المحتويات
2016/04/30
 
8313
محطات في حياة الإمام الحسن بن علي السبط عليه السلام

محطات في حياة الإمام الحسن بن علي السبط عليه السلام

محطات في حياة الإمام الحسن بن علي السبط عليه السلام
حسن الشيخ عبد الامير الظالمي

مقدمة المركز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين، آمين ربّ العالمين.
أهل البيت عليهم السلام شخوص نورانية وأشخاص ملكوتية، منها ولأجلها وُجِدَ الكون، وإليها حساب الخَلق، يتدفَّقون نوراً وينطقون حياةً، شفاههم رحمة وقلوبهم رأفة، وُضِع الخير بميزانهم فزانوه عدلاً، ونَمَت المعرفة على ربوع ألسنتهم فغذّوها حكمةً.
أنوارٌ هداة، قادةٌ سادات، (ينحدرُ عنهم السيل، ولا يرقى إليهم الطير)، ألفوا الخَلق فألفوهم، تصطفُّ على أبوابهم أبناء آدم متعلِّمين مستنجدين سائلين، وبمغانمهم عائدين.
لا يُكرِهون أحداً على موالاتهم ولا يُجبِرون فرداً على اتِّباعهم، يُقيّد حبّهم كلّ من استمع إليهم، ويشغف قلب كلّ من رآهم، منهجهم الحقّ وطريقهم الصدق وكلمتهم العليا، هم فوق ما نقول ودون ما يقال من التأليه، هم أنوار السماء وأوتاد الأرض.
والإمام الحسن المجتبى عليه السلام هو أحد هذه الأسرار التي حار الكثير في معناها، وغفل البعض عن وجه الحكمة في قراراتها، وباع آخرون دينهم بدنيا غيرهم، فراحوا يُسطرون الكذب والافتراءات عليه، والتي جاوز بعضها حدّ العقل، ولم يتجاوز حدّ الحقد المنصبّ على بيت الرسالة.
وقد اهتمَّ مركز الإمام الحسن عليه السلام للدراسات التخصّصية بكتابة البحوث والدراسات وتحقيق المخطوطات التي تعنى بشأن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ونشرها في كتب وكتيّبات بالإضافة إلى نشرها على مواقع الانترنيت وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة للمركز.
بالإضافة إلى النشاطات الثقافية والإعلامية الأُخرى التي يقوم بها المركز من خلال نشر التصاميم الفنّية، وإقامة مجالس العزاء، وعقد المحاضرات والندوات والمسابقات العلمية والثقافية التي تثرى بفكر أهل البيت عليهم السلام وغيرها من توفيقات الله تعالى لنا لخدمة الإمام المظلوم أبي محمّد الحسن المجتبى عليه السلام.
وهذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ هو أحد تلك الثمار التي أينعت، والتي لا تهدف إلَّا إلى بيان شخصية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بكلِّ أبعادها المضيئة ونواحيها المشرقة، ولرفد المكتبة الإسلاميَّة ببحوث ودراسات عن شخصية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
ومن الله التوفيق والسداد.

العتبة الحسينية المقدَّسة
مركز الإمام الحسن للدراسات التخصّصية
كاظم الخرسان

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
تمثِّل حياة الإمام الحسن بن علي عليه السلام صورة صادقة لما عاناه عترة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله من أعدائهم الذين تلبسوا بالدين من اهل المطامع الدنيوية.
فبالإضافة إلى نزول الايات الكريمة التي تبين منزلة هذه النخبة المصطفاة لهداية البشرية، فقد خصَّهم الرسول الكريم بالاحاديث الشريفة التي تذكر عظيم شأنهم وعلوَ قدرهم، فأكثر من الحديث عنهم، وطلب من الأمة تكريمهم وإجلالهم، وخصَّ الحسنين عليهما السلام بالأحاديث التي رواها محدثو الفرق الإسلامية فقال صلى الله عليه وآله: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنَّة)، وقال: (إنهما إمامان قاماو قعدا)، وقال: (إنّي احبهما وأحب من يحبهما)، وغيرها من الاحاديث.
ولما انتقل إلى جوار ربِّه انقلبت الأمة على أعقابها وقلبت لَهما ظهر المجن وحاربتهما بالإبعاد والطرد والتشريد، فصار الطلقاء وأولاد الطلقاء هم الخلفاء والحاكمون وهم حماة الإسلام، وعدَّوا عترة رسول الله صلى الله عليه وآله خارجين عن الشريعة ومخالفين لإجماع الأمة فحوربوا وطردوا وقتلوا.
وكان الإمام الحسن بن علي عليه السلام أنموذجاً حياً يحكي ظلامة عترة النبي صلى الله عليه وآله وتعسف الأمة معها، فبعد ما عاناه في صغره من فقد والدته وسلبها حقها، عاش حياته مع أبيه يدافع عن الخلافة الحقَّة والإمامة الصحيحة للأمة تحت راية والده أمير المؤمنين عليه السلام، وما عاناه هو وأبوه من خروج الناكثين والقاسطين والمارقين.
ولما آلت إليه الأمور كشَّر الحقد الأموي عن أنيابه وشحذ سلاحه يقاتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وأوَّل أسباطه والخليفة المفروضة على الأمة طاعته.
وطفقت الأقلام المأجورة تنال من شخصية هذا الإمام الفذ والمثل الأعلى في الزهد والتقى والكرم والشجاعة فقالوا إنَّه ضعيف ومزواج ومطلاق وكان طالما يعاكس أباه في الرأي وانَّ ضعفه وحبّه للخوان والنساء جعلاه يتنازل لمعاوية عن السلطة.
وانتهت حياته عليه السلام بجريمة بشعة ارتكبتها الأيادي الأموية في دسّ السمّ إليه عن طريق زوجته جعدة ليذهب إلى لقاء ربِّه راضياً مرضياً لا يقبل أنْ تراق من أجله محجمة دم.
ولم ينتهِ الحقد والدس والتزوير تجاه هذا العنصر النبوي والإمام المظلوم، فلا زال أمثال طه حسين الذين يدّعون انهم يسيرون بالحياد يكيلون التهم للإمام عليه السلام فقد وصفوه بانَّه عثماني الهوى قاتل من أجل الدفاع عن عثمان وهو ضعيف منصرف إلى متاع الحياة الدنيا.
لقد كتب المؤرخون والمفكرون عن حياة الإمام عليه السلام فأبدعوا وأجادوا، وما هذه السطور إلا ملخَّص ومختصر لحياته عليه السلام تلقي الأضواء على سيرته الشريفة وحياته المقدسة، والله ولي التوفيق.

حسن الشيخ عبد الأمير الظالمي
     النجف الأشرف 
  

(١)

هو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف من قريش، وينتهي نسبه الى عدنان.

(٢)

أمه: فاطمة الزهراء بنت النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وهي سيدة نساء العالمين.

(٣)

ولد في المدينة المنورة ليلة 15/ شهر رمضان/ 3ه وقد سماه جده النبي صلى الله عليه وآله الحسن, وفي اليوم السابع من ولادته عق عنه بكبش وحلق شعر رأسه وتصدّق بوزنه فضة وختنه(1).

(٤)

كنيته: أبو محمد وألقابه: السبط, الزكي, المجتبى, النقي, السيد, القائم، الطيب، الوزير، الحجة، الامين، الزاهد.

(5)

أوصافه: كان أبيض مشرّباً بحمرة, أدعج العينين, سهل الخدين, كث اللحية, ذا وفرة, عنقه كأبريق فضة, عظيم الكراديس, بعيد ما بين المنكبين, ربع القامة، من أحسن الناس وجهاً، جعد الشعر حسن البدن(2).

(٦)

رضاعته: روي عن أم الفضل زوجة العباس عم النبي صلى الله عليه وآله أنها قالت: قلت يا رسول الله رأيت في المنام كأن عضوا من أعضائك في حجري, فقال صلى الله عليه وآله: خيراً رأيت, تلد فاطمة غلاماً فتكفلينه, فوضعت فاطمة الحسن فدفعه النبي صلى الله عليه وآله إليها فأرضعته بلبن قثم بن العباس(3)، والرواية ضعيفة فالعباس كان في مكة الى سنة الفتح(8ه) والصحيح أن الإمام عليه السلام أرضعته والدته الزهراء عليها السلام.

(٧)

عاش في كنف جده المصطفى سبع سنوات وستة أشهر, رباه على الإيمان وأرضعه من ثدي الإسلام, وترعرع في حجره, وتغذى من معين رسالته, وقد ورَّثه جده المصطفى: هديَهُ وأدبَهُ وهيبَته وسؤدَده(4). وكان يناغيه فيقول حزّقة، حزّقة ترق عين بقة(5).

(٨)

قال فيه صلى الله عليه وآله
أ. روي عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يأخذ حسناً فيضمه إليه ثم يقول: اللهم إني أحبه فأحبه(6).
ب. قالت عائشة: إن النبي صلى الله عليه وآله كان يأخذ حسناً فيضمه إليه ثم يقول: اللهم إن هذا ابني, وأنا أحبه, فأحبه, وأحب من يحبه(7).
ج. وقال صلى الله عليه وآله: الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا(8).
د. وقال صلى الله عليه وآله للحسن عليه السلام: أشبهت خَلقي وخُلقي(9).
وقال عنه الإمام الصادق عليه السلام: إن الحسن بن علي عليه السلام كان أعبد الناس في زمانه وأفضلهم, وقال عنه أيضاً: إن الحسن بن علي عليه السلام حج خمساً وعشرين حجة ماشياً(10).

(٩)

روي أن عليا عليه السلام كان يرجع إلى البيت من المسجد فيجد ما سمعه في المسجد عند فاطمة عليها السلام فيقول: من أخبرك بهذا؟ تقول: ولدي الحسن, وكان طفلاً(11).

(١٠)

نزلت فيه وفي أخيه وفي أبيه وأمه آية القربى, قوله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(12).
وآية التطهير: (إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(13).

(١١)

صام هو ووالده وأمه وأخوه الحسين عليه السلام ثلاثة أيام وفي كل إفطار يطرق بابهم مسكين أويتيم أوأسير فيعطونه إفطارهم ويبيتون جياعاً فنزلت فيهم الآيات: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا)(14).

(١٢)

قال فيه بعض معاصريه
أ. قال معاوية: ما تكلم عندي أحد أحب إليّ ان لا يسكت من الحسن بن علي(15).
ب. كان أبو هريرة يقول: ما رأيت الحسن إلا وفاضت عيناي, وذلك لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يدخل فمه في فمه ثم يقول: اللهم إني أحبه وأحبُ من يحبه(16).
ج. وقال عبد الله بن الزبير: ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي(17).
د. قال مرون بن الحكم: إنه ليوازن حلمه الجبال(18).

(١٣)
في 26/ ذي القعدة/ 6ه حضر الحسنان بيعة الرضوان واشتركا في البيعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو دليل كمالهما وحجة اختصاص الله تعالى لهما ببيعة رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يبايع صبي في ظاهر الحال غيرهما(19).

(١٤)

وفي 24/ ذي الحجة/ 9ه, وعندما جاء نصارى نجران لمباهلة النبي صلى الله عليه وآله نزلت الآية: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(20), فباهل النبي صلى الله عليه وآله نصارى نجران بولديه الحسن والحسين وابنته فاطمة وابن عمه علي(21).

(١٥)

وفي سنة 9 ه، أشهده النبي صلى الله عليه وآله مع أخيه الحسين حينما كتب كتاباً إلى قبيلة ثقيف فيه شهادة علي والحسنين مع وجود كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار, وبذلك أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يشير إلى فضل الحسنين وانهما مؤهلان لتحمل المسؤوليات الجسام حتى في المعاهدات السياسية مثل هذه(22).

(١٦)

وفي 28 صفر/ 11ه، حين وفاة جده النبي صلى الله عليه وآله غصب أبو بكر إرث أمه فاطمة في فدك, فكان الحسن أحد الشهود الذين جاءت بهم فاطمة للشهادة على احقيتها بفدك وعمره سبع سنوات(23). ولكن ابا بكر رفض شهاداتهم وتمسك بحديث (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) الذي لم يروهِ احد غيره.

(١٧)

انصرف في عهد الخلفاء الثلاثة إلى تعليم الناس وحل مشاكلهم مع والده أمير المؤمنين(24). وكان لا يبارح مسجد رسول اللهصلى الله عليه وآله في العبادة والتعليم.

(١٨)

في 13/ جمادى الآخرة/ 11ه (على أشهر الروايات) استشهدت أمه فاطمة الزهراء متأثرة بآلامها وحزنها على رسول الله صلى الله عليه وآله فكان لذلك أكبر الأثر عليه وعلى أخيه الحسين عليهما السلام.

(١٩)

وبعد أن تولى ابو بكر الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله اعترض على أبي بكر يوماً وهو يخطب على المنبر وقال له: انزل عن منبر أبي!! فأجابه أبو بكر: صدقت والله, إنه لمجلس أبيك لا مجلس أبي(25).

(٢٠)

وفي سنة 23ه وبعد أن طعن ابو لؤلؤة عمر بن الخطاب وعند تعيين عمر بن الخطاب للستة أصحاب الشورى أمر بإحضار الحسن بن علي وعبد الله بن عباس وقال: وأحضروا معكم الحسن بن علي وعبد الله بن عباس فإن لهما قرابة وأرجو لكم البركة في حضورهما(26).

(٢١)

وفي عهد عثمان خرج مع أبيه أمير المؤمنين وجماعة من الصحابة يودع أباذر عند نفيه إلى الربذة وقال له: يا عماه, لولا أنه لا ينبغي للمودع أن يسكت وللمشيع أن ينصرف لقصر الكلام وإن طال الأسف, فاصبر حتى تلقى نبيك وهو عنك راض(27).

(٢٢)

وعندما حوصر عثمان في 18/ ذي الحجة/ 35ه أرسل الإمام علي عليه السلام ولده الحسن للتوسط بين عثمان والثائرين وتلبية مطالبهم وفي كل مرة يرفض عثمان ذلك, وهو القائل لمروان بن الحكم عند قتل عثمان: لقد ارتعدت فرائصك وغشي بصرك, واستغثت بي كما يستغيث العبد بربه, فأنجيتك من القتل(28).

(٢٣)

وفي 24/ ذي الحجة/ سنة 35ه وعندما بويع الإمام علي عليه السلام بالخلافة كان من المبايعين له والمطيعين لأمره والمساعدين له في أمور الخلافة فكان ساعده الأيمن في أحلك الأوقات.

(٢٤)

وفي بداية سنة 36ه، وعندما نكث طلحة والزبير بيعة الإمام واتفقا مع عائشة على حربه, تحرك الإمام علي عليه السلام من المدينة لقتالهم في 29/ ربيع الثاني/ 36ه وعندما وصل الربذة أرسل الرسل يدعو أهل الكوفة للمسير معه لكن أبا موسى الأشعري كان يثبطهم, فأرسل ولده الحسن عليه السلام إليهم مع عمار بن ياسر فاستقبلوه بالتأييد والطاعة والمساندة وقاد منهم جيشاً جراراً التحق بالإمام وهو في ذي قار متجهاً إلى البصرة(29).

(٢٥)

وفي 10/ جمادى الآخرة/ 36ه بدأت حرب الجمل وخطب عبد الله بن الزبير يتهم الإمام علياً بقتل عثمان, فأمره والده أمير المؤمنين أن يرد عليه فخطب عليه السلام وقال: قد بلغنا مقالة ابن الزبير في أبي وقوله إنه قتل عثمان وأنتم يا معاشر المهاجرين والأنصار وغيرهم من المسلمين علمتم بقول الزبير في عثمان, وما كان اسمه عنده وما كان يتجنى عليه(30). وفيها دحض كل ادعاءات ابن الزبير.

(٢٦)

وفي 12/ رجب/ 36ه وصل مع والده أمير المؤمنين إلى الكوفة, فأمره والده أن يخطب في الكوفة فخطب وأبلغ فقال له أمير المؤمنين (يا بن رسول الله, أثبتَّ على القوم حجتك, وأوجبت عليهم طاعتك, فويل لمن خالفك)(31).

(٢٧)

وفي 5/ شوال/ 36ه عند توجه الإمام علي عليه السلام لقتال معاوية في حرب صفين خطب الإمام الحسن عليه السلام في الجيش محرضاً لهم على القتال ومشجعاً لهم على الجهاد(32).

(٢٨)

في 1/ ذي الحجة/ 37ه وعند بداية حرب صفين كان على ميمنة جيش الإمام علي عليه السلام ولده الحسن, وعندما طلب منه عبيد الله بن عمر أن يكون الخليفة مكان أبيه قال: كلا والله لا يكون ذلك, وتنبأ بمقتله, فقتل بعدها بأيام(33).

(٢٩)

وفي شهر صفر من سنة 37ه انتهت معركة صفين وفي طريق عودة الإمام علي عليه السلام من صفين وعند مدينة حاضرين بين الشام والعراق كتب الإمام علي عليه السلام وصيته لابنه الحسن عليه السلام التي تضمنت وصايا ومواعظ وحكماً بليغة(34). وكانت وصية عامة لجميع أولاده وللمسلمين كافة في كل زمان ومكان.

(٣٠)

وفي شهر رمضان/ 37ه عندما انتهت مهزلة التحكيم بخلع أبي موسى الأشعري للإمام أمير المؤمنين عليه السلام بخدعة عمرو بن العاص, قال الإمام علي لولده الحسن: قم يا بني فقل في هذين الرجلين (أبي موسى وعمرو بن العاص), فقام الحسن عليه السلام وخطب الناس وبين بطلان حكم الحكمين ومخالفتهما لما سار عليه رسول الله صلى الله عليه وآله.(35)

(٣١)

شارك في جميع حروب أمير المؤمنين عليه السلام أثناء خلافته في الجمل وصفين والنهروان وكان له أثرٌ حاسم في صد تلك الفتن بدافع الحرص على الإسلام والمسلمين.

(٣٢)

في 19/ شهر رمضان/ 40ه وبعد منتصف الليل خرج الإمام علي عليه السلام إلى المسجد فاضطرب الإمام الحسن من خروجه في هذا الوقت وقال له: ما أخرجك في هذا الوقت؟ قال أمير المؤمنين: رؤيا رأيتها في هذه الليلة فهالتني, قال الحسن عليه السلام: خيراً رأيت, وخيراً يكون, قُصّها عليّ, فراح الإمام علي عليه السلام يقص على ولده رؤياه, فسأله الحسن عليه السلام: ما تأويل هذه الرؤيا؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن صدقت رؤياي, فان أباك مقتول, ولا يبقى في مكة ولا في المدينة بيت إلا دخله الهم والحزن من أجلي, ثم أقسم الإمام على ولده الحسن أن يرجع إلى فراشه فلم يجد الحسن بداً من الرجوع امتثالاً لأمر أبيه.(36) أما الامام أمير المؤمنين عليه السلام فانه مضى الى الجامع يصلي نافلة الفجر.

(٣٣)

19/ شهر رمضان/ 40ه عندما كان الإمام علي يصلي نافلة الفجر في مسجد الكوفة ضربه اللعين عبد الرحمن بن ملجم على رأسه ففاض الدم منه, فكان الحسن أول المسارعين إلى المسجد وحضر إلى جنب أبيه وقال له: من فعل بك هذا؟ قال: عبد الرحمن بن ملجم. فسأله الحسن: عليه السلام من أية جهة خرج؟ قال الإمام: لا يمضي أحد في طلبه فانه سيطلع عليكم من هذا الباب, وفعلاً جيء به, وقد أمر الإمام ولده الحسن عليه السلام أن يصلي بالمسلمين مكانه.(37) وقد صلى الامام الحسن عليه السلام وصلى أبوه أمير المؤمنين عليه السلام جالساً.

(٣٤)

وقبل وفاة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في 21/ شهر رمضان/ 40ه، أوصى الإمام علي لولده الحسن بالخلافة ومن بعده لولده الحسين وأشهد على ذلك ابنه محمداً وباقي أولاده وأهل بيته ورؤساء شيعته وقال في وصيته: يا بني إنه قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أوصي إليك وأدفع إليك كتبي وسلاحي, كما أوصى إلي ودفع الي كتبه وسلاحه, وأمرني أن آمرك أن إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين(38).

(٣٥)

قام الحسن عليه السلام بعد وفاة أبيه ليلة 21/ شهر رمضان/ 40ه بتغسيل والده وتكفينه والصلاة عليه وحمله مع أخوته والمخلصين من أصحابه إلى أرض الغري حيث دفنه هناك ليلاً(39). قال ابن الاثير: والأصح ان قبره هو الموضع الذي يزار ويتبرك فيه(40).

(٣٦)

21/ شهر رمضان/ 40ه وبعد دفن جنازة والده خطب الإمام الحسن عليه السلام بالناس في مسجد الكوفة وبين لهم فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وجهاده في سبيل الإسلام, ثم بين مكانته ونسبه فقام المهاجرون والأنصار وباقي المسلمين بمبايعته خليفة بعد أبيه(41). وبايعته جميع الامصار الاسلامية عدا الشام وكان واليها معاوية.

(٣٧)

بعد أن علم معاوية بمبايعة الناس الحسن بن علي خليفة للمسلمين أرسل العيون والجواسيس لتخذيل الناس عنه, فقبض الإمام الحسن على جاسوسين لمعاوية وأمر بقتلهما وأرسل رسالة إلى معاوية: أما بعد فإنك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال وأرصدت العيون كأنك تحب اللقاء, وما أوشك ذلك فتوقعه إن شاء الله(42).

(٣٨)

أطاعت جميع الأمصار الإسلامية ولاية الحسن عليه السلام فثبّت ولاة أبيه عليها وكتب إلى معاوية يطلب منه التخلي عن الشام فراسله معاوية يهدده بالحرب وأصر على الخروج عليه. وأرسل العيون والجواسيس لتفريق المسلمين وبث الشكوك فيهم.

(٣٩)

بعد مراسلات ومكاتبات مع معاوية تهيأ الإمام لحربه وطلب من الناس الخروج لقتاله وخطب فيهم فقال: أما بعد: فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها, ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين (اصبروا إن الله مع الصابرين) فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه بلغني أن معاوية بلغهُ أنّا كنّا أزمعنا على المسير إليه فتحرّك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة)(43).

(٤٠)

جهز الإمام جيشاً قوامه أربعة آلاف وأرسله إلى النخيلة ثم التحق به, وأقام ثلاثة أيام هناك, ولما سمع بوصول جيش معاوية إلى مسكن (قرب نهر الدجيل) تحرك من النخيلة إلى حمام عمر ثم إلى دير كعب, ومن هناك أرسل طلائع جيشه وعددهم اثنا عشر ألفا بقيادة ابن عمه عبيد الله بن عباس وطلب منه ملاقاة جيش معاوية ثم تحرك الإمام إلى ساباط المدائن, وخطب بالناس ليعرف نواياهم فثار الغوغاء عليه وانتهبوا بساطه وضربه أحدهم بمغول (سيف صغير) في فخذه فحمل على سرير إلى المدائن وكان واليها سعد بن مسعود الثقفي الذي أمر بمعالجته(44).

(٤١)

وصل عبيد الله بن عباس قائد جيش الحسن إلى الحلوبية (قرب مسكن) فأغراه معاوية بالمال إن ترك الجيش, فترك جيشه والتحق بمعاوية فتأمر على الجيش قيس بن سعد بن عبادة, وقد أثر في الجيش هروب عبيد الله وبان الانكسار فيهم(45). وكتب قيس بن سعد بذلك الى الإمام الحسن عليه السلام واعلمه تسلمه قيادة الجيش.

(٤٢)

كثرت الإشاعات في جيش الإمام أنه يريد الصلح مع معاوية وأرسل رؤساء بعض العشائر إلى معاوية يعرضون عليه تسليم الإمام مع قلة جيشه وتفككه, وعندها أرسل معاوية وفداً يطلب الصلح من الحسن ومعه وثيقة بيضاء مختومة وموقعة من قبله بأن يملي الحسن شروطه فيها, فلم ير الحسن بداً من الصلح لحقن الدماء وحفظ البقية من المسلمين ولظروف جيشه المتخاذل فوافق على الصلح مع معاوية(46). بشروط أملاها الامام ووافق عليها معاوية.

(٤٣)

عقد الصلح مع معاوية على ترك سب الإمام علي عليه السلام والسير بكتاب الله وسنة نبيه وأن لا يعهد معاوية من بعده إلى أحد ويكون الأمر من بعده للحسن فإن لم يوجد فللحسين, والحسن وأهل بيته آمنون على أموالهم ونسائهم(47). وغيرها من الشروط التي ذكرتها الكتب التاريخية.

(٤٤)

وصل معاوية النخيلة وصعد المنبر وقال خطبته المشهورة (ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وإن كل شرط أعطيته للحسن فهو تحت قدمي هذين ونال من الإمام أمير المؤمنين) فصعد الحسن وخطب وفضح خطط معاوية وبين نسبه وجاهليته(48). وأبان نسبه العلوي وشرفه ونسبه الى رسول الله صلى الله عليه وآله.

(٤٥)

تعرض الإمام الحسن للنقد من كبار شيعته فأجابهم بأنه قبل الصلح حقناً للدماء وحفاظاً عليهم وبسبب ضعف جيشه وتخاذله حتى لا يؤخذ لمعاوية أسيراً(49). فيطلق سراحه وتكون سُبّة على بني هاشم الى آخر الدهر.

(٤٦)

وفي 25/ ربيع الثاني/ 41ه خرج الامام الحسن عليه السلام من الكوفة مع ذريته وأهل بيته وجميع بني هاشم عائدا إلى مدينة جده, وقد ودعته الكوفة بالبكاء والحزن(50). وقد عزم عليه بعض المخلصين من شيعته البقاء فيها فرفض ذلك.

(٤٧)

استقبلته المدينة المنورة بالفرح والسرور حيث ظلَّ فيها وأنشأ مدرسة فكرية وعلمية في تفسير القرآن ورواية الحديث والفقه والأخلاق, تخرج منها جهابدة العلماء أمثال الحسن المثنى, والمسيب بن نجبة, وسويد بن غفلة, والأصبغ بن نباتة وغيرهم(51). وكان يحج كل عام منها الى مكة ماشياً على قدميه.

(٤٨)

سار إلى معاوية ووصل دمشق لنشر مذهب أهل البيت وإعلاء كلمة الإسلام وهناك عُقدت له المجالس وضم مجلسٌ أعداء الإمام لينالوا منه فقابلهم الإمام الحسن عليه السلام وأظهر خسة أحسابهم وأشار إلى عيوبهم وكفرهم ومقاتلتهم الإسلام, وكان منهم مروان بن الحكم, وعمرو بن العاص, والمغيرة بن شعبة, وغيرهم(52). كما وجه كلامه الى معاوية ولامه على استدعاء هؤلاء.

(٤٩)

27/ ذي الحجة/ 49ه أراد معاوية أن يعهد لولده يزيد بالخلافة فتآمر فعزم على قتل الحسن عليه السلام وأرسل السم القاتل إلى زوجته جعدة وأغراها بالمال ووعدها بالزواج من ابنه يزيد فسقت الإمام سماً قاتلاً بقي بعده أربعين يوماً ثم قضى نحبه شهيداً مسموماً في 7/ صفر/ 50ه, وقبل أن يموت قال في معاوية: (والله لقد حاقت شربته, وبلغ أمنيته, والله ما وفى بما وعد, ولا صدق فيما قال)(53). وقد أورد الكثير من المؤرخين خبر تآمر معاوية على الإمام عليه السلام ودس السم إليه.

(٥٠)

أوصى بالإمامة لأخيه الحسين عليه السلام وقال لأخيه محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسدي, إمام بعدي, وعند الله في الكتاب ووراثة النبي التي أصابها من وراثة أبيه وأمه(54).

(٥١)

أوصى الإمام الحسن بأن يدفن عند قبر جده الرسول صلى الله عليه وآله فإن لم يمكن فعند جدته فاطمة بنت أسد في البقيع, وقد رفضت عائشة دفنه عند جده وقالت: لا تدخلوا بيتي من لا أحب, وعندما أراد بنو هاشم أن يمروا جسد الإمام بجدِّه للزيارة رفض بنو أمية ورموه بالسهام فهدأهم بنو هاشم وعكفوا بجنازة الإمام إلى البقيع فدفنوه عند قبر جدته فاطمة بنت أسد(55).

(٥٢)

قام الوهابيون سنة 1924م بهدم قبر الحسن عليه السلام مع قبور أئمة البقيع وباقي أصحاب الرسول وزوجاته بغضاً منهم لهم. ولا يزال مهدوماً الى يومنا هذا.

(٥٣)

خلف الحسن عليه السلام عدداً من الأبناء والبنات قتل عدد منهم مع عمهم الحسين عليه السلام في كربلاء, وأكثر ذريته من ولده الحسن المثنى الذي جرح في الطف وشفي. وثبت كذب الروايات التي تتهم الإمام الحسن عليه السلام بكثرة الزوجات ناقشه مفكروا الشيعة وعلماؤهم.
 
 
 
الهوامش:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار للمجلسي- 43 / 240 ح8.
(2) الذرية الطاهرة، الدولابي، 119.
(3) بحار الانوار/ المجلسي: 43 / 242.
(4) سيرة رسول الله واهل بيته/ مؤسسة البلاغ ص19.
(5) بحار الانوار: 16 / 75.
(6) الفصول المهمة/ لابن الصباغ المالكي/ 45.
(7) ن. م ص45.
(8) البداية والنهاية/ ابن كثير 8 / 34.
(9) مناقب ابن شهر آشوب: 4 / 2.
(10) المجالس السنية/ السيد محسن الامين ج2 ص345.
(11) بحار الأنوار: المجلسي: 43 / 338.
(12) الشورى/ 23.
(13) الاحزاب/ 33.
(14) الدهر/ 10.
(15) تاريخ اليعقوبي: 2 / 202.
(16) تاريخ دمشق/ ابن عساكر/ 7 / 10.
(17) تاريخ دمشق/ ابن عساكر/ 4 / 70.
(18) شرح نهج البلاغة: ابن ابي الحديد: 4/ 108.
(19) الارشاد/ الشيخ المفيد/ 219.
(20) آل عمران/ 61.
(21) اعلام الهداية/ مجمع اهل البيت/ ص59.
(22) اعلام الهداية/ مجمع اهل البيت/ ص59.
(23) ن. م/ ص61.
(24) سيرة النبي وأهل بيته/ مؤسسة البلاغ/ ص17.
(25) الصواعق المحرقة/ ابن حجر/ 175.
(26) الإمامة والسياسة/ الدينوري/ 1 / 28.
(27) شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد / 8 / 253.
(28) ن. م 3 / 8.
(29) تاريخ الطبري: 3 / 393.
(30) حياة الامام الحسن/ باقر القرشي: 1 / 444.
(31) البحار/ المجلسي: 43 / 358.
(32) شرح نهج البلاغة: 1 / 283.
(33) حياة الإمام الحسن/ باقر القرشي 1 / 492.
(34) اعلام الهداية/ المجمع العالمي/ ص102.