المحتويات
2016/09/04
 
2023
شبهات وردود: الشبهة الثانية: شبهة التناقض بين صلح الحسن عليه السلام وقتال الحسين عليه السلام

شبهات وردود: الشبهة الثانية: شبهة التناقض بين صلح الحسن عليه السلام وقتال الحسين عليه السلام

شبهات و ردود

الشبهة الثانية: شبهة التناقض بين صلح الحسن عليه السلام وقتال الحسين عليه السلام

السيد مهدي الجابري

مقدمة المركز
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين، آمين ربّ العالمين.
أهل البيت عليهم السلام شخوص نورانية وأشخاص ملكوتية، منها ولأجلها وُجِدَ الكون، وإليها حساب الخَلق، يتدفَّقون نوراً وينطقون حياةً، شفاههم رحمة وقلوبهم رأفة، وُضِع الخير بميزانهم فزانوه عدلاً، ونَمَت المعرفة على ربوع ألسنتهم فغذّوها حكمةً.
أنوارٌ هداة، قادةٌ سادات، (ينحدرُ عنهم السيل، ولا يرقى إليهم الطير)، ألفوا الخَلق فألفوهم، تصطفُّ على أبوابهم أبناء آدم متعلِّمين مستنجدين سائلين، وبمغانمهم عائدين.
لا يُكرِهون أحداً على موالاتهم ولا يُجبِرون فرداً على اتِّباعهم، يُقيّد حبّهم كلّ من استمع إليهم، ويشغف قلب كلّ من رآهم، منهجهم الحقّ وطريقهم الصدق وكلمتهم العليا، هم فوق ما نقول ودون ما يقال من التأليه، هم أنوار السماء وأوتاد الأرض.
والإمام الحسن المجتبى عليه السلام هو أحد هذه الأسرار التي حار الكثير في معناها، وغفل البعض عن وجه الحكمة في قراراتها، وباع آخرون دينهم بدنيا غيرهم، فراحوا يُسطرون الكذب والافتراءات عليه، والتي جاوز بعضها حدّ العقل، ولم يتجاوز حدّ الحقد المنصبّ على بيت الرسالة.
وقد اهتمَّ مركز الإمام الحسن عليه السلام للدراسات التخصّصية بكتابة البحوث والدراسات وتحقيق المخطوطات التي تعنى بشأن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ونشرها في كتب وكتيّبات بالإضافة إلى نشرها على مواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة للمركز.
بالإضافة إلى النشاطات الثقافية والإعلامية الأُخرى التي يقوم بها المركز من خلال نشر التصاميم الفنّية، وإقامة مجالس العزاء، وعقد المحاضرات والندوات والمسابقات العلمية والثقافية التي تثرى بفكر أهل البيت عليهم السلام وغيرها من توفيقات الله تعالى لنا لخدمة الإمام المظلوم أبي محمّد الحسن المجتبى عليه السلام.
وهذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ هو أحد تلك الثمار التي أينعت، والتي لا تهدف إلَّا إلى بيان شخصية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بكلِّ أبعادها المضيئة ونواحيها المشرقة، ولرفد المكتبة الإسلاميَّة ببحوث ودراسات عن شخصية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
ومن الله التوفيق والسداد.

العتبة الحسينية المقدَّسة
مركز الإمام الحسن عليه السلام للدراسات التخصّصية
كاظم الخرسان

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين. وبعد.. فإن مناوئي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في كل مكان وزمان قد دأبوا على إثارة كلّ ما مِن شأنه أنْ يقدح في عصمتهم وإمامتهم، فآذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، بإيذائهم عليهم السلام ، مع ما صرّح به صلى الله عليه وآله وسلّم في عدّة مواطن أنّ من آذاهم فقد آذاه ومن حاربهم فقد حاربه، إلا أن أصحاب الأقلام المأجورة أبوا ذلك فاعتمدوا في إثارة شبهاتهم على رواياتٍ ضعيفة السند وغريبة المتون، محاولين التشكيك بفضائلهم عليهم السلام وصرف أنظار المسلمين عنهم، وأحد أولئك الأبرار الإمام الحسن المجتبى عليه السلام الذي وجّه الأمويون ومناصروهم قوارصهم نحوه فأثاروا ضده كثيراً من الشبهات، إلا أنّ وهنها-كما سيتضح- يفوق وهن خيط العنكبوت، وأنها لا تنطلي إلا على الذين سلّموا قيادهم للباطل فانقادوا له، ولأجل ذلك انعقد العزم على تأليف هذه السلسلة والتي من خلالها سندحض تلك الشبهات التي أُثيرت حول المجتبى عليه السلام ، وسيتضح جلياً أنّ تلك الشبهات التي حيكت ضده عليه السلام ما هي إلّا "فقاقيع" سنحت لها الفرصة لتطفوَ على السطح، ثم تتلاشى كأنْ لم تكنْ، ومن الله نستمد التوفيق ونستلهم الصواب.

العتبة الحسينية المقدَّسة
مركز الإمام الحسن عليه السلام للدراسات التخصصية
الشعبة العلمية/ السيد مهدي الجابري

الشبهة:

إنَّ الحسن عليه السلام صالَح معاوية وسلَّمه الحكم في وقتٍ كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكِّنه من مقاتلته، وخرج الإمام الحسين عليه السلام في قِلَّةٍ من أصحابه على يزيد بن معاوية في وقتٍ كان يمكنه فيه المصالحة والموادعة!!!
ولا يخلو أن يكون أحدهما على الحق، فيكون الآخر على خلافه؛ لأنَّ القول بأنَّ كليهما كانا على الحق يكون جمعاً بين النقيضين، واجتماع النقيضين محال.
وعليه، فإذا كان أحدهما على خلاف الحقِّ فسوف تبطل عصمته، وبالتالي تبطل إمامته؛ لأنَّ العصمة مِن أهمِّ خصائص الإمام عند الشيعة، فلا يكون غير المعصوم إماماً عندهم، وإذا بطلت إمامة أحدٍ ممّن يُدّعى إمامتهم عند الشيعة سوف يبطل أصل الإمامة عندهم؛ لأنَّ الأئمّة عند الشيعة معيَّنون منصوصٌ عليهم. وإذا بطل هذا الأصل بطل التشيُّع بكامله.
ردُّ الشبهة:
وللجواب عن هذه الشبهة, نقول:
أوّلاً: إنَّ هذا الإشكال ليس تامّاً، بل الثابت أنَّ الإمام الحسن عليه السلام قد انهار جيشه بسبب الخيانات التي حصلت من بعض القادة، ودونك هذا النص التاريخي: (... فلمّا كان من غدٍ وجّه معاوية بخيله إليه, فخرج إليهم عبيد الله بن العبّاس فيمن معه، فضربهم حتّى ردّهم إلى معسكرهم، فلمّا كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العبّاس: أنّ الحسن قد راسلني في الصلح وهو مسلّمٌ الأمرَ إليّ فإنْ دخلتَ في طاعتي الآن كنت متبوعاً وإلّا دخلت وأنت تابع، ولك إن جئتَني الآن أنْ أعطيك ألف ألف درهم، يعجَّل لك في هذا الوقت النصف وإذا دخلتَ الكوفة النصف الآخر، فانسلَّ عبيد الله ليلاً فدخل عسكر معاوية فوفّى له بما وعده...)(1).
ووصل الأمر إلى التآمر على تسليم الإمام الحسن عليه السلام نفسه إلى معاوية، وأدرك عليه السلام هذه المؤامرة وكان أمامه خياران: إمّا الاستسلام المُذِل أو الصلح الكريم، فاختار الثاني على الأوّل... وأمّا الإمام الحسين عليه السلام فهو قد خرج ثائراً برجالٍ قلوبهم كزُبر الحديد وقد حقَّق بثورته وأنصاره ما أذهل الدنيا من صنوف البطولة والشجاعة والإباء... فشتّان بين موقف الإمام
الحسن عليه السلام وموقف الإمام الحسين عليه السلام.
ثانياً: إنَّ هذا المورد ليس من اجتماع النقيضين؛ لأنَّ صلح الإمام الحسن عليه السلام كان أمراً مشروعاً بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (إنَّ ابني هذا سيّد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)..
وعليه, فالإمام الحسن عليه السلام كان على الحقِّ في صُلحه، كما صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في الحديبية لمصالح معيَّنة، ولا يمكن لأحدٍ أنْ يقول إنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام غير مشروع، بل الصلح يجوز مع المسلم والكافر على السواء وفق شروطٍ معيَّنة، وثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت مشروعةً أيضاً بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنَّة).. ولما ورد عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم: (حسينٌ منّي وأنا من حسين).. قال المناوي في (فيض القدير): (حسينٌ منّي وأنا منه)، قال القاضي: كأنّه بنور الوحي علِم ما سيحدث بين الحسين وبين القوم فخصّه بالذِّكر وبيّن أنّهما كشيء واحدٍ في وجوب المحبَّة وحرمة التعرُّض والمحارَبة وأكّد ذلك بقوله (أحبَّ اللهُ مَن أحبَّ حسيناً) فإنّ محبَّته محبَّةُ الرسول ومحبَّة الرسول محبَّة الله)(2).. بل جاء الدليل بلزوم نُصرته لمن يدركه، فقد ذكر الشوكاني في (دَرّ السحابة في مناقب القرابة والصحابة): (أخرجَ البَغَوي وابن السكن والبارودي وابن مندة وابن عساكر والطبراني في (الكبير) بإسنادٍ رجالُه ثقات عن أمّ سلمة: (إنَّ ابني هذا - يعني الحسين عليه السلام - يُقتل بأرضٍ من أرض العراق، يُقال لها كربلاء، فمَن شَهِد ذلك منكم فلينصره)(3).. فأين التناقض بين الموقفين وكلاهما حقٌّ مشروع؟! اللّهمّ إلّا أن يقول الخصم إنَّ الحقَّ هو في القتال دائماً دون الصلح مع الطرف الآخر... وهذا لا دليل عليه وإلّا كان فعلُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في الحديبية باطلاً ولا يقول به أَحد... فالحرب والسلم لهما ظروفهما وعواملهما والحقُّ والباطلُ لا يدوران مدار الحرب والسلم -مطلقاً- بمعزلٍ عن العوامل المحيطة بهما.
 

 

الهوامش:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقاتل الطالبيّين: ٤٢.
(2) فيض القدير: ٣ - ٥١٣.
(3) دَرّ السحابة في مناقب القرابة والصحابة: ٢٩٤.