حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل الجزء الثاني
تأليف: الشيخ باقر شريف القرشي
الناشر: دار البلاغة
محتويات الكتاب
البسملة مع آي من الذكر الحكيم
الإهداء
أمام الكتاب
بنو هاشم وبنو أمية والحسن ومعاوية
البيعة
قبول الخلافة
عموم البيعة
إحكام الدولة
أخطاء تاريخية
المسعودي
فريد وجدي
الخضرى
طه حسين
الحرب الباردة
المؤتمر الأموي
مذكرة الإمام
جواب معاوية
مذكرة ابن عباس
جواب معاوية
رسالة ابن عباس للإمام
رسالة الإمام الى معاوية
جواب معاوية
مذكرة معاوية
جواب الإمام
اعلان الحرب
مذكرة معاوية لعماله
فزع العراقيين
اختيار عبيد الله
عدد الجيش
وصف الجيش
الشيعة
المحكمة
أصحاب المطامع
الشكاكون
أتباع الرؤساء
أخطاء تاريخية
الحاكم
اليعقوبي
ابن كثير
طه حسين
فى المدائن
حوادث مسكن
بث الجواسيس
رشوة الوجوه
اغراؤه لعبيد الله
غدر وخيانة
اضطراب الجيش
أكاذيب وأضاليل
خلاصة الأحداث
حوادث المدائن
إذاعة الذعر
رشوة الزعماء
تأثير الرشوة
نهب أمتعة الإمام
تكفيره
اغتياله
الموقف الرهيب
أسباب الصلح:
(1) تفلل الجيش
(أ) تضارب الحزبية فيه
الحزب الأموي
الحزب الحروري
(ب) السأم من الحرب
الحروب المتتالية
الياس من الغنائم
(ج) فقد القوى الواعية
(د) الدعوة الى الصلح
(ه) خيانة عبيد الله
(و) رشوات معاوية
(ز) الإشاعات الكاذبة
(2) قوة العدو
(أ) طاعة الجيش
(ب) بساطة وسذاجة
(ج) اتفاق الكلمة
(د) ضخامة القوى العسكرية
(ه) حاشيته
(و) ضخامة الأموال
(3) اغتيال أمير المؤمنين
(4) حقن الدماء
(5) منة معاوية
(6) حوادث المدائن
(7) الحديث النبوي
(8) العصمة
(9) ابراز الواقع الأموي
أبو سفيان وهند
ما أثر عن النبي في معاوية
عداؤه للنبي
تعطيله الحدود
إباحته للربا
الأذان في صلاة العيد
الخطبة قبل صلاة العيد
أخذ الزكاة من الأعطية
تطيبه في الاحرام
استعماله أواني الذهب والفضة
لبسه الحرير
استحلاله أموال الناس
شراؤه الأديان
خلاعة ومجون
افتعال الحديث
استلحاقه زيادا
الاستياء الشامل
الإمام الحسن
الإمام الحسين
يونس بن عبيد
عبد الرحمن ابن الحكم
أبو العريان
أبو بكرة
يزيد بن المفرغ
الحسن البصري
السكتواري
عماله وولاته
سمرة بن جندب
بسر بن أرطاة
أبو هريرة
زياد بن أبيه
الجور الشامل
سياسة أهل البيت
السياسة البناءة
نظرهم الى الخلافة
المثل العليا
(أ) العدل
(ب) المساواة
(ج) الحرية
(د) الصراحة والصدق
(ه) الولاة والعمال
(و) الخدمة العسكرية
(ز) السياسة المالية
بنود الصلح:
وثيقة الصلح
مكان الصلح
عام الصلح
دراسة وتحليل
العمل بكتاب الله
ولاية العهد
الأمن العام
عدم تسميته بأمير المؤمنين
عدم اقامة الشهادة
ترك سبّ أمير المؤمنين
الأمن العام للشيعة
خراج دارابجرد
عدم البغي عليهم
موقف الامام الحسين:
اجتماع الامام بمعاوية:
خطاب الإمام الحسن
موقف الزعيم قيس
المنددون بالصلح:
حجر بن عدي
عدي بن حاتم
المسيب بن نجبة
مالك بن ضمرة
سفيان بن أبي ليلى
بشير الهمداني
سليمان بن صرد
عبد الله بن الزبير
أبو سعيد
بعض أصحابه
الى يثرب:
مدرسته
عطفه على الفقراء
الاستجارة به
مع حبيب بن مسلمة
مع معاوية فى يثرب
الحزب السياسي
الى دمشق:
مناظراته
خرق معاوية شروط الصلح:
(1) سبه لأمير المؤمنين
المنكرون ذلك
سعد بن أبي وقاص
السيدة أم سلمة
عبد الله بن عباس
الأحنف بن قيس
كثير بن كثير
أنيس الأنصاري
زيد بن أرقم
أبو بكرة
(2) خراج دارابجرد
(3) شيعة أمير المؤمنين
حجر بن عدي
ضحايا العقيدة من أصحاب حجر
عبد الرحمن
صيفى بن فسيل
قبيصة بن ربيعة
شريك بن شداد الحضرمى
كدام بن حيان العنزي
محرز بن شهاب التميمي
صدى الفاجعة
(أ) الامام الحسين
(ب) عائشة
(ج) الربيع بن زياد
(د) الحسن البصري
(ه) عبد الله بن عمر
(و) معاوية بن خديج
رشيد الهجري
عمرو بن الحمق الخزاعي
أوفى بن حصن
جويرية بن مسهر العبدي
عبد الله بن يحيى الحضرمى
هدم دور الشيعة
عدم قبول شهادة الشيعة
اشاعة الارهاب والاعتقال
محمد بن أبي حذيفة
عبد الله بن هاشم المرقال
عبد الله بن خليفة الطائي
صعصعة بن صوحان
عدي بن حاتم
جارية بن قدامة
ترويع نساء الشيعة
الزرقاء بنت عدي
أم الخير البارقية
سودة بنت عمارة
أم البراء بنت صفوان
بكارة الهلالية
أروى بنت الحارث
عكرشة بنت الأطرش
الدارمية الحجونية
المؤتمر الحسيني
(4) البيعة ليزيد
دعوة المغيرة
وفود الأمصار
سفرة معاوية الأولى ليثرب
سفره الثاني الى يثرب
خطبة الامام الحسين
عائشة وبيعة يزيد
ازواجه وعقبه:
فرية المنصور
مخاريق لامنس
نهاية المطاف:
أقوال غريبة
موته بالسل
سمّه في العصا
سمّه في الطواف
موته حتف أنفه
وصيته للحسين
وصيته لمحمد
الى الرفيق الأعلى
تجهيز الامام
مواكب التشييع
الصلاة على الجثمان
الفتنة الكبرى
اجازة عائشة لدفن عبد الرحمن
على حافة القبر
صدى الفاجعة
يثرب
مكة
البصرة
الكوفة
سرور معاوية
مصادر البحث
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ). (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً). (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). (القرآن الكريم)
إليك. يا من لا تحصى مواهبه وملكاته وعبقرياته.
إليك يا من تمت بخلافته في يوم (عيد الغدير) النعمة الكبرى، وكمل الدين.
إليك. يا وصى رسول الله (ص) وصهره، وصاحبه وخليله إليك. يا أمير المؤمنين.
أتقدم الى روحانيتك المقدسة، وبيدى (الحلقة الثانية) من حياة الامام الحسن، كبير ولدك وشريكك في آية التطهير، وولي عهدك، الذي سكبت في نفسه كمالك اللامتناهي، وغذيته بأروع المثل العليا راجيا من مقامك الرفيع قبولها واذا منحتني القبول وتلطفت علي بالرضا، فهو غاية النجاح ومنتهى الأمل والسعادة لعبدك.
المؤلف
امام الكتاب
قدم الجزء الاول من هذا الكتاب سماحة الامام المغفور له الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء نضّر الله مثواه وقد وعد في تقديمه أن يعطي البيان حقه ويكشف الحجب والغموض، ويرفع الابهام والالتباس في صلح الامام الحسن مع معاوية ـ فيما اذا سمحت له ظروفه بذلك ـ وعند ما انتهى الكتاب من الطبع وعرض عليه كتب هذه الكلمة الرائعة، وهو في أواخر أيام حياته، وقد اشتملت على مواضيع خطيرة، وأبحاث مهمة، وقد ابرز فيها دقائق التأريخ، وهي تعد ـ بحق ـ آية من آيات الفن من حيث العمق والتحليل وروعة الاسلوب وبما أن الكتاب هو الباعث على تحريرها رأينا أن نتوج الجزء الثاني بها، ونتحف القراء بهذه الاضبارة الممتعة من بحوث الامام كاشف الغطاء.
بنو هاشم، وبنو أمية والحسن ومعاوية
العداوات، والتباغض بين الأفراد والقبائل، والجماعات غريزة بعيدة المدى في طبيعة البشر من أول عهده، وبدء وجوده على هذه الكرة من عهد هابيل وقابيل، مستمرة في جميع الاجيال إلى هذا الجيل، ومنشأ العداوة وبواعثها غالبا هو التنافس والتعالي والانانية التي تدفع إلى حب الأثرة والغلبة والسيطرة، والاستيلاء على مال أو جاه، أو ولاية وإمرة وانكى العداوات العداوات التي تبعث عن ترة وطلب ثار وغسل عار وللتشفى والانتقام، ولكن اسوأ العداء أثرا، وأبعده مدى، والذي يستحيل تحويله ولا يمكن زواله هو عداوة الضدية الذاتية، والمباينة الجوهرية كعداوة الظلام للنور، والرذيلة للفضيلة، والقبح للحسن. والشر للخير وامثال ذا، فان هذا العداء والتنافر يستحيل من أن يزول إلا بزوال احدهما إذ كل يضاد الآخر في اصل وجوده وطباع ذاته، وكل واحد يمتنع على الآخر فلا يجتمعان ولا يرتفعان، فالذوات الشريرة بذاتها وفي جوهرها تضاد الذوات الخيرة وتعاديها، وكل واحد من هذين المتضادين المتعاندين يجد ويجتهد في ازالة الآخر ومحوه من الوجود كالنور والظلام لا يجتمعان في محل واحد أبدا، وكل منهما بطباعه يتنافى مع الآخر ويعاديه وكالفضيلة والرذيلة في الانسان، وعلى هذا الطراز، ومن هذا النوع عداوة بنى هاشم وبنى أمية عداوة جوهرية ذاتية يستحيل تحويلها ويمتنع زوالها عداوة الظلام للنور والشر للخير، والخبيث للطيب، ويعرف كل واحد منهما بثماره وآثاره، وقديما قيل: (من ثمارهم تعرفونهم) الشجرة لا تعرف إلا من ثمرها أنها خبيثة أم طيبة، والانسان لا يعرف خبثه وطيبه إلا من أعماله وملكاته وخصاله.
أولد عبد مناف هاشما، وعبد شمس، ونشب العداء بينهما منذ نشا وشبا لا لشيء سوى اختلاف الجوهرين، وتباين الذاتين، ثم استشرى الشر واتسعت عدوى العداء بين القبيلين بحكم الوراثة، وكان لكل واحد من هذا القبيل ضد له من القبيل الآخر، فعدوه بالنسب، هاشم وعبد شمس، وعبد المطلب وأمية، وأبو طالب وحرب، ومحمد (ص) وأبو سفيان، ما اشرقت أول بارقة من اشعة الاسلام، وما اعلن البشير النذير بدعوة التوحيد إلا وثارت نعرة الشرك والوثنية لطمس أنوار الاحدية وقام بحمل معاول المعارضة والهدم لما يبنيه، ويتبناه منقذ البشرية من مخالب الوحشية، قام بها ثالوث الجبت والطاغوت، أبو جهل وأبو لهب وأبو سفيان، وكان الثالث زعيم الحزب الأموى أشدهم مناوئة للاسلام ومحاربة له، نصبوا كل الحبائل، وتوسلوا بجميع الوسائل لاخفات صوته واخماد ضوئه، واعملوا كل بأس، وسطوة في مقاومة تلك الدعوة حتى الجأت جماعة ممن تدين بها فهاجروا إلى الحبشة، وتحمل النبي واصحابه من الاضطهاد والأذى أكثر من عشر سنين حتى اضطر إلى الجلاء من وطنه ووطن آبائه، ومركز عزه، فهاجر إلى يثرب فطارده أبو سفيان وتلاحقه إلى دار هجرته، وما رفعت راية حرب على الاسلام إلا وبنو أمية وزعيمهم أبو سفيان قائدها ورافعها يلهب نارها ويثير غبارها ويتربص باخماد ذلك النور، الدوائر، ويهيج نعرة القبائل، إلى أن فتح الله الفتح المبين وأمكن الله نبيه من جبابرة قريش وملكهم عنوة، فصاروا عبيدا وملكا بحكم قوانين الحرب، والاستيلاء على المحاربين، بالقوة والسلاح ولكنه سلام الله عليه أطلقهم وعفا عنهم، وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء واكتفى منهم بظاهر الاسلام واطلاق لسانهم بالشهادتين، وقلوبهم مماوءة بالكفر والحقد على الاسلام، يتربصون الفرص لمحو سطوره. وقلع جذوره (ما اسلموا بل استسلموا. ولما وجدوا اعوانا على الاسلام وثبوا) ما تغير شيء من نفسيات أبى سفيان وبنى أميه بعد دخولهم في حظيرة الاسلام قلامة ظفر، إنما تغير وضع المحاربة، وكيفية الكفاح والمقاومة، دخل أبو سفيان ومعاوية في الاسلام، ليفتكوا في الاسلام ويكيدوا له، والعدو الداخل أقدر على الكيد والفتك من العدو الخارج وهذه العداوة ذاتية متأصلة، والذاتي لا يزول وليست هى من تنافس على مال، أو تزاحم على منصب أو جاه، بل هى عداوة المبادئ عداوة التضاد الطبيعي، والتنافر الفطري عداوة الظلام للنور، والضلال للهدى والباطل للحق والجور للعدل، ولذا بقى بنو أمية على كفرهم الداخلي ومكرهم الباطني مع عدادهم في المسلمين وتمتعهم بنعم الاسلام وبركاته لكن لم يمس الاسلام شعرة من شعورهم ولا بلّ ريشة من اجنحتهم، كالبط يعيش طول عمره في الماء ولا يبل الماء ريشة منه (فيما يقولون) نعم أقروا باسلامهم حقنا لدمائهم وتربصا لسنوح الفرصة لهدم عروش الاسلام وقواعده، حتى إذا أدلى من كانت له السلطة بالخلافة إلى أول خليفة منهم طاروا فرحا، وأعلنوا ببعض ما كانت تكنه صدورهم، فجمعهم أبو سفيان وقال: (تلقفوها يا بنى أمية، تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار).
ثم أخذوا زمام الخليفة الأموي بأيديهم، وصاروا يقودونه (كالجمل الذلول) حيث شاءوا، فاتخذوا مال المسلمين دولا، وعباد الله خولا، وانتفضت بلاد المسلمين من جميع أقطارها عليه وعليهم إلى أن حاصروه في داره، وضايقوه على أن يخلع نفسه من الخلافة، ويجعلها شورى بين المسلمين فتقاعس وتصلب أولا، ثم لما اشتد الحصار عليه وحبسوا عنه حتى الماء والطعام تراخت اعصابه، ووهنت اطنابه، وحاول أن يخمد نار الفتنة بخلع نفسه اجابة للثائرين الذين شددوا الحصار فاحس بنو أمية وقيادتهم يومئذ بيد مروان في المدينة، ومعاوية في الشام، بأن صاحبهم إذا خلع نفسه فسوف يفلت الحبل من ايديهم، وقد غلط الدهر أو غلط المسلمون غلطة يستحيل أن يعودوا لمثلها أبدا، وبأي سابقة، أو مكرمة لبني أمية أو جهاد في الاسلام يستحقون أن تكون خلافة المسلمين في واحد منهم، وهم اعداء الاسلام وخصومه في كل موقف من مواقفه، وفي كل يوم من ايامه، أدرك كل ذلك مروان ومن معه من حزبه فتواطئوا مع زعيمهم بالشام أن يجهزوا على صاحبهم فيقتلوه قبل أن يخلع نفسه وقبل أن يفلت حبل الحيلة من أيديهم، نعم يقتلونه ويتخذون قتله ذريعة إلى مطالبة فئة من المسلمين بدمه، ويتظاهرون لسائر المسلمين بأنه قتل مظلوما ولا بد من الأخذ بثاره فيكون أقوى وسيلة إلى استرجاع الخلافة إليهم، ولو لا قتل عثمان وقميص عثمان لما صارت الخلافة إلى معاوية ومروان وابناء مروان، ولكان من المستحيل أن يحلموا بها في يقظة أو منام ولكن جاءت صاحبهم الاول من غير ثمن، وقد دفعها إليه من قبله دفعا نعم اراد السابق أن يحولها عن بني هاشم إلى خصومهم الألداء بني أمية ففتل حبل الشورى، وابرمه بحيث تصير الخلافة لا محالة إلى عثمان، وما اكتفى بذلك حتى نفخ روح الطموح إليها في نفس معاوية الطليق ابن الطليق، وهو وأبوه اكبر الاعداء الألداء للاسلام، كان كل سنة يحاسب عماله ويصادر أموالهم، ويعاملهم بأشد الأحوال إلا معاوية، تتواتر الاخبار لديه بأن معاوية يسرف في صرف أموال المسلمين ويلبس الحرير والديباج فيتغاضى عنه بل يعتذر له، ويقول: (ذاك كسرى العرب)(1) مع أن معاوية كان من الضعة والفقر والهوان باقصى مكان، كان من الصعاليك الساقطين في نظر المجتمع حتى أن أحد أشراف العرب وفد على النبي (ص).
ولما أراد الخروج أمر النبي (ص) معاوية أن يشيعه إلى خارج المدينة وكان الحر شديدا والأرض يغلى رملها ويفور ومعاوية حافي القدمين فقال للوافد الذي خرج في تشييعه:
اردفني خلفك.
ـ أنت لا تصلح أن تكون رديف الأشراف والملوك!.
ـ ألا فاعطني نعليك اتقى بهما حرارة الشمس.
ـ أنت احقر من ان تلبس نعلى.
ـ ما أصنع وقد احترقت رجلاى؟
ـ امشى في ظل ناقتي ولا تصلح لأكثر من هذا!!.
تعسا لك يا زمان وأف لك يا دهر هذا الصعلوك النذل صار أو صيروه كسرى العرب!!!.
نعم: معاوية ومروان هما اللذان دبرا الحيلة في قتل عثمان، ومكنوا الثائرين من قتله، وقضية الجيش الذي أرسله معاوية من الشام إلى المدينة ووصيته له بأن لا يدخل المدينة حتى يقتل عثمان تشهد لذلك وهي مشهورة
نعم: وقد اعانهم على قتله أيضا احدى زوجات النبي التي كانت تهرج على عثمان وتصرخ في النوادى (اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا) ثم بعد أن امتثلوا أمرها وقتلوه، ثارت أو أثاروها إلى الطلب بدمه، وكانت من جراء ذلك واقعة الجمل التي ذهب ضحيتها عشرون الفا من المسلمين، وفتحت باب الحروب بين أهل القبلة، وقال أحد شعراء ذلك العصر يخاطبها ويؤنبها
وأنت البلاء وأنت الشقاء * * * وأنت السحاب وأنت المطر
وأنت أمرت بقتل الامام * * * وقلت لنا إنه قد كفر
وقال الآخر:
جاءت مع الأشقين في هودج * * * تزجى إلى البصرة أجنادها
كأنها في فعلها هرة * * * من جوعها تأكل أولادها
وهذه النكات التي رشح القلم بها هنا وهي من أسرار دقائق التأريخ والتي قلّ من تنبه لها إنما جاءت عفوا، وما كانت من القصد في شيء، إنما المقصود بالبيان ان معاوية وأبا سفيان لما بهرهما الاسلام وقهرهما على الدخول فيه حفظا لحوبائهما(2) من التلف، أظهرا الاسلام صورة واضمرا الكيد والفتك به سريرة، وبقي