين على ظهره وهو يمشي بهما، فقلت: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ونعم الراكبان هما.
ب- عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أبيه قال: صَلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه، فلما سجد وثبت الحسن على ظهره، فلم يزل حتى نزل، فلما فرغ من صلاته قيل: يا رسول الله طولت بنا! قال: إن ابني هذا ارتحلني، وإني كرهت أن أنزله حتى يقضي حاجته. شفقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهما عن زيد بن أرقم قال: خرج الحسن بن علي عليهما السلام وعليه بردة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، فعثر الحسن وسقط، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر وابتدره الناس فحملوه، وتلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمله ووضعه في حجره، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن الولد لفتنة، ولقد نزلت إليه وما أدري أين هو، وقال: صدق الله ورسوله: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة).
دعاء في قنوت الوتر الذي علمه صلى الله عليه وآله وسلم للحسن عليه السلام اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت. النص عليه بالخلافة: نص الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام أمير المؤمنين عليه السلام على(20) الإمامين الحسن والحسين وعلى الأئمة الاثني عشر عليهم السلام بالخلافة والوصاية من بعدهم.
كما إن هناك أحاديث في النص على الحسنين عليهما السلام خاصة، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ابناي هذان إمامان قاما أو قعد(21). ومضافا لنصوص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصريحة على إمامة الأئمة عليهم السلام، كان بعضهم ينص على البعض، وفي هذه الصفحات بعض نصوص الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على الحسن عليه السلام: عن سليم بن قيس قال: شهدت أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن، وأشهد على وصيته الحسين ومحمدا وجميع ولده، ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال: يا بني أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أوصي إليك، وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي ودفع إلي كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين.
ثم أقبل على ابنه الحسين فقال: وأمرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين (وهو طفل حدث) وقال: وأمرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي، فاقرأه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومني السلام(22).
وقال الأصبغ بن نباتة: إن عليا لما ضربه الملعون ابن ملجم دعا بالحسن والحسين فقال: إني مقبوض في ليلتي هذه، فاسمعا قولي، وأنت يا حسن والقائم بالأمر بعدي، وأنت يا حسين شريكه في الوصية، فاصمت وكن لأمره تابعا ما بقي، فإذا خرج من الدنيا فأنت الناطق من بعده، والقائم بالأمر عنه، وكتب له بالوصية عهدا منشورا نقله جمهور العلماء(23).
وقال ابن أبي الحديد: عهد بها -الخلافة- إلى الحسن عليه السلام عند موته(24).
كما ذكر في إعلام الورى عن الكليني عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه الحسن: ادن مني حتى أسر إليك ما أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأئتمنك على ما ائتمنتني عليه، ففعل(25).
وذكر العلامة ابن شهرآشوب في مناقبه، قال الله تعالى كتابه في المجيد: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان)(26). ولا اتباع أحسن من اتباع الحسن والحسين عليهما السلام. وقال تعالى: (ألحقنا بهم ذريتهم) فقد ألحق الله بهما ذريتهما برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشهد بذلك كتابه، فوجب لهم الطاعة لحق الإمامة، مثل ما وجب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لحق النبوة. إلى هنا أكتفي. وحين حضرت أمير المؤمنين عليه السلام الوفاة عين ولده الأكبر، الإمام الحسن بن علي عليه السلام وصيا له وخليفة من بعده، وذلك بوصية مسبقة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأشهد بذلك أهل بيته وسائر أبنائه، وكبار أصحابه من شيعته. ولما قبض أمير المؤمنين عليه السلام خطب الإمام الحسن عليه السلام خطبة ذكر فيها فضل أبيه وفضله وفضل أهل بيته، ثم جلس، فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال: معاشر الناس، هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه. فقالوا: ما أحبه إلينا وأوجب حقه علينا. وبادروا إلى البيعة له بالخلافة وذلك يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتب العمال وأمر الأمراء وأنفذ عبد الله بن العباس إلى البصرة ونظر في الأمور. قتل ابن ملجم قتل ابن ملجم: أدخل ابن ملجم على أمير المؤمنين عليه السلام وهو مسجى، فقال له: أي عدو الله، ألم أحسن إليك؟ قال: بلى.
قال: فما حملك على هذا؟ فسكت فلم يجب، ثم التفت إلى أولاده خاصة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام وقال: النفس بالنفس، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن سلمت فأنا ولي دمي، رأيت فيه رأيي، وأوصى به وقال أطعموا م أسيرك من طعامكم، فأخذوه إلى الحبس، وأحدق به الناس يحاولون أن ينهشوا لحمه بأسنانهم. فلما فرغ الإمام من دفن أبيه بعث إلى ابن ملجم فأحضره، فقال للإمام عليه السلام هل لك في خصلة إني أعطيك عهد الله فإن شئت خليت بيني وبين معاوية حتى أقتله، فإن لم أقتله وبقيت، أن آتيك حتى أضع يدي في يدك. فقال الإمام عليه السلام: لا والله حتى تعاين النار، ثم قدمه وضرب عنه. وأخذ الناس جيفته فأدرجوه في بواري وأحرقوه بالنار. وقال المفيد (قدس سره) في الإرشاد: استوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته من الإمام عليه السلام لتولى إحراقها فوهبها لها فأحرقتها بالنار. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي إسحاق الهمداني: رأيت ابن ملجم قاتل علي بن أبي طالب عليه السلام يحرق بالنار في أصحاب الرماح.
الفصل الثالث: فضائله، ومناقبه، ومحاسن أخلاقه، ومعجزاته عليه السلام
شذرات من فضائله عليه السلام:
روى مرفوعا إلى أم الفضل قالت: قلت يا رسول الله، رأيت (في المنام) عضوا من أعضائك في بيتي. قال صلى الله عليه وآله وسلم: خيرا رأيت، تلد ابنتي فاطمة غلاما. وترضعيه بلبن قثم، فولدت فاطمة الحسن عليه السلام، بلبن فأرضعته قثم. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. الحديث. ذكر في أخبار أصفهان ج 1 ص 44، ما معناه: الحسن ابن علي بن أبي طالب: سيد شباب أهل الجنة، والمصلح بين المسلمين، شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحبيبه، سليل الهدى، وحليف أهل التقى، ورابع(27) أهل الكساء وابن سيدة النساء. وفي ج 2 ص 242، عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ألا إن الحسن بن علي قد أعطي من الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم ما خلا يوسف بن يعقوب. وفي تهذيب ابن عساكر ج4 ص 199 و211 نظير ذلك.
وفي الإستيعاب ج1 ص385 لا أسود ممن سماه رسول الله سيدا. وكان رحمة الله عليه حليما، ورعا فاضلا. كما ذكر قبل ذلك في تاريخ الخلفاء ص 72، وفي طبقات الشعراني، وفي البداية ج 8 ص 37 وغيرهم.
وقد أطبق الجميع على حلمه، وفضائله، ومواقفه الحكيمة، وشجاعته الفذة، وزهده، وورعه، وكلما يقال في شأنه فهو دون مقامه، كيف لا؟ فهو عين قريش وأوسطهم، وسيد بني هاشم بعد جده وأبيه، ومن أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بنص الكتاب، وسيد شباب أهل الجنة، ومن يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته، وأفضل الناس علما، وحلما، وورعا، وكرما بعد جده وأبيه، فلا يقاس به من الناس أحد. عبادته: أمالي الصدوق: قال الإمام الصادق عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه عليهما السلام أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حج حج ماشيا، وربما مشى حافيا، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، ويسأل الله الجنة، ويعوذ به من النار، وكان عليه السلام لا يقرأ من كتاب الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال: لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكرا لله سبحانه: وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقا.(28) حج عليه السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا وإن النجايب لتقاد معه.(29) كان إذا توضأ ارتعدت مفاصله، واصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حق على كل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه، وترتعد مفاصله. يا بن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا، وارض بما قسم الله تكن غنيا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك بمثله تكن عدلا، إنه كان بين أيديكم قوم يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ويأملون بعيدا، أصبح جمعهم بورا، وعملهم غرورا، ومساكنهم قبورا، يا ابن آدم، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، فجد بما في يده لما بين يديك، وإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع.
فصاحته وبلاغته عليه السلام:
في كتاب العدد: قيل طعن أقوام من أهل الكوفة في الحسن بن علي عليهما السلام فقالوا: إنه عي لا يقوم بحجة، فبلغ ذلك ر أمي المؤمنين عليه السلام فدعا الحسن وقال: يا ابن رسول الله، قم فاخطب الناس. فصعد عليه السلام المنبر فخطب خطبة بليغة وجيزة، فضج الناس، فقال منها: أيها الناس اعقلوا عن ربكم (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)(30) فنحن الذرية من آدم، والأسرة من نوح، والصفوة من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، وآل من محمد صلى الله عليه وآله وسلم، نحن فيكم كالسماء المرفوعة، والأرض المدحوة، والشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة، لا شرقية ولا غربية التي بورك زيتها، النبي أصلها، وعلي فرعها، ونحن والله ثمرة تلك الشجرة، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجى، ومن تخلف عنها فإلى النار هوى. فقام أمير المؤمنين عليه السلام فصعد المنبر مع الحسن فقبل ما بين عينيه، ثم قال: يا ابن رسول، أثبت على القوم حجتك، وأوجبت عليهم طاعتك، فويل لمن خالفك.(31) حلمه عليه السلام: كانت سيرته عليه السلام سيرة جده وأبيه عليهما السلام في الصفح عن المسئ، والعفو عند المقدرة، والتواضع، إلى غير ذلك من المزايا الحميدة، والصفات الكريمة. وما أحوج الأمة إلى تبني هذه السيرة والسير في هذا الطريق، ليعود لها ماضيها المجيد، وعزها التليد.
نذكر في هذا الفصل