المحتويات
2015/08/23
 
7340
الخصائص الحَسنيّة - الأخلاق الحَسنيّة (3)

الخصائص الحَسنيّة - الأخلاق الحَسنيّة (3)

الخصائص الحَسنيّة
سلسلة الأخلاق الحَسنيّة (3)

تأليف: جعفر البياتي
الناشر: العتبة الحسينية المقدّسة
مركز الإمام الحسن عليه السلام للدراسات التخصّصيّة

سوف نتطرَّق في هذا البحث إلى ما أكّدته الوثائق التاريخيّة من بيانات ناطقة بجملة من الخصائص الذاتيّة للإمام الحسن عليه السلام.
ولأجل إلقاء مزيد من الضوء على هذه الخصائص نذكر منها ما يلي:
الخصيصة الأولى: شباهة الإمام الحسن والحسين عليهما السلام بالنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، في أخلاقه وصفاته وشمائله الطيّبة الطاهرة، وهذا ما تأكد في أخبارٍ وفيرة:
ـ فعن ابن أبي مليكة قال: وكانت فاطمة عليها السلام تلعّب الحسنَ وتقول:

اِبني شَبيهٌ بالنبيّ * * * ليس شَبيهاً بِعليّ(1)

ـ وقال ابن عبّاس: إنّه كان يشبَهُه. وفي نقلٍ آخَر: إنّه كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(2).
ـ وعن الزهريّ عن أنس بن مالك قال: كان أشبهَهم بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الحسنُ بن عليّ. وفي نقلٍ آخَر: كان الحسنُ بن عليّ أشبهَهُم بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم(3).
ـ وفي رواية البخاريّ أنّ أنس بن مالك قال: لم يكن أحدٌ أشبهَ بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن بن عليّ(4).
ـ وعن أبي هريرة قال: دخَلَ الحسن بن عليّ وهو مُعْتمّ، فظننتُ أنّ رسول الله قد بُعِث!(5)
ـ وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعتُ أبا جُحَيفة يقول: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الحسن بن عليٍّ يشبَهُه(6). وفي نقلٍ آخر: حدّث إسماعيل بن أبي خالد قائلاً: قلت لأبي جُحَيفة: رأيتَ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: نعم، كان أشبهَ الناس به الحسنُ بن عليّ(7).
ـ وعن البهيّ مولى الزبير قال: تَذاكرْنا مَن أشبَهَ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مِن أهله، فدخل علينا عبد الله بن الزبير فقال: أنا أُحدِّثكم بأشبهِ أهله به وأحبِّهم إليه، الحسنُ بن عليّ..(8).
ـ وروى المتّقي الهنديّ عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام أنّه قال: (مَن سَرَّه أن ينظُر إلى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بينَ عنُقِه إلى وجهه، فَلْينظرْ إلى الحسن بن عليّ. ومَن سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بينَ عنُقِه إلى كعبه خَلْقاً ولوناً، فَلْينظُر إلى الحسين بن عليّ)(9).
ـ ومن حديث ابن سيرين عن أنس بن مالك أنّه قال: كان الحسن والحسين أشبَهَهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(10).
ـ ونقل الهيثميّ الشافعيّ عن محمّد بن الضحّاك بن عثمان الحِزاميّ قوله: كان جسد الحسين شِبْهَ جسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(11).
ـ أمّا البخاريّ فقد روى بسنده عن أنس قوله: أُتيَ عبيدُ الله بن زيادٍ برأس الحسين بن عليٍّ فجُعِل في طست، فجَعَل ينكته وقال في حُسْنه شيئاً! قال أنس: وكان (الحسين) أشبهَهُم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان مخضوباً بالوسمة(12).
ووردت بعض الأخبار تشير إلى شباهة الحسنَينِ عليهما أفضل الصلاة والسلام بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من حيث الشمائل البدنيّة، كخبر هاني بن هاني عن الإمام عليٍّ عليه السلام قوله: (الحسنُ أشبهُ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بينَ الصدر إلى الرأس، والحسينُ أشبهُ بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ما كان أسفلَ مِن ذلك)(13).. فإنّ هذا يعني أموراً كثيرة، منها:
١. أنّ هنالك إرادةً إلهيّةً حكيمةً قاصدة، أن يكون خَلْقٌ شريف شبيهٌ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يأنس أهله والمؤمنون بالنظر إليه، ويذكرهم بالنبيّ في غيابه ورحيله وبعد وفاته، ويدعُوهم إلى مودّةِ قُرباه وحفاظِه في أهل بيته صلوات الله عليه وعليهم.
٢. أنّ سيماء رسول الله حين تتمثّل في رجلٍ كالحسن أو الحسين، فإنّها تجذب الناس إليهما؛ ليتعرّفوا منهما على بقيّة شمائل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومعارفه وأخلاقه الكريمة.
٣. أنّ الشَّبَه البدنيّ لا يعني بالضرورة أبداً أن لا يكون هنالك شَبَهٌ آخَر، فقد نُقل عن أبي حامد الغزاليّ في (إحياء علوم الدين)، وعن المكيّ في (قوت القلوب) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للحسن المجتبى عليه السلام: (يا حَسَن.. أشبَهْتَ خَلْقي وخُلُقي)(14).
وأخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم معروفة وموصوفة، ذكرها الله تعالى في كتابه الحكيم فقال مخاطباً إيّاه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(15). قال المفسّر المعروف السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ: الخُلق هو المـَلَكة النفسيّة التي تصدر عنها الأفعال بسهولة. وينقسم الخُلق إلى: الفضيلة ـ وهي الممدوحة، كالعِفّة والشجاعة. والرذيلة ـ وهي المذمومة، كالشَّرَه والجبن. لكنّ الخُلق إذا أُطلق فُهِم منه الخُلق الحسَن. قال الراغب: خُصّ الخُلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة.
ثمّ قال السيّد الطباطبائيّ: والآية ـ وإن كانت في نفسها تمدح حُسْنَ خُلقِ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وتعظّمه ـ غيرَ أنّها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرةٌ إلى أخلاقه الاجتماعيّة الجميلة المتعلّقة بالمعاشرة: كالثبات على الحقّ، والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم، والعفو والصفح، وسعة البذل، والرفق والمداراة، والتواضع، وغيرِ ذلك(16).
فالإمامان الحسنان سلام الله عليهما يشبهانِ أشرفَ الخَلق وأفضله في جميع خصاله المقدّسة وشمائله الزاكية، وأخلاقه الطيّبة الحسنة، فَمَن أخذ عنهما فقد أخذ عنه صلى الله عليه وآله وسلم، ومَن اقتدى بهما كان قد اقتدى به صلى الله عليه وآله وسلم، كما أنّ مَن أحبّهما ووالاهما وتولّاهما كان قد أحبّه ووالاه وتولّاه صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أشبهاه بدناً وروحاً ونوراً، حتّى قال الشاعر:

مِن صَفْوِ ماءِ الوحيِ وهْوَ مُجاجةٌ * * * مِن حوضِه الينبوعُ وهْوَ شِفٰاءُ
مِن أَيكةِ الفِردَوسِ حيثُ تَفَتَّقَتْ * * * ثَمراتُها وتفيّأَ الأفىاءُ
مِن شُعلةِ القَبَسِ التي عُرِضَت على * * * موسى وقد حارت بهِ الظَّلْمٰاءُ
مِن مَعدِنِ التقديسِ وَهْوَ سُلالةٌ * * * مِن جوهرِ الملكوتِ وَهْوَ ضىاءُ
هذا الذي عَطَفَت عليهِ مكةٌ * * * وشِعابُها والركنُ والبَطْحٰاءُ
فعليهِ مِن سِيما النبيِّ دِلالةٌ * * * وعليه من نورِ الإلهِ بهٰاءُ(17)

الخصيصة الثانية: هي الإمامة التي صرّح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها في خليفته ووصيّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام في مواضع عديدة ومناسباتٍ متعدّدة، على مدى تبليغ الرسالة، وكان أوضح تصريح بعد يوم الدار، ويوم الإنذار، وأحاديث: (خليفتي) و(وصيّي) و(مُؤدّي دَيني).. هو ما أعلنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومَ غدير خمّ وقد نزلت آية التبليغ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ، وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(18)، فكانت عناصر الخطاب الموجَّه إلى حبيب الله المصطفى هي: وجوب تبليغ وصايته وخلافته في الإمام عليٍّ عليه السلام، وضمان الله عصمةَ نبيّه من الناس، وإنذار وتهديد في جهتين: الأُولى ـ (وإنْ لَم تَفعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالتَه)!، والثانية ـ (إنّ اللهَ لايهدِي القَومَ الكافرين)! فلا تبليغَ لرسالة الله بدون تبليغ الولاية الإلهيّة بعد الرسول النبيّ في الإمام الوصيّ، ولا إيمانَ بالله وبدين الإسلام إذا رُفِضَت هذه الولاية المقدّسة التي عيّنها الله وبلّغها رسول الله.
وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبةٌ غَرّاء تقرب من عشرين صفحةً على القراطيس، جاء فيها قوله:
ـ (فاعلَمُوا ـ معاشرَ الناس ـ أنّ اللهَ قد نَصَبه لكم وليّاً وإماماً مفترَضاً طاعتُه ...
ـ معاشرَ الناس، لا تَضِلُّوا عنه، ولا تَنفِروا منه، ولا تستكبروا [خ ل: ولا تستنكفُوا] مِن ولايته؛ فهو الذي يهدي إلى الحقِّ ويعملُ به، ويزهِق الباطلَ وينهى عنه ...
ـ معاشرَ الناس، فَضِّلُوه فَقَد فَضَّله الله، واقبلوه فقد نصَبَه الله.
ـ معاشرَ الناس، إنّه إمامٌ مِن الله، ولن يتوبَ اللهُ على أحدٍ أنكرَ ولايتَه ولن يغفر اللهُ له، حتماً على الله أن يفعلَ ذلك بِمَن خالَفَ أمرَه فيه، وأن يعذِّبَه عذاباً شديداً نُكراً، أبدَ الآبادِ ودهرَ الدهور، فاحذروا أن تُخالفوه فَتَصْلَوا ناراً وَقودُها الناسُ والحجارةُ أُعِدّت للكافرين ...
ـ معاشرَ الناس، إنّ عليّاً والطيّبين مِن وُلْدي همُ الثِّقلُ الأصغر، والقرآنُ الثِّقلُ الأكبر، فكلُّ واحدٍ مُنْبئٌ عن صاحبه وموافقٌ له، لن يفترِقا حتّى يرِدا عَلَيَّ الحوض، هم أُمناءُ الله في خَلقه، وحكماؤُه في أرضه. ألا وقد أدَّيتُ، ألا وقد بَلَّغْت، ألا وقد أسمَعْت، ألا وقد أوضَحْت، ألا وإنّ الله عزّ وجلّ قال وأنا قلتُ عن الله عزّ وجلّ: ألا إنّه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تَحِلّ إمرةُ المؤمنين بعدي لأحدٍ غيرِه! ...
ـ نبيُّكم خيرُ نبيّ، ووصيُّكم خيرُ وصيّ، وبَنُوه خيرُ الأوصياء ...
ـ معاشرَ الناس، إنّه سيكون مِن بعدي أئمّةٌ يدْعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصَرون! معاشرَ الناس، إنّ اللهَ وأنا بريئانِ منهم ...
ـ معاشرَ الناس، إنيّ أدَعُها إمامةً ووراثةً في عَقِبي إلى يوم القيامة.
وقد بلّغتُ ما أُمِرتُ بتبليغه، حُجّةً على كلِّ حاضرٍ وغائب، وعلى كلِّ أحدٍ مِمّن شَهِد أو لم يشهَد، وُلدِ أو لم يولَد، فَلْيبلِّغِ الحاضرُ الغائبَ والوالدُ الولَدَ إلى يوم القيامة. وسيجعلونها مُلكاً واغتصاباً، ألا لَعَن اللهُ الغاصبين والمغتصِبين ...
ـ معاشرَ الناس، إنّكم أكثرُ مِن أن تُصافقوني بِكفٍّ واحدة، وقد أمرني الله عزّ وجلّ أن آخذَ مِن ألسنتِكمُ الإقرارَ بما عقدتُ لعليٍّ مِن إمرة المؤمنين، ومَن جاء بعده من الأئمّة مِنّي ومنه، على ما أعلمتُكم أنّ ذُرّيّتي مِن صُلبه، فقولوا بأجمعِكم: إناّ سامعون مطيعون، راضون منقادون لِما بلّغتَ عن ربِّنا وربِّك في أمر عليٍّ وأمرِ وُلدِه مِن صلبه من الأئمّة، نُبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفُسِنا، وألسنتِنا وأيدينا، على ذلك نحيا ونموت ونُبعَث، لا نغيّر ولا نبدّل، ولا نَشكّ ولا نرتاب، ولا نَرجِع عن عهدٍ ولا ننقض الميثاق، نُطيع اللهَ ونُطيعك، وعليّاً أميرَ المؤمنين، ووُلدَه الأئمّةَ الذين ذكرتَهم مِن ذريّتك من صلبه بعد الحسن والحسين، اللَّذَينِ قد عرّفتُكم مكانَهما منّي ومحلَّهما عندي، ومنزلتَهما مِن ربّي عزّ وجلّ، فقد أدّيتُ ذلك إليكم، وأنّهما سيّدا شبابِ أهلِ الجنّة، وأنّهما الإمامانِ بعد أبيهما عليّ، وأنا أبوهُما قَبلَه.
وقولوا: أطَعْنا اللهَ بذلك وإيّاك وعليّاً والحسنَ والحسينَ والأئمّةَ الذين ذَكرْت، عهداً وميثاقاً مأخوذاً لأمير المؤمنين من قلوبِنا وأنفُسِنا وألسنتِنا، ومُصافَقةِ أيدينا، مَن أدركهُما بيده، وأقرّ بهما بلسانه، ولا نبغي بذلك بَدَلاً، ولا نرى من أنفسنا عنه حِوَلاً أبداً. أشهَدْنا اللهَ وكفى بالله شهيداً، وأنت علينا به شهيد، وكلُّ مَن أطاع مِمّن ظَهَر واستتر، وملائكةُ الله وجنوده وعبيده، واللهُ أكبرُ مِن كلِّ شهيد ...
ـ معاشرَ الناس، مَن يطعِ اللهَ ورسولَه، وعليّاً والأئمةَ الذين ذكرتُهم، فقد فاز فوزاً عظيماً ... اَللهمَّ اغفر للمؤمنين، واغضَبْ على الكافرين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين)(19).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذ بيد عليٍّ عليه السلام في ذلك المحضر الغفير فنادى بالناس: (مَن كنتُ مَولاه فعَليٌّ مولاه، اَللّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه)، فقام سلمان وقال: يا رسولَ الله، ولاءُ عليٍّ ماذا؟ فأجابه: (ولاؤُه كولائي، مَن كنتُ أَولى به مِن نفسه فعليٌّ أَولى به من نفسه). فنزلت الآية المباركة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا)(20)، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهُ أكبرُ بإكمال الدِّينِ وإتمامِ النعمة، ورِضاءِ ربّي برسالتي وولايةِ عليٍّ بعدي).
فقالوا: يا رسول الله، هذه الآياتُ في عليٍّ خاصّة؟
قال: (بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة). قالوا: بيِّنْهم لنا، قال:
ـ (عليٌّ أخي ووارثي ووصيّي، ووليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي. ثمّ ٱبنيَ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ التسعةُ مِن وُلد الحسين. القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارِقونه ولا يفارِقُهم حتّى يرِدُوا علَيَّ الحوض)(21).
والآن.. ألا يحقّ لنا أن نتساءل:
ـ ما يضرّ المسلمين أن يكون الحسنُ والحسين إمامَينِ من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، ووصيَّينِ لرسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام؟
ـ أليس هما مِن أهل بيت الوحي والرسالة، نَشَآ فيه، وعاشا في رعاية النبيّ، وسمعا الوحي والتنزيل، وواكبا وقائع الإسلام؟(22)
ـ أليس هما ٱبنَي رسول الله ـ بنصّ القرآن الكريم ـ، ووَلَدَي عليٍّ وفاطمة عليهما السلام، فَهُما مِن أشرف سُلالةٍ ونَسَب، ومَحْتِدٍ طاهرٍ كريم؟(23)
ـ أليس هما ربيبَيِ الرسالة والرسول، وهما سيِّدَي شباب أهل الجنّة، وريحانتَيِ المصطفى، وبهجةَ قلب عليٍّ وفاطمة الزهراء؟
ـ أليس هما أحقَّ الناس بعد النبيّ والوصيّ والصدّيقة فاطمة أن يفتَخَر بهما، وأن تُعلَن في الآفاق فضائلهما وأخلاقهما؟
ـ فما يضير بعضَهم أن يكون الحسنانِ الطيّبانِ الطاهران إمامَينِ هادِيينِ مُرشِدَينِ للناس إلى حيث العلم والعبادة والتقوى والفضيلة وكلِّ خيرٍ وحقٍّ وسعادة، والى حيث يرضى الله عنهم فيدخِلُهم في رحمته، ويشمِلُهم بمغفرته، ويكرمهم بأبديِّ نعيمه ووسيع جنّته؟
ـ وما الذي حيّر بعضَهم في إمامة الحسنَينِ وهذه النصوص جاءت وفيرةً متواترةً بتعيينهما مِن قِبل الله عزّ شأنه وتبليغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّينِ بعد أبيهما الإمام المرتضى عليه السلام؟
وقد ذكر بعضَ هذه النصوص: الجوينيُّ الشافعيّ في (فرائد السمطين)، والخوارزميّ الحنفيّ في (المناقب)، وابن الصبّاغ المالكيّ في (الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة)، والگنجيّ الشافعيّ في (كفاية الطالب)، وسبط ابن الجوزيّ الحنبليّ ثمّ الحنفيّ في (تذكرة خواصّ الأمّة)، والشيخ سليمان القُندوزيّ الحنفيّ في (ينابيع المودّة) .. وغيرهم من علماء أهل السنّة. كما ذكرها جميع علماء الشيعة المتقدّمين منهم والمتأخّرين: كالشيخ الصدوق في (إكمال الدين وإتمام النعمة)، والشيخ الكلينيّ في (الكافي)، والخزّاز الرازيّ في (كفاية الأثر)، والحرّ العامليّ في (إثبات الهداة)، والشيخ الطبرسيّ في (إعلام الورى بأعلام الهدى).. وعشرات العلماء في عشرات المؤلّفات والمصنّفات.
ـ ولا ندري كيف يتحرّج بعضهم أن يقرّوا بإمامة الحسنَين سِبطَي رسول الله وريحانتَيه، وسيّدَي شباب أهل الجنّة، ولا يتحرّجون أن يقمّصوها مَن ليس له أدنى شباهةٍ بالنبيّ، وليس له أيّ شرطٍ من شروط الوصاية والخلافة والوصيّ، وليس له علمٌ بكتاب الله، ولا بسُنّة رسول الله، أو لم يكن له عهدٌ قريبٌ بالإسلام؟!
وإذا كان للإمامة مؤهِّلاتُها ولياقاتها وشروطها ومواهبها، فضلاً عن تعيّنها ونصوصها، فها هي متجسّدةٌ في أمير المؤمنين، والحسن والحسين، والتسعة المعصومين من أبناء الحسين صلوات الله عليهم أجمعين.. تُنبئ عن إمامتهم سيرتُهم الطاهرة. وقد اقتضى الأمر هنا ـ أيُّها الإخوة الأكارم ـ أن نبيّن ما هيَ الإمامةُ ـ يا تُرى ـ على وصفٍ دقيق، وفيمَن تتمثّل ومَن ينبغي أن يكون الإمامَ الحقّ على نحو التحقيق؟
* روى الكلينيّ عن أبي محمّدٍ القاسمِ بن العلاء رحمه الله رفعه، عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنّا مع الرضا عليه السلام بمَرْو فاجتمَعْنا في الجامع يومَ الجمعةِ فِي بَدْءِ مَقدمِنا فَأداروا أمرَ الإمامةِ وذكروا كثرةَ اختلاف الناسِ فيها، فَدخلتُ على سَيِّدي عليه السلام فَأعلَمتُه خَوضَ الناسِ فيه، فتبسَّمَ عليه السلام ثمَّ قال: (يا عبدَ العزيز [بنَ مسلم]، جهِلَ القوم وخُدِعوا عن آرائهم، إنَّ الله عَزَّ وجلّ لَم يقبض نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم حتى أكمل لهُ الدِّينَ وأنزَلَ عليهِ القرآنَ فيهِ تِبيانُ كلِّ شيءٍ، بيّنَ فيه الحلالَ والحرام، والحدودَ والأحكام، وجميعَ ما يحتاج إلَيه النّاسُ كمُلاً، فقالَ عزَّ وجلَّ: (ما فَرَّطْنا فِي الْكتابِ مِنْ شَيْءٍ)(24)، وأنزلَ في حَجَّةِ الوَداعِ وَهي آخِر عُمرِهِ صلى الله عليه وآله وسلم: (الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكمُ الْإسْلامَ دِيناً)(25)، وأمرُ الإمامةِ مِن تمامِ الدِّين. ولم يمضِ صلى الله عليه وآله وسلم حتى بيّنَ لأُمَّته معالمَ دينهم وأَوضح لهُم سبيلَهُم، وتركهُم على قصدِ سبيلِ الحقِّ، وأقامَ لَهم عليّاً عليه السلام عَلَماً وإماماً، وما تركَ [لَهُم] شيئاً يحتاجُ إليهِ الأُمَّةُ إلّا بيّنه، فَمَن زعمَ أنَّ الله عزَّ وجَلَّ لَم يكمِل دينَهُ فقد ردَّ كتابَ الله، وَمَن ردَّ كتابَ اللهِ فهوَ كافرٌ بهِ.
هَل يعرفون قَدْرَ الإمامة ومحلَّها مِنَ الأُمَّة فيجوزَ فِيهَا اختيارُهُم؟! إنَّ الإمامة أجلُّ قَدْراً وأعظَمُ شأناً وأعلى مكاناً وأمنعُ جانِباً وَأبعَدُ غَوراً من أَن يبلُغَها الناسُ بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقِيموا إماماً باختيارهم. إنَّ الإمامة خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ بِها إبراهيمَ الخليلَ بعدَ النُّبوّة والخُلَّة مَرتَبةً ثالثة، وفضيلةً شرَّفَه بها وأشادَ بها ذكرَهُ فقال: (إنِّي جاعِلُكَ للناسِ إماماً)، فقال الخليلُ عليه السلام سرُوراً بها: (وَمِنْ ذُرِّيَّتي)؟ قالَ الله تَباركَ وَتَعالى: (لا ينالُ عَهْدِي الظّالِمـِينَ)(26)، فأبطَلَت هذه الآيةُ إمامةَ كلِّ ظالم إلى يومِ القيامة، وصارَت في الصَّفوة، ثمَّ أَكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذُرِّيَّتِه أهل الصَّفوة والطَّهارة فقال: (وَوَهَبنا لَهُ إسْحاقَ وَيعقُوبَ نافِلَةً وَكلّاً جَعَلْنا صالِحِينَ * وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَينا إلَيهِمْ فِعْلَ الْخَيراتِ وَإقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ)(27). فَلَم تَزَل في ذرّيَّتهِ يرِثُها بعضٌ عن بعضٍ قَرْناً فقَرناً حتّى ورَّثها الله تعالى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقال جلَّ وتعالى: (إنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإبْراهيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبيُّ وَالَّذينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ)(28)، فَكانت لهُ خاصَّةً فقلَّدَها صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام بِأمرِ الله تَعالى على رَسمِ ما فرضَ اللهُ، فصارتْ في ذرّيَّتِه الأَصفياءِ الَّذينَ آتاهُمُ الله العِلمَ والإيمان، بقَولهِ تعالى: (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَالإيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كتابِ اللهِ إلى يوْمِ الْبَعْثِ)(29)، فَهيَ في وُلدِ عليٍّ عليه السلام خاصَّةً إلى يومِ القيامة، إذْ لا نبيَّ بعدَ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، فَمِن أينَ يختارُ هٰؤلاءِ الجُهّال؟!
إنَّ الإمامة هيَ منزلةُ الأنبياء، وإرثُ الأوصياء، إنَّ الإمامة خِلافةُ اللهِ وخلافةُ الرَّسولِ صلى الله عليه وآله وسلم ومَقامُ أَمير المؤمنينَ عليه السلام وميراثُ الحسن والحسين عليهما السلام.
إنَّ الإمامة زِمامُ الدِّين، ونظامُ المسلمين، وصلاح الدُّنيا وعزُّ المؤمنين. إنَّ الإمامةَ أُسُّ الإسلامِ النامِي، وفرعُه السّامي، بِالإمامِ تَمامُ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصيِّامِ والحَجِّ والجهادِ، وتوفيرُ الفَيءِ والصَّدقاتِ، وإمضاءُ الحدودِ والأَحكامِ، ومنعُ الثُّغورِ والأَطراف.
الإمامُ يحِلُّ حلالَ الله، ويحرِّم حرامَ الله، ويقيمُ حدودَ الله، ويذُبُّ عَن دينِ الله، ويدعُو إلى سَبيلِ رَبِّه بِالحكمةِ والمَوعظَةِ الحسنَةِ والحجّةِ البالغة. الإمامُ كالشَّمسِ الطالِعةِ المجلِّلَةِ بِنُورها للعالَمِ وهيَ في الأُفقِ بحيث لا تنالُها الأيدي والأبصارُ. الإمام البَدرُ المُنيرُ، والسِّراجُ الزّاهرُ والنُّورُ الساطع، والنَّجمُ الهادي في غياهِبِ الدُّجى وأجوازِ البُلدانِ والقِفارِ، ولُججِ البحارِ. الإمامُ الماءُ العَذْبُ على الظَّمَأ، والدّالُّ على الهُدى، والمُنجي منَ الرَّدى. الإمامُ النارُ على اليفاعِ، الحارُّ لِمـَن اصطَلى بهِ، والدَّليلُ في المَهالك، مَن فارَقه فهالِك. الإمامُ السَّحابُ الماطِر، والغيثُ الهاطِل، والشَّمسُ المـُضِيئَة، والسَّماء الظَّليلَة، والأرضُ البَسِيطَة، والعينُ الغزِيرَة، والغدِيرُ والرَّوضَة.
الإمامُ الأَنِيسُ الرَّفيقُ، والوالدُ الشَّفيقُ، والأخُ الشقيقُ، والأُمُّ البَرَّةُ بِالوَلَدِ الصغيرِ، ومَفزَعُ العبادِ في الدّاهيةِ النَّآدِ. الإمامُ أمينُ اللهِ في خَلقهِ، وحجَّتُه على عبادهِ، وخليفَتُه في بلادهِ، والدّاعي إلى الله، والذّابُّ عَن حُرمِ الله.
الإمامُ المُطهَّرُ منَ الذُّنُوبِ، والمُبَرَّأُ عنِ العُيوبِ، المَخصوصُ بالعِلم، المَوسُومُ بالحِلم، نظامُ الدَّين، وَعِزُّ المُسلمين، وغَيظُ المنافقين، وبَوارُ الكافرين. الإمامُ واحدُ دَهره، لا يدانِيه أحد، ولا يعادلُه عالم، ولا يوجَدُ منهُ بدلٌ ولا لهُ مِثلٌ ولا نظير، مخصوصٌ بالفضلِ كلِّه من غير طلبٍ منه له ولا اكتساب، بلِ اختصاصٌ من المفضِّل الوهّاب.
فمَن ذا الَّذي يبلُغُ معرفَةَ الإمامِ أو يمكنُه اختيارُه؟! هيهاتَ هيهات، ضلَّتِ العقول وتاهت الحُلومُ وحارتِ الألبابُ وخَسِئتِ العيون، وتصاغرتِ العظماء، وتحيَّرتِ الحُكماء، وتقاصرَتِ الحُلَماء، وحَصِرتِ الخطباء، وجَهِلتِ الألِبّاء، وكلَّتِ الشُّعراء، وعجزتِ الأُدباء، وعَييتِ البُلَغاء، عن وصف شأنٍ من شأنهِ أو فضيلةٍ من فضائله، وأقرَّت بالعجز والتقصير، وكيفَ يوصَفُ بكلِّه أو ينعتُ بكنههِ أو يفهَم شيءٌ من أمرهِ أَو يوجَدُ من يقومُ مَقامَه ويغني غناه، لا، كيفَ وأَنّى؟! وهوَ بحيثُ النَّجمِ من يدِ المُتَناولين، ووصفِ الواصفين، فأينَ الاختيارُ من هذا، وأينَ العقولُ عن هذا، وأينَ يوجدُ مِثلُ هذا؟!
أتظُنُّونَ أنَّ ذلكَ يوجدُ في غيرِ آل الرَّسولِ مُحمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم؟! كذَبَتْهُم واللهِ أنفسُهم، ومنَّتهمُ الأباطيلُ فارتَقَوا مُرتقى صعباً دَحْضاً تَزِلُّ عنهُ إلى الحضيضِ أقدامُهُم، رامُوا إقامةَ الإمامِ بعقولٍ حائرةٍ بائرةٍ ناقصة، وآراءٍ مُضلَّة، فلم يزدادوا منه إلّا بُعداً، (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنّى يؤفَكونَ)(30)، وَلقد رامُوا صعباً وقالُوا إفكاً، وضَلُّوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في الحيرةِ إذ تركوا الإمامَ عن بصيرةٍ (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)(31). رغبوا عنِ اختيارِ اللهِ واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهلِ بيتهِ إلَى اختيارِهم والقرآنُ يناديهِم: (وَرَبُّكَ يخْلُقُ ما يشاءَ وَيخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمّا يشْرِكونَ)(32)، وقال عزَّ وجلَّ: (وَما كانَ لِمـُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يكونَ لَهُمُ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(33) ـ الآية، وَقالَ: (ما لَكمْ كيفَ تَحْكمُونَ * أَمْ لَكمْ كتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إنَّ لَكمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكمْ أَيمانٌ عَلَينا بالِغَةٌ إلى يوْمِ الْقِيامَةِ إنَّ لَكمْ لَما تَحْكمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذٰلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إنْ كانُوا صادِقِينَ)(34)، وَقالَ عزَّ وجلَّ: (أَفَلا يتَدَبَّرُونَ الْقرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقفالُها)(35)، أَمْ طَبعَ اللهُ على قُلوبِهم فهُم لا يفقَهونَ، أَمْ (قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يسْمَعُونَ * إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكمُ الَّذينَ لا يعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(36)، أَمْ (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَينا)(37)، بَلْ هُوَ (فَضْلُ اللهِ يؤْتِيهِ مَنْ يشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ)(38).
فكيفَ لَهم بِاختيارِ الإمام؟! والإمامُ عالمٌ لا يجهل، وراعٍ لا ينكل، مَعدِنُ القُدسِ والطَّهارَة، والنُّسُكِ والزَّهادَةِ، والعِلمِ والعِبادَة، مخصوصٌ بدعوَة الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم، ونسلُ المُطهَّرَةِ البَتُول، لا مَغمَزَ فيه في نسب، ولا يدانيهِ ذو حَسب، في البيتِ من قريش، والذِّروَةِ مِن هاشم، والعترةِ منَ الرَّسولِ صلى الله عليه وآله وسلم، والرِّضى منَ اللهِ عزَّ وجلَّ، شَرَفُ الأشرافِ، والفَرعُ من عبدِ مَناف، نامي العِلم، كامِلُ الحِلم، مُضطَلِعٌ بِالإمامةِ عالِمٌ بالسِّياسَة، مَفْروضُ الطّاعَة، قائمٌ بِأمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ناصحٌ لعبادِ الله، حافظٌ لدِينِ الله. إنَّ الأنبياءَ والأئمَّةَ صلَواتُ اللهِ عليهم يوَفِّقُهُمُ اللهُ ويؤْتيهِمْ مِن مَخزونِ علمِهِ وحِكمِه ما لا يؤتيه غيرَهم، فيكونُ عِلمُهُمْ فوقَ علمِ أهلِ الزَّمانِ في قولِه تعالى: (أَفَمَنْ يهْدِي إلَى الْـحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يتَّبعَ أَمَّنْ لا يهِدِّي إلّا أَنْ يهْدى فَما لَكمْ كيفَ تَحْكمُونَ)(39)، وقولِه تباركَ وتعالى: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً)(40)، وقوله في طالوتَ: (إِنَّ اللَهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(41). وقالَ لِنبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم: (أنزلَ عليكَ الكتابَ والحكمةَ وعلَّمَكَ ما لم تكنْ تعلَمُ وكانَ فضلُ اللهِ عليك عظيماً)(42)، وقال في الأئمَّةِ من أهل بيتِ نبيِّه وعترتهِ وذُرِّيّته صلواتُ اللهِ علَيهم: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا)(43).
وإنَّ العبدَ إذا اختارهُ اللهُ عزَّ وجلَّ لأُمورِ عبادهِ شرحَ صدرَهُ لذلكَ وأودَعَ قلبَه ينابيعَ الحكمة، وألهمهُ العلمَ إلهاماً، فلم يعْيَ بعدَهُ بجواب، ولا يحيرُ فيه عنِ الصَّواب، فهُوَ معصومٌ مُؤَيَّد، موفقٌ مسدَّد، قد أَمِنَ من الخطايا والزَّللِ والعِثار، يخُصُّه الله بذلكَ ليكونَ حجَّتَه [البالِغَةَ] على عبادِه، وشاهدَهُ على خَلقهِ، و(ذٰلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(44).
فهل يقْدرونَ على مثلِ هذا فَيختارونَه؟ أو يكونُ مختارُهُم بهذِهِ الصِّفَةِ فيقدِّمُونه؟ تعدَّوا ـ وبيتِ اللهِ ـ الحقَّ ونبذُوا (كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(45)، وفي كتابِ اللهِ الهدى والشِّفاء، فنبَذُوهُ واتَّبعوا أَهواءَهم، فذَمَّهمُ اللهُ ومقَّتَهم وأتعسَهم فقالَ جلَّ وتعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(46)، وقالَ: (فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ)(47)، وقالَ: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا، كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(48)، وصلّى الله على النبيِّ مُحمَّدٍ وَآلهِ وسلَّمَ تسليماً كثيراً)(49).
* وروى الكلينيّ أيضاً عن أحمدَ بنِ محمّدٍ ومحمَّدِ بن يحيى، عن محمَّد بن الحسين، عن أحمدَ بن محمَّدٍ، عن أبي الحسن الكنانيّ، عن جعفر بن نجيحٍ الكنديّ، عن محمّد بن أحمد بن عبيد اللهِ العمريّ، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي عبد اللهِ (الصادق) عليه السلام قالَ: (إنَّ الله عزَّ وجلَّ أنزَلَ على نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً قبلَ وفاته، فقالَ: يا محمَّد، هذهِ وصيَّتُك إلى النُّجَبةِ مِنْ أَهلِكَ، قالَ: وَما النُّجبة يا جبرَئيل؟ فقال: عليُّ بن أبي طالبٍ ووُلدُهُ عليهم السلام. وكانَ على الكتابِ خواتيمُ من ذهبٍ، فدفعَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى أميرِ المُؤمنين عليه السلام وأمَرَه أن يَفُكَّ خاتَماً منه ويعملَ بما فيه، ففكّ أمير المؤمنين عليه السلام خاتَماً وعَمِل بما فيه، ثمَّ دفعَه إلى ابنهِ الحسنِ عليه السلام ففكَّ خاتَماً وعمِلَ بما فيه، ثمَّ دفعه إلى الحسينِ عليه السلام ففكَّ خاتماً فوجد فيه أنِ اخرُج بقومٍ إلى الشَّهادة، فلا شهادَةَ لَهُم إلّا معك، وٱشْرِ نفسكَ لله عزَّ وجلَّ، ففَعَل، ثمَّ دفعه إلى عليِّ بن الحسينِ عليه السلام ففكَّ خاتماً فوجدَ فيه أنِ أطرِقْ واصمُت والزَمْ منزِلَكَ واعبُد رَبَّك حتّى يأتِيك اليقين، ففَعَل، ثمَّ دفعَهُ إلى ابنِهِ محمَّد بن عليٍّ عليه السلام ففكَّ خاتماً فوجدَ فيه: حدِّثِ الناسَ وأفتِهِم، ولا تَخافنَّ إلّا اللهَ عزّ وجلّ، فإنّه لا سبيلَ لأحدٍ عليك، ففَعَل، ثمّ دفعه إلى ابنه جعفر عليه السلام ففكّ خاتَماً فوجد فيه: حدّثِ الناسَ وأفتِهِم، وانشرْ علومَ أهلِ بيتِك، وصدِّق آباءَكَ الصّالحين، ولا تخافَنَّ إلَّا اللهَ عزَّ وجلَّ، وأنتَ في حِرزٍ وأمان، ففعلَ، ثمَّ دفعَه إلى ابنهِ موسى عليه السلام، وكذٰلكَ يدفَعُه مُوسى إلى الَّذي بعدَهُ، ثُمَّ كذٰلكَ إلى قيامِ المهديِّ صلَّى الله عليه)(50).
* كذلك روى الكلينيّ عن محمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد الله، عن عبد الله بن جعفر، عن الحسن بن ظريف وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمان بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال:
(قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاريّ: إنّ لي إليك حاجة، فمتى يخِفّ عليك أن أخلُوَ بك فأسألك عنها؟ قال له جابر: أيَّ الأوقاتِ أحبَبتَه. فَخلا بهِ في بعضِ الأيّامِ فقالَ له: يا جابر، أخبرْني عَنِ اللُّوحِ الَّذي رأيتَهُ في يدِ أُمّي فاطمَةَ عليها السلام بنتِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما أخبَرتْكَ بهِ أُمِّي أنَّهُ في ذلِكَ اللُّوحِ مكتوب، فقالَ جابر: أشهدُ بِاللهِ أَنِّي دخلتُ على أُمّك فاطِمةَ عليها السلام في حَياة رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَهَنَّيتُها بِوِلادَة الحُسَين، وَرَأيتُ في يدَيها لوحاً أخضَرَ ظَنَنتُ أنَّهُ من زُمُرّد، وَرَأيتُ فيه كتاباً أبيضَ شِبهَ لونِ الشَّمس، فقُلتُ لَها: بِأبي وأُمِّي يا بِنتَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما هذا اللَّوح؟ فقالت: هذا لوحٌ أهداه الله إلى رسولهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فيهِ اسمُ أبي وَاسمُ بَعْلي وَاسمُ الأوصياء مِن وُلدي، وأعطانيه أبي لِيبَشِّرَني بذلِك. قال جابر: فَأعطَتنِيهِ أُمُّكَ فاطمةُ عليها السلام، فَقَرَأتُهُ واستنسختُه. فقال لَهُ أبي: فَهَل لكَ يا جابِرُ أن تَعرِضَه علَيّ؟ قالَ: نعَم. فَمَشى مَعَهُ أبي إلى منزِلِ جابِرٍ فَأخرَجَ صحِيفةً مِن رَقّ، فقال: يا جابِر، اُنظر في كتابكَ لِأَقرَأَ [أَنا] عليك. فنظَرَ جابِرٌ في نُسخَتِه، فقَرَأَهُ أبي، فَما خالَفَ حرفٌ حرفاً، فقال جابر: فأشهَدُ باللهِ أَنِّي هٰكذا رَأيتُه في اللَّوحِ مكتوباً:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
هذا كتابٌ منَ الله العزيزِ الحَكيم لِمُحمَّدٍ نَبيِّه ونُورِهِ وسَفيرهِ وحِجابِهِ وَدليلِهِ، نَزَلَ بهِ الرُّوحُ الأمين، مِن عِندِ ربِّ العالَمين: عَظِّمْ يا محمّدُ أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحَد آلائي، إنِّي أنا اللهُ لا إلهَ إلّا أنا قاصِمُ الجبّارين، ومُديلُ المظلومين، ودَيّانُ الدِّين، إنّي أنا اللهُ لا إلهَ إلّا أنا، فَمَن رجا غيرَ فضلي، أو خافَ غيرَ عدلِي، عذَّبتُه عذاباً لا أعَذِّبُ بهِ أحَداً مِنَ العالَمين، فإيّايَ فاعبُدْ وعلَيَّ فَتوكلْ.
إنِّي لم أَبعث نبيّاً فأكمَلَتْ أيّامُه وانقَضَت مُدَّتُه إلّا جعلتُ له وصيّاً، وإنِّي فضَّلتُك على الأنبياء، وفضَّلتُ وصيَّك على الأوصياء، وأكرَمتُك بِشِبلَيك وسِبطَيكَ حسنٍ وحسين، فجعلتُ حسناً مَعدِنَ علمي بعدَ انقِضاءِ مدَّةِ أبيه، وجعلتُ حسيناً خازنَ وَحْيي، وأكرَمتُه بِالشَّهادَة، وختمتُ له بالسَّعادة، فهوَ أفضَلُ مَنِ استُشهِدَ وأرفعُ الشهداءِ درجةً، جعلتُ كلِمتيَ التامَّةَ معه، وحجَّتيَ البالغةَ عندَه، بعترَتِه أُثيبُ وأعاقبُ، أوَّلُهُم: عليٌّ سيِّدُ العابدين، وزينُ أوليائيَ الماضين، وابنُه شِبهُ جدِّهِ المحمود، محمَّدٌ الباقرُ علمي والمعدِنُ لحِكمتي. سيهلَكُ المرتابونَ في جعفر، الرّادُّ عليهِ كالرّادِّ علَيّ، حقَّ القولُ منِّي: لَأُكرِمَنَّ مثوى جعفرٍ ولأَسُرَّنَّه في أشياعِهِ وأنصارهِ وأوليائهِ، أُتِيحَت بعده موسى فتنَةٌ عمياءُ حِندسٌ، لِأنَّ خيطَ فرضي لا ينقَطِعُ وحجَّتِي لا تَخفى، وأنّ أوليائي يسقَونَ بالكأسِ الأوفى، مَن جَحدَ واحِداً منهُم فقدْ جحدَ نعمَتي، ومَن غيَّرَ آيةً مِن كتابي فقدِ افتَرى علَيّ. وَيلٌ للمُفتَرينَ الجاحدينَ عندَ انقِضاء مُدَّةِ مُوسى عبدي وحبيبي وخِيرَتي في عليٍّ وليِّي وناصري، ومن أضعُ عليهِ أعباءَ النُّبُوَّة، وأمتَحنُه بالاضطلاعِ بها، يقتُلُه عِفريتٌ مُستكبِرٌ، يدفَنُ في المدينةِ الَّتي بناها العبدُ الصالِحُ إلى جنبِ شرِّ خَلقي، حقَّ القولُ منِّي: لَأسرَّنَّهُ بمحمدٍ ابنهِ وخليفَتهِ من بعدِه ووارثِ عِلمه، فهوَ معدِنُ علمي وموضعُ سرِّي وحُجَّتي على خلقي، لا يؤمِنُ عبدٌ بهِ إلّا جعلتُ الجنَّة مَثواهُ، وشفَّعتُه في سبعينَ مِن أهلِ بيتِه كلُّهم قدِ استوجبُوا النّار، وأختِمُ بالسَّعادةِ لابنه عليٍّ وليِّي وناصري، والشّاهدِ في خلقي وأميني على وَحْيي، أُخرجُ منه الدّاعيَ إلى سبيلي، والخازِنَ لِعِلميَ الحسنَ، وأكمِّل ذٰلك بِابنِهِ (م ح م د) رحمَةً للعالَمين، عليهِ كمالُ موسى وبَهاءُ عيسى وَصبرُ أيُّوب، فَيذَلُّ أوليائي في زمانِهِ، وتُتَهادى رُؤُوسُهُم كما تُتَهادى رؤوسُ التُّرك والدَّيلَم، فيقتَلُونَ ويحرَقونَ، ويكونونَ خائفينَ مرعوبينَ وجِلِين، تُصبَغُ الأرضُ بِدِمائِهِم، ويفشُو الوَيلُ والرَّنَّة في نسائِهِم، أُولٰئكَ أوليائي حقّاً، بهِم أدفَعُ كلَّ فتنَةٍ عمياءَ حِندِس، وبهم أكشِفُ الزَّلازِلَ وأدفعُ الآصارَ والأغلال، (أُولئك عَلَيهِم صَلَواتٌ مِن رَبِّهِم ورحمةٌ وأُولئك همُ المُهتدُون))(51).
فالإمامة تعيينٌ إلهيّ، ونصٌّ صريحٌ نبويّ، والولاية تسليم إيمانيّ، وإقبالٌ ولائيّ.. فإذا عَلِمنا أنّ الإمامين الحسنين عليهما السلام هما إمامان بأمرٍ من الله جلّ وعلا، وبنصوصٍ متواترة من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم صريحةً بيّنةً واضحة.. دخل على القلوب اطمئنانٌ وثيق أنّ أخلاقَهما سلام الله عليهما أخلاقٌ طاهرةٌ مَرْضيّة، منسجةٌ مع أخلاق الله سبحانه وتعالى غايةَ الانسجام، ومع أخلاق رسول الله، ومع كتاب الله وسُنّة نبيّ الله، ومع الشرع الشريف، والعقل السليم والفطرة السليمة، فتكون أخلاقهما بذلك أَولى بالأخذ بها، ويكونانِ هما سلام الله عليهما أَولى بالاقتداء بهما، وحينئذٍ نقولها بثقةٍ وارتياح: ـ
كم يكون المسلم مطمئنّاً، وعلى هدى وبصيرةٍ وبيّنةٍ من أمره، حين يكون له أئمّةٌ هُداةٌ كالحسن والحسين عليهما السلام، يسلِّم لهما، ويبذل خالصَ محبّته وطاعته لهما، ويهيّئ قلبَه لاتّباعهما وتولّيهما، فيرشِدانِه ويعلّمانه، ويأخذانِ بيده إلى النور والحقّ والصلاح والفضيلة، وإلى النجاة والفوز والكرامة، لأنه تمسّك بحُجْزةٍ مُنْجية، وما هي ـ يا تُرى ـ تلك الحُجْزة المنجية؟
* عن محمّد بن الحنفيّة قال: حدّثني أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومَ القيامة آخِذٌ بحُجْزة الله، ونحن آخِذون بحجزة نبيّنا، وشيعتُنا آخِذُون بحُجزتنا.
قال: قلت: يا أمير المؤمنين، وما الحُجْزة؟ قال: (اللهُ أعظمُ مِن أن يوصَفَ بالحجزة أو غيرِ ذلك، ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخِذٌ بأمر الله، ونحن ـ آلَ محمّدٍ ـ آخذون بأمر نبيِّنا، وشيعتُنا آخذون بأمرنا)(52). وفي رواية الإمام الرضا عليه السلام قال: (والحُجْزةُ النور)(53).
* وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (يجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومَ القيامة آخِذٌ بحجزة ربِّه، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا، وشيعتُنا آخذون بحجزتنا، فنحن وشيعتُنا حزبُ الله، وحزبُ الله همُ الغالبون. واللهِ ما نَزْعَم أنّها حُجزة الإزار، ولكنّها أعظمُ من ذلك، يجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخِذاً بِدِين الله، ونَجيء نحن آخِذين بِدِين نبيّنا، وتجيء شيعتنا آخذين بديننا)(54).
ولا شكّ أنِّ دينَ الأئمّة عليهم السلام ـ ومنهم الحسنان ـ هو دين المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ودِينه هو عينُ دِين الله جلّ وعلا، وهذا ما يضمن النجاة إذا كنّا متمسّكين بولاية الأئمّة الهداة، قال الإمام الصادق عليه السلام: (إذا كان يومُ القيامة جئنا آخِذين بحُجزةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجئتُم آخذين بحجزتنا، فأين يذهَبُ بنا وبكم؟! إلى الجنّة والله)(55).
ودعاؤنا في ندبتنا: (واجعَلْنا مِمَّن يأخذُ بِحُجْزتِهم، وَيمكثُ في ظِلِّهِم)(56).
الخصيصة الثالثة: المواهب الرحمانيّة.. والملكات الذاتيّة والمـؤهّلات الأخـلاقيّة:
القدوة في الأخلاق الإسلاميّة، لابدّ أن تكون له حالاتٌ وصفاتٌ طيّبة من الأعماق، وثوابتُ مبدئيّةٌ إنسانيّةٌ راسخة، تزرع الثقة به في قلوب الآخرين، فلا يرَونه إلّا مؤمناً متوجِّهاً إلى الله تعالى، متّقياً حذِراً من معصية الله ومن وساوس الشيطان وأضاليله ومزالقه، صادقاً مخلصاً في نيّته، عاملاً لله عزّ وجلّ وفي الله تبار‏‏‏ك وتعالى، لا يريد ولا يتوقّع جزاءً من الناس أو شُكوراً، مضحّياً بما عنده من أجل إسعاد الآخرين وإنقاذهم وقضاء حوائجهم.
وهذا لا يتأتّى ـ لاسيّما للأسوة الحسنة ـ إلّا إذا حظيَ من الباري جلّ وعلا بمواهبَ رحمانيّة، وهباتٍ ربّانيّة، ومَلَكاتٍ سماويّة، تؤهّله لأن يكون القدوة في الأخلاق وفي غيرها. وفي سيرة أئمّة أهل البيت النبويّ الشريف، ومنهم الإمام الحسن الزكيّ المجتبى عليه السلام، كلُّ هذه المؤهّلات، نتشرّف ببيان بعضها:
١. عبٰادة الامام الحسن عليه أفضل الصلاة والسلام: إنّ العبادة حالةٌ إيمانيّة عُليا، ف